قد يظن البعض أن تقديم كتلة المستقبل النيابية اقتراح قانون جديد للبطاقة الصحّية يندرج في إطار الحملات الانتخابية، إلا أن القليل من التدقيق يكشف أن الهدف أهم وأبعد: إطاحة أمل اللبنانيين بتحقيق مشروع التغطية الصحّية الشاملة المموّل من الضرائب على الريوع والأرباح الفاحشة!
للتذكير، فإن تيار المستقبل وقّع في عام 2008 مع بقية الكتل النيابية، العدوة والصديقة، على تعهّد رعته المفوضية الأوروبية يرمي الى الانتقال من نظام الضمان الصحي الحالي، المموّل بالاشتراكات، الى نظام التغطية الصحية الشاملة الممول من الموازنة العامّة، وذلك بهدف تحقيق المساواة بين المواطنين جميعهم وتمكينهم من الحصول على حقهم بحد أدنى موحّد من التقديمات الصحية الاستشفائية والطبية والدوائية والمخبرية، فضلاً عن الرعاية الصحّية الأولية.
إلا أن ما طرحه تيار المستقبل أخيراً يمثّل إمعاناً في إهانة نحو نصف اللبنانيين المقيمين المحرومين من أي تغطية صحّية مستقرّة ودائمة، فهو يريد إقامة نظام خاص للمحرومين من الضمان بوصفهم محتاجين وفقراء ومقهورين، لا بوصفهم مواطنين لهم حقوق على الدولة، إذ يحصر التقديمات لهم بالمستشفيات الحكومية ومختبراتها بحسب مناطق إقامتهم ولا يقدّم لهم الطبابة والدواء خارج الآليات التي توفّرها وزارة الصحّة حالياً، وتتركّز على الأمراض المستعصية والمزمنة... على الرغم من هذا الافتئات من حقوق هذه الشريحة الاجتماعية، فإن تيار المستقبل يريد تدفيع كل مضمون مبلغ 100 دولار سنوياً للحصول على بطاقة تخوّله الاستفادة من هذه التقديمات غير اللائقة، وهذا يعني أن أسرة من زوج وزوجة و4 أولاد ستتكبّد سنوياً 600 دولار عدّاً ونقداً، وهي كلفة ستجعل الفقراء عاجزين عن تحمّل كلفتها، وبالتالي تبقيهم رهينة سوق بيع الولاءات وآليات الضبط والإخضاع.
لقد تحرّك تيار المستقبل لتقديم اقتراح قانون في هذا الشأن بعدما صار مشروع التغطية الصحيّة الشاملة مطلباً عاماً جدّياً، صار كذلك منذ أن تجرأ وزير العمل السابق شربل نحّاس على طرحه في مجلس الوزراء كجزء من سياسة مقترحة للأجور. إذ استند في طرحه الى مفهوم الأجر الاجتماعي بهدف حل مشكلة تصحيح الأجور النقدية الذي لا يطال فعلياً سوى 29% من القوى العاملة اللبنانية ويستبعد بقية الناس، بمن فيهم العاطلون من العمل أو العاملون لحسابهم وفئات أخرى واسعة مستبعدة أصلاً من أنظمة الضمان الصحي والاجتماعي القائمة.
يومها، تولى وزير الصحّة علي حسن خليل إدارة تعطيل أي نقاش لهذا المشروع، وعمل على إعداد مشروع بديل يحصر همّه بتنظيم التقديمات الاستنسابية التي توفرها وزارة الصحّة وإقامة نظام شكلي تديره الوزارة. هذه التقديمات اعتبرها رئيس لجنة الصحة النيابية، عضو تيار المستقبل، النائب عاطف مجدلاني، تتم بـ«ظروف صعبة وتعثّر شبه دائم، ما يتطلب تدخل نواب ووزراء لإيجاد سرير في مستشفى، مع ما يطاول كرامة المواطن من إهانة وتجريح»، إلا أن النائب مجدلاني الذي عقد أمس مؤتمراً صحافياً للإعلان عن مضمون اقتراح القانون الجديد، لم يخرج عن السكّة التي تريدها وزارة الصحّة، بل رسم سكّة أخرى موازية تعترض طريق إقرار نظام التغطية الصحية الشاملة لكل اللبنانيين المقيمين من دون أي تمييز أو تفرقة.
يقوم المشروع الذي عرضه مجدلاني باسم تيار المستقبل على أسس عدّة، أبرزها: عدم تناقض هذا النظام مع ما تقوم به مؤسسة الضمان الاجتماعي. تقوم التغطية المقترحة على مبدأ التضامن والتكافل. دعم موقع المستشفيات الحكومية ودورها وتشجيع لامركزية الاستشفاء، وإيجاد التعاون والتناغم بين جهود القطاعين العام والخاص.
وشرح مجدلاني أن «هذا النظام سيمول من موازنة وزارة الصحة ومن اشتراك سنوي بقيمة 150 ألف ليرة يتحمّلها كل حامل للبطاقة الصحية»، ماذا يأخذ في المقابل؟ يجيب مجدلاني «استشفاء مجاني في أي مستشفى حكومي، وخصوصاً المستشفى الحكومي في المحافظة التي ينتمي إليها أو يسكن فيها، يعني إذا أراد مواطن من بيروت أن يدخل الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي ومعه هذه البطاقة، يطبّب ولا يدفع أي ليرة، وإذا مريض في بعلبك يريد الدخول الى مستشفى بعلبك الحكومي يدخل ويطبب ولا يدفع أي ليرة، وإذا أراد هذا المريض أن يدخل الى مستشفى خاص، عليه عندها أن يدفع عشرة في المئة من قيمة فاتورة الاستشفاء. الى جانب ذلك، هذا الاقتراح يقدم إليه هذه البطاقة التي توفر له فحصاً طبياً شاملاً وفحص دم مرة في السنة لكشف الأمراض المستعصية، وإذا كان هناك ضرورة لكشف سرطان الثدي أو سرطان الرئة. هذه التقديمات تكون عبر هذه البطاقة، وهذه البطاقة تكون فاعلة عندما يدفع المريض الاشتراك السنوي، إذ ذاك يصبح الاشتراك ملزماً للمريض، وهذا الاشتراك يكون عن كل شخص في العائلة، هذه هي الخطوط العريضة للنظام».
(الأخبار)