«جلسة استثنائية لمجلس وزراء تصريف الأعمال» هو عنوان هذه المرحلة من التعقيدات السياسية. الجلسة ضرورية، ليس فقط لبتّ مستقبل قيادة المؤسسة العسكرية، بل لإقرار مرسومين أساسيين لقطاع النفط والغاز.
ما يدور في الصالونات السياسية حالياً هو أنّ التمديد لقائد الجيش جان قهوجي سيكون في مقابل إقرار مرسوم تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية إلى بلوكات لاستثمار نفطها وغازها والمرسوم الخاص باتفاقية الاستكشاف والتنقيب.
بقدر أهميّة استقرار المؤسسة العسكرية، هناك حسابات استراتيجية في الكفة الأخرى من الميزان يُمكن تلمسها في الإجابة عن السؤالين الآتيين: ماذا يعني تأخير الإجراءات الضرورية للمضي قدماً في المسيرة النفطية؟ وكيف ينعكس الأمر حتّى الآن على القطاع الذي تهافتت عليه شركات يفوق حجم بعضها اقتصاد لبنان برمته؟
أخطر ما في الأمر هو ما حذر منه وزير الطاقة والمياه جبران باسيل أخيراً، ومفاده أن حقل «كاريش» الذي اكتشفته إسرائيل أخيراً متاخم للحدود اللبنانية ويُمكّن الدولة العبرية من شفط الغاز اللبناني باستخدام التكنولوجيا المتاحة.
وفقاً للتقديرات التي أعدتها شركة الاستشارات النفطية «Netherland, Swell & Associates»، ونُشرت نهاية الأسبوع الماضي، يحوي «كاريش» الذي يبعد 75 كيلومتراً تقريباً عن ساحل حيفا، قرابة 1.8 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويتماهى هذا الرقم مع تقديرات شركة «نوبل» التي تُطوّر المشروع.
وما أكّدته أبحاث الشركة الأميركية، وجود رواسب مكثفات الغاز (Condensates)، أي تلك المواد التي تترسب في الآبار بعدما يتحوّل الغاز الطبيعي إلى حالة السائل لأسباب طبيعية أو خلال عملية التنقيب. هذه المواد تُعد ثمينة جداً، نظراً إلى القدرة على استعمالها في تركيب الفيول وفي صناعة البلاستيك، وسعرها يعادل سعر مزيج «برنت» الخام – الأفضل عالمياً – ويفوقه في بعض الأحيان.
ومع هذه المعلومات الجديدة تكون الكميات الإجمالية من مكثفات الغاز التي اكتُشفت حتى الآن في الحقول الثلاثة – «كاريش»، «تامار» و«ليفايثان» – قد وصلت إلى 60 مليون برميل. وبالاعتماد على سعر برميل «برنت» في بورصة لندن أمس، يكون سعرها حالياً 6.5 مليارات دولار.
هناك أوجه سلبية للجمود اللبناني أبعد من المخاطر الإسرائيلية. في ظلّ التأخر يسود التململ في أوساط بعض الشركات وفقاً لمصادر متابعة للملف النفطي المتشعب في هذه الآونة. إحدى الشركات الكبرى بينها – وهي مختصّة بالتنقيب عن الغاز وتُعدّ أحد المراجع في هذا الحقل عالمياً وتنشط في أوروبا وفي بحر الشمال – قررت الانسحاب كلياً من التجربة اللبنانيّة.
الحديث في الردهات وبين المراقبين هو كالآتي: «يبدو أن هناك حركة سياسية لبنانية لا تكترث بما يحلّ بالثروة النفطية: فلتأخذها إسرائيل أفضل من أن تتحقّق بجهود فريق سياسي معين!»، وفقاً لما ينقله خبير نفطي.
ومنذ أيار الماضي، حين أطلقت دورة التراخيص الأولى، دخلت الشركات الـ46 المتأهلة في محادثات مع لبنان بشأن نموذج اتفاقية التنقيب والاستخراج (EPA) التي تُحدّد دقائق العلاقة بين الطرفين، إضافة إلى التعديلات الضريبية المقترحة لولوج عالم النفط بأعلى الفوائد المتاحة.
«وضعت الشركات بعض الملاحظات على مسوّدة الاتفاقية، وتنتظر النسخة النهائية التي ستصدر بموجب مرسوم خاص في مجلس الوزراء»، يقول المصدر نفسه.
غير أنّ المرسوم الخاص بهذه الاتفاقية ليس كل شيء؛ إذ هناك أيضاً مرسوم تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة (المياه الإقليمية الممتدة على مساحة 22 ألف كيلومتر مربع) الذي يحتاج إلى أن يُقرّ في مجلس الوزراء. وقسمت هيئة إدارة قطاع النفط مع خبراء وزارة الطاقة المياه الإقليمية إلى 10 بلوكات تراوح مساحة كلّ منها بين 1500 كيلومتر مربع و2500 كيلومتر مربع.
وتموضعت الشركات في إطار تجمعات – كونسورتيوم – لكي تُقدّم عروضها لاستثمار قطاع النفط والغاز اللبناني في الخريف المقبل، مع إمكان توقيع أول عقد مع بداية ربيع 2014.
لا شكّ في أن الشركات العالمية التي أعربت عن اهتمامها بثروة لبنان – ومنها ExxonMobil وChevron وTotal وStatoil – تعي تماماً أن خوض غمار التجربة اللبنانية يعني بعض التأخير، نظراً إلى تركيبة السياسة في هذه البلاد. أكثر من ذلك، مع انطلاق قطار النفط اللبناني، بدا الصراع اللبناني الإسرائيلي وإمكان تضرر المصالح الطاقوية – من منصات الغاز في المتوسط، وصولاً إلى الضغوط السياسية – ثانوياً على أجندة الشركات. السبب أن لا مصلحة لأحد في إشعال الصراعات في ظل وجود ثروة بهذا الحجم في الحوض الشرقي للمتوسط، وخصوصاً إسرائيل التي تبحث اليوم إمكان تصدير 40% من إنتاجها الذي انطلق الربيع الماضي مع بدء الضخ من حقل «تامار».
ولكن إلى أي مدى يُمكن الانتظار؟