تناولت بعض تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي حادثة قطع عضو ربيع الأحمد على أنها نكتة. هكذا، فهموها: فعل يبعث على الضحك، ولم يفهموا أن ثمة جريمة مقززة بمذهبيّتها وساديّتها، أخرجت من الذاكرة قصة الموروثات الاجتماعية التي لم يفلح تغيّر أنماط التفكير في استئصالها.
الشاب الذي قطع عضوه في الساحة العامة في بيصور اسمه ربيع الأحمد. لم يعد الأمر يحتمل التجهيل. فهنا، ليس محضراً قضائياً ولا يمكن أن يكون كذلك. ما يحصل هنا جريمة واقعية «نوعية» نبشها مفتعلوها من ذاكرة الحرب.
هو ربيع الأحمد. شاب من منطقة حرار في قضاء عكار. وهي ردينة ملاعب. ابنة العائلة المحافظة التي ولدت في بيصور ولم تخرج منها. فما بين حرار وبيصور مسافة لا تقاس بالكيلومترات. فهاتان البلدتان لم تلتقيا يوماً بعلاقة قربى. وعندما التقتا، تكللت العلاقة بجريمة جماعية، شارك فيها الكل بلا استثناء.
بدأت القصة قبل عامين، عندما تعرّف ربيع على ردينة في حرم الجامعة في قبر شمون. كان يقل صديقه. في الجلسة الأولى، عرّفها ربيع باسمه وبمذهبه. كان الفعل مقصوداً، فهو الذي يعرف بيئة ردينة التي ترفض «الاختلاط بما هو خارج عن الملّة». مع ذلك، قبلت ردينة وأحبت ربيع. فاتحت والديها بأنها تنوي الزواج بشخص من غير ملّتها. وقتها، جنّ جنون العادات والتقاليد. فكيف لردينة الدرزية أن تتزوج سنياً؟ يا غيرة الدين. خالفت رأي والديها وذهبت مع حبيبها بملء إرادتها. يومها، لم تأبه إلا للحب.
كان يمكن أن يسير كل شيء وفقاً لعرف الملّة في مثل هذه الحالة. وغالباً، ما يكون النفي أقصى الاحتمالات. وكان ذلك ضمن حساباتها لولا تلك الزيارة المباغتة التي قامت بها مع زوجها ربيع لمنزل شقيقتها، بعد 10 أيام من عقد القران. يقول ربيع «شربنا القهوة معاً وتحدثنا». بعدها، خرجت الشقيقة من البيت إلى «التحري»، و«ادّعت بأني خطفت ردينة بقوة السلاح وزوّرت عقد الزواج». هكذا، حضرت التهمة الأولى: تم اصطحاب ردينة من البيت واستدعي ربيع من عمله في أحد مطاعم بيروت للتحقيق معه. وأثناء التحقيق، تناهى إلى سمع ربيع صوت وزير معروف يقول لشقيق الزوجة على الخط الآخر من الهاتف «عملّو شي تفنغي وزيحوه». عبارة لم يسمعها وحده. سمعتها ردينة أيضاً والتحري، يقول ربيع. في المحصلة، خرج الزوجان بلا تهمة. عندها، بدأت الاتصالات من أهل الزوجة بالعروسين من أجل إتمام المصالحة. كانت الدعوة مستعجلة. فما بين الدعوة إلى بيت أهل الزوجة وتلبيتها مسألة دقائق، استغلها ربيع بالحديث مع خال الزوجة «المسؤول في العائلة» للاطمئنان، قال الخال: «طلعوا وعلى مسؤوليتي». أتبعه ربيع باتصال ثان بعائلته يعلمها بالمصالحة. في الاتصال، لمس ربيع تخوف أهله من ذهابه وزوجته وحدهما إلى بيصور، وسرعان ما طمأنهما بـ«وعد الخال».
