كهنة أبرشية بيروت للروم الأرثوذكس أعلنوا الحرب، بطريقة عبثيّة ومحزنة، على عرض راقص استثنائي بعنوان Puz/zle للكوريغراف البلجيكي سيدي العربي الشرقاوي، منحتنا «مهرجانات بعلبك الدوليّة» فرصة وشرف مشاهدته هذا الصيف (٣٠ آب/ أغسطس المقبل). «الجريمة» التي ارتكبها هذا الفنّان الاستثنائي، المعنيّ بسؤال التعدديّة والاختلاف، هي استعمال ترتيلة بيزنطيّة في أحد مشاهد عمله.
هذا الأمر الطبيعي المعتمد في روائع من تاريخ الفنّ، بدا لبعضهم «تدنيساً». المطلوب الآن قصّ المشهد أو تغيير الترنيمة، أو… عدم المجيء إلى لبنان. بعض رجال الدين الذين يفترض بهم تمثيل إحدى الطوائف الأكثر عقلانيّة وليبراليّة وانفتاحاً في لبنان، يريدون إعادتنا إلى أزمنة التكفير ومحاكم التفتيش. بالأمس فرضوا منع فيلم فاروق أكسوي «فتح ١٤٥٣» (عن سقوط القسطنطينيّة) بسبب مشهد يبالغ في تصوير عيوب الإمبراطور البيزنطي. واليوم يريدون الاعتداء على استعراض الشرقاوي بمشاركة الفنّانة الكبيرة فاديا طنب الحاج. لم يشاهد هؤلاء العمل، ولم يقرأوا حتّى عنه، كما يبدو من تصريحاتهم. لقد شاهدوا الإعلان على التلفزيون، فكان أن أعلنوها حرباً مصيريّة، وحوّلوها إلى قضيّة دولة. «لن نسكت عن الإهانة» صرّح أحد الكهنة في تقرير مضحك نشرته «النهار». أي إهانة يا أبونا؟ سيدي العربي ابن الفلامنكيّة والمهاجر الطنجاوي إلى أنفيرس، يبني عمله هذا على التراث الديني والثقافي لشعوب مختلفة. ويطرح سؤال تلاقي الروافد الثقافيّة، والحوار بين الأصول والجذور والهويّات. من نصّبكم حرّاساً على تراث عريق هو ملك الإنسانيّة جمعاء؟ هل صارت الأميّة والأصوليّة والتزمّت والبارانويا، هي المعايير التي تتحكّم في حياتنا الفكريّة والثقافيّة؟

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@