منذ حوالى أربع سنوات، يمضي كل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الجزء الأكبر من يومه في منزل وزوجته النائبة ستريدا جعجع في منزل آخر. يعيش جعجع في «قلعة» معراب وسط الجبل الكسرواني، بينما استوطنت زوجته منزلهما القديم في منطقة يسوع الملك قرب الساحل الكسرواني، على بعد عشرين دقيقة في السيارة من عش الزوجيّة.
بررا إعلامياً ذلك بضرورات عمل كل منهما، وعدم تأقلم السيدة جعجع مع ضرورات زوجها الأمنية، مؤكدَين دائماً أن السيدة جعجع إنما تصعد كل مساء إلى معراب وتنزل صباحاً. لكن مظاهر العشق لدى هذا الثنائي الراقص في السهرات وعبارات الغزل والحب المتبادلة بينهما طغت على المفارقة السكنية هذه. فلم يثبت لكل من سأل ودقّق وتابع أن في قيادة معراب خلافاً أو بذور خلاف زوجي سينعكس عاجلاً أو آجلاً اختلافاً على توزيع المناصب واختيار المرشحين وتقاسم الغلّة. وحال القوات اللبنانية ليست في هذا السياق كحال غالبية القوى السياسية الأخرى التي يمكن زعماءها أن يقدموا على الزواج والطلاق من دون أن يكون لهذا الفعل العائلي العادي أي تأثير على المستوى السياسي، نظراً إلى نفوذ السيدة ستريدا طوق جعجع التنظيمي الكبير داخل حزب القوات وإمساكها بالجزء الأكبر من ثروة القوات واتكال جعجع بنحو كامل عليها في بشري.
إلا أن الأمور بدأت تخرج، كما تتداول بعض الأوساط الرهبانية، عن سيطرتهما؛ فبعد تفاقم شكوى النائبة البشراوية منذ سنوات من شوائب تسود علاقتهما الزوجية، اقترح جعجع لجوءهما إلى الاستشارة الروحية، على غرار غالبية العلاقات الزوجية المسيحية حين وقوع مشاكل. واختار جعجع لرأب الصدع في علاقته الزوجية راهباً كسليكياً يثق به، شاءت «الصدف» أن يتزامن اختيار جعجع له مع تسلّمه مفاتيح دير يقع ضمن نطاق معراب الأمني. وهكذا بدأ الثنائي بالتردد إلى ذلك الدير، للصلاة كما دأب جعجع على القول لمرافقيه. وبلغ مجموع جلساتهما المسائية حتى يوم الاثنين الماضي (5 آب) ستّ عشرة جلسة، بحسب المعلومات المتداولة على نطاق ضيق جداً بين بعض الرهبان، تراوح مدة كل جلسة منها بين ساعة وساعة ونصف. وفي موازاة النقاش العائلي الخاص، شملت الجلسات حوارات تفصيلية تتعلق بممتلكات القوات اللبنانية وثروتها وكيفية الفصل بين ما كانت ستريدا أساساً تملكه وما جيّره جعجع من مال قواتي وأرزاق لها وللمقربين منها قبل اعتقاله.
لكن بدا يوم الاثنين الماضي أن تلك الجلسات الروحية تكاد «تكسر» زواج العشرين من تشرين الثاني 1991، بدلاً من أن «تجبره». ويقول أحد المطلعين إن الخلافات التي كانت تشد الزواج إلى الأسفل بدلاً من أن تنتشله، تفاقمت فجأة في الأيام الأخيرة. وبدا واضحاً أن الجلسات الروحية فشلت في ترميمه، مع العلم بأن الجلسات المماثلة تكون غالباً الملجأ الزوجي الأخير قبل الشروع في معاملات الطلاق، إلا إذا نجح جعجع في إقناع زوجته بالتضحية ببعض رغباتها والاستمرار في علاقتهما الزوجية كما هي.