الساعة التاسعة والنصف مساء أول من أمس، وصل ربيع وردينة الى دار أهلها. كانوا ثمانية: شقيقاها وخالها الصغير وأمها وأبوها وابن عمها واثنان من الأقارب. سحبوا الشاب إلى صالون البيت، فيما الزوجة فصلت إلى مكانٍ مجهول لا يعرفه الزوج إلى الآن. رموه أرضاً وأوسعوه ضرباً. الكل كانوا يشاركون في الضرب بسادية مقززة. في ظل ذلك، تجمهر الكثير من البشر. لم «يبلّوا» أيديهم به، لكنهم كانوا يشاركون. بحضورهم وصمتهم المفتعل. مزقوا ثيابه. أدموه، حتى صار ربيع معلقاً ما بين الأرض والسماء. خافوا أن يموت قبل أن يشبعوا رغبتهم بانتقام لم يكن مفهوماً.
لم يشبعوا غرائزهم. أرادوا أن يجعلوه عبرة لمن يحاول «اغتصاب» شرفهم. أو هكذا ظنوا. جرّوه إلى الساحة العامة، على مرأى من أعين «الشامتين». رأى، قبل أن ينطفئ النور في عينيه، «الضيعة كلها على الطريق والبالكونات». كان الكل يتفرج. كانت جريمة بشعة بجمهورها. أوصلوه إلى الساحة. رموه بدمه وسط المتفرجين. وبدأوا يفكرون بطريقة موته. صارت الأصوات تعلو بالاقتراحات «اذبحوه»، «ارموه بالرصاص». ثمة من استرجع حادثة كترمايا التي تفنّن أهلها في قتل العامل المصري، فقال «اذبحوه ثم علقوه على العمود». كان ينظر إليهم، منتظراً موته، فيما هم منتشون بساديتهم ووحشيتهم. خرج منتشٍ منهم ووجد الحل «اقطعوا عضوه ثم اذبحوه». وختم «هكذا تعذبونه أكثر». أيدوا الاقتراح. من سينفذ؟ شقيقا الضحية طبعاً. قطعاه معاً. انتشيا أكثر، ثم أكثر عندما حملا العضو وأخذا الصور التذكارية معه. تدافش البعض للاحتفاظ بالصورة نفسها. بعدها، حملوه وعلقوه على العمود، وكادوا يذبحونه لولا تدخل عضوين من المجلس البلدي، يقال إنهما حضرا صدفة.
فكّوه ورموه أرضاً سابحاً بدمه. وكانوا ينتظرون موته، حتى عندما حضرت سيارة الإسعاف لحمله إلى المستشفى، حاولوا اعتراض طريقها. أخذوه إلى مستشفى الشحار الغربي عند الحادية عشرة ليلاً، ليعرف الأهل عند الواحدة فجراً بأن «ربيع ضرب». لا أكثر ولا أقل. صباحاً، عرف الأهل «بالجريمة النوعية التي تطالنا كلنا وليس ربيع وحده»، يقول علي، شقيق الضحية. هي ببساطة «تعليمة». والرد على التعليمة وقع بين خيارين في حرار «إما العضو بالعضو وإما جعلها قضية رأي عام». اختار الأهل تحويلها قضية رأي عام، ولهذا توجه ربيع إلى الإعلام. أول من أمس، نقل ربيع إلى مستشفى بيروت الحكومي. يدرك الشاب أن المسألة ليست مسألة عضو يستبدله بعد شهر بآخر اصطناعي، هي مسألة «كرامة». كرامة لم يقف عندها «لا مسؤول ولا نائب، ومن اتصل كان يستنكر في محاولة للفلفة». على شاكلة لفلفة موت رولا يعقوب التي لم ينصفها القضاء حتى الآن. وهو الذي لا يعوّل عليه ربيع: شيء واحد قد يعوّض عليّ هو «إعدام أحدهم»، وإلا «فسأنتقم منهم». هكذا، العنف يدور ويدور... يصبح جماعياً ومقبولاً.