رام الله | مع دخول رمضان يومه الثاني، أعلنت إسرائيل عن نيّتها تقديم رزمة تسهيلات إسرائيلية لفلسطينيي الضفة الغربية خلال رمضان الحالي. التسهيلات التي جاءت بناءً على تعليمات رئيس أركان جيش الاحتلال، بيني غانتس، وموافقة وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، وبالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ستتيح لحوالي مليون فلسطيني فرصة زيارة القدس المحتلة خلال شهر رمضان، في إطار سياسية «تحسين نسيج الحياة للسكان الفلسطينيين في منطقة يهودا والسامرة» كما تقول إسرائيل. بالتزامن مع ذلك، ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تسجيل منشور على صفحته على «الفايسبوك»، وبابتسامة مبتذلة، ولكنةٍ عربية لثغاء يقدّم التهاني «لمسلمي إسرائيل والعالمين العربي والإسلامي» بحلول «شهر غمضان»، واستغلّ المناسبة للحديث عن «ديموقراطية إسرائيل»، واحترامها لحرية العبادة، ودور المسلمين داخلها في بناء الاقتصاد الوطني.
وتبقى تلك «التسهيلات» الموسميّة الإسرائيلية مقتصرة بالأساس على كبار السن والنساء والقاصرين، حيث يسمح لمن تزيد أعمارهم على ستين عاماً بدخول القدس خلال كل أيام رمضان، ينخفض السقف العمري إلى 40 سنة في ليلة القدر وأيام الجمعة فقط، أما النساء فيمكنهن الدخول على اختلاف فئاتهن العمرية. بينما تُمنح التصاريح للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و40 عاماً، ولمن لديهم أقارب من الدرجة الأولى والثانية داخل الخط الأخضر، لكن ليس قبل موافقة الجهات الأمنية الإسرائيلية.
اذاً، هو الموسم الثاني على التوالي الذي تقدّم فيه إسرائيل تسهيلات من هذا النوع، لكن التصاريح ستكون مجانية هذه المرة، بخلاف العام الماضي، حيث كان يُدفع مقابلها مبلغ رمزي، كذلك، لن تضع عراقيل أمام زيارة المدن الفلسطينية الأخرى، مثل يافا وحيفا وعكا، وستكتفي بطلب تعبئة نموذج ببيانات شخصية ممن يودون ذلك.
في العام الماضي، دخل ما يقارب 650 ألف فلسطينيي إلى داخل الأراضي المحتلة، ولم يكتفوا بزيارة القدس، بل توجّهوا للاستجمام على شواطئ حيفا وتل أبيب، وهناك أفرغوا همومهم وجيوبهم، وتلقّى الاقتصاد المحلي ضربة موجعة في موسم يعدّ حيويّاً له، فكان التاجر الفلسطيني هو الخاسر الأكبر.

محمّد أبو طه، صاحب أحد المحال التجارية وسط رام الله، كان واحداً من الذين تأثرو بموجة التصاريح الممنوحة للفلسطينيين خلال رمضان الماضي، يقول لـ«الأخبار»: «الموسم الماضي كان أحد أسوأ المواسم بالنسبة للتجار الفلسطينيين، لم نشهد كساداً كهذا منذ أيام الانتفاضة، الناس كانت تخرج إلى رام الله للتنزه لا التسوق، استوردنا كميات ضخمة من البضائع استعداداً لرمضان، ثم فوجئنا أن الزبون الفلسطيني صرف ماله في إسرائيل».
ويضيف أبو طه: «التاجر الإسرائيلي يدرك جيّداً أن هذا موسم حيوي وحساس بالنسبة لنا، فيخرج البضاعة الكاسدة والتالفة من المخازن ثم يبيعها بأسعار رخيصة للزبون الفلسطيني، الذي لا يدرك أنه يدفع ثمناً باهظاً مقابل بضاعة تالفة». ويستدرك: «الأسعار بشكل عام أغلى في إسرائيل مقارنة بالأسعار هنا، لكن كلّ ما يدفع الفلسطيني هناك يساهم في دعم الاقتصاد الإسرائيلي على حسابنا، المواصلات، المشتريات العادية... حتى لو قنينة عصير، كلّو بأثر».
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي عادل سمارة في حديثه إلى «الأخبار» أن هذه التصاريح تمثّل محاولة إسرائيلية «لجر الشعب الفلسطيني كله نحو التطبيع، وتغييب مفهوم المقاطعة من خلال تعميق الاستهلاك من العدو». ويضيف: «كل ذلك مرتبط بطبيعة العلاقة الاقتصادية بين المناطق المحتلة والكيان الصهيوني، بمعنى أن الاقتصاد في الأراضي المحتلة عبارة عن جداول مائية تبدأ في تلك المناطق وتصب في البركة المالية الإسرائيلية، من جانب آخر، عندما تفتح إسرائيل الحدود في هذه الفترة تحديداً، فكأنها تحاول سرقة ما يمكن أن ينفقه المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية، ليتحول مباشرة إلى التاجر الإسرائيلي، هذا في ما يتعلق بالشق الاقتصادي، سياسيّاً تستغلّ إسرائيل ذلك لتبدو أمام العالم وكأنها تحترم تعدّد الأديان، وحرّية العبادة».
لكن لا يزال ذلك الأمر يشكّل مصدر جدل في الشارع الفلسطيني، البعض يرفض التعامل مع تلك التصاريح، لأنه يرى فيها انسياقاً وراء الدعاية الصهيونية، ودعماً للاقتصاد الإسرائيلي، فيما البعض الآخر يعتقد أنّ من حقّه أن يرى الجزء المغيّب من وطنه ولو مرّة واحدة في العمر. نور الأقطش، هو أحد الذين حصلوا على تصريح لدخول القدس المحتلة، يقول لـ«لأخبار»: «برأيي؛ الدعاية الاسرائيلية عن استيعاب كل الاديان في القدس مكشوفة للكل مش بس إلنا، وهذه الرسائل الكاذبة لم يعد ينفع ترويجها، لأن الإعلام قادر على كشفها، إضافة إلى أن التصاريح تؤكد على أن اسرائيل دولة محتلة تحرم الفلسطينيين من العبادة وزيارة المقدسات الا في شهر بالعام». لكن ماذا عن دعم اقتصاد إسرائيل؟ يجيب: «البضائع الإسرائيلية تملأ الأسواق الفلسطينية، فلو أردنا ألا ندعم الاقتصاد الإسرائيلي فالأولى أن نبدأ بمقاطعة سلعهم التي تصل لنا».
رغم ذلك، هناك من يفضّل دخول القدس بطريقته الخاصة. أحد الشباب الفلسطينيين حصل على تصريح عن طريق أخيه دون علمه، رفض الدخول من خلاله، واختار الوصول إلى القدس عن طريق التهريب. يقول الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الأخبار»: «أنا لست ضد زيارة الأراضي المحتلة، لكن أنا أريد تلك الزيارة في حالة واحدة: أن أتعرف على وطني دون أن أفيد الاحتلال ماليا أو سياسيا، وهذا غير متوفّر في هذه التصاريح». ويتابع: «اخترت أن أدخل القدس عن طريق التهريب لأنني لا أريد دخولها بإشارة من الجندي الإسرائيلي، ولا بتصريح من قياداته الأمنية، لا أريد أن أرى وطني دولة ثانية باختصار».