وبعيداً عن التفاصيل الشخصية لما يُسرّبه المصدر المعنيّ من انعكاسات جمّة، تنظيمياً ومالياً، على القوات اللبنانية. فإثر سجن جعجع، بعد حوالى عامين على زواجه، كبر نفوذ ستريدا في ما بقي من القوات اللبنانية ككرة الثلج التي أخذت تتدحرج وتكبر حتّى طمست الأشجار اليابسة والبراعم الخضراء. وبعد خروجه من السجن، بدلاً من أن يحاصر نفوذ زوجته داخل القوات ويعيد إليها من أقصتهم ستريدا لأسباب مختلفة، عمد رئيس حزب القوات إلى تكريس أولوية رأي سيّدة القوّات الأولى ونهائيته. وأبعد جعجع في هذا السياق رفاق سلاح وانتفاضات وانتخابات كتائبية وتركيبات جمة، لمصلحة الفريق الذي اختارته زوجته. ولا تتعلق القضية هذه المرة بمسؤول طالبي سابق أو عسكري سابق في القوات أو مسؤول مهنيات، بل بالعمود الفقري لقوات جعجع: من تركيبة بشري كلها، إلى النائب فادي كرم في الكورة، فمفاتيح رئيسة في التركيبة الكسروانية المناوئة لمرشح القوات المعلن شوقي الدكاش، فالمرشح إدي أبي اللمع في المتن ومفاتيح رئيسة في تركيبتي القوات في الأشرفية وزحلة. يكاد النائب أنطوان زهرا يكون العضو الوحيد المنتمي في كتلة القوات إلى «جماعة» جعجع في التركيبة الحاليّة، فيما الآخرون أقرب إلى السيدة. ورغم انتفاض جعجع قبل بضعة أشهر وإجراء تعديلات كثيرة على فريقه الأمني، فإن نفوذ ستريدا هنا أيضاً كبير، من إيلي براغيد إلى فرنسوا أبي راشد، مروراً ببطرس جبور. هي ليست زوجة سياسي تمثله في بعض المناسبات، ستريدا شريك حقيقي لجعجع في قيادة القوات من القاعدة حتى رأس الهرم الحزبي والأمني والسياسي والمالي. فمالياً تتوزع ثروة القوات ضمن ثلاث مجموعات: عقارية وجزؤها الأكبر لا يزال باسم ستريدا وأقربائها، وتمثّل محوراً رئيساً في الأزمة بينهما. استثمارية، وخصوصاً في كردستان، وقد استعاد جعجع غالبيتها. ونقدية يتشارك الزوجان تحكّمهما فيها عبر توقيعهما المشترك على أوراقها، مع العلم بأن جعجع يتّكل منذ «أول طلعته» السياسية على وكالات البيع، لا التسجيل، فلا تجد بالضرورة أملاكاً باسمه أو باسم زوجته: يسجل بأسماء أفراد في مجموعة ضيقة يثق بها، تعمد إلى التوقيع عند كتّاب العدل مباشرة بعد التسجيل على وكالات بيع لجعجع يكون بموجبها المالك الفعلي لعقارات ليست باسمه.
بطريركياً، لا معلومات عن التأزم الطارئ على هذا الزواج المارونيّ، وكذلك الأمر في المحكمة الروحية. لكنّ المتابعين للملف يجزمون بأنّ الخلافات المماثلة كانت تصل غالباً إلى الفاتيكان ويبتّها قبل أن يذاع الخبر. ويأخذ هؤلاء في الاعتبار أن جعجع في حال افتراقه العلني عن ستريدا ستكون خسارته أكبر، مالياً وتنظيمياً أقله، من خسارة ستريدا، ما سيزيد الأمور سوءاً بالنسبة إلى «الحكيم»، يضاف إلى مشاكله الأخرى محلياً وإقليمياً… ويفترض أن يبذل جهداً كبيراً لمنع حصوله.



الإقطاعيّة والفقير

تعرّف سمير جعجع إلى ستريدا طوق في أواسط الثمانينيات، بمسعى من أحد أقرباء ستريدا، بناءً على اعتقاده أن تزويجهما يعزز مكانته السياسية. لكن لم تلبث علاقتهما بهذا الشخص أن ساءت على غرار غالبية أصدقائهما السابقين. وسجل أول ظهور علني لهما في صيف 1986 في مطعم «حريقة» في عجلتون، في احتفال إعلاميّ قواتيّ، وقد جلس إلى جانبهما يومذاك كلّ من رئيس حزب الكتائب النائب الراحل جورج سعادة وعم ستريدا وخصمها البشراوي حالياً النائب السابق جبران طوق. ومثلت هذه العلاقة العاطفية انعطافاً في حياة جعجع الذي كان مغرماً في السابق بإحدى أبرز مقاتلات القوات اللبنانية، فغيّرت ستريدا نمط حياته وبات في خزانته في المجلس الحربي ثياب غير عسكرية من ماركات لم يسمع بها المقاتلون من قبل. ويفيد التذكير هنا بأنّ ستريدا تنتمي إلى عائلة بورجوازية أضافت إلى إقطاع أراضيها البشراوية ثروات ضخمة من أفريقيا، فيما ينتمي جعجع إلى أسرة بشراوية توصف _ اقتصادياً _ بالفقيرة، مقارنة بأسرة ستريدا. وبعد ست سنوات على تعارفهما، في 20 تشرين الثاني 1991، دخل سمير وستريدا كنيسة مار شربل في عنايا على وقع كلمات جبران خليل جبران «ولدتما معاً وستظلان معاً»، ووافق الثنائي يومذاك مكلّلهما القول إن ما جمعه الله لا يفرّقه إنسان.