لم تعد وزارة الاقتصاد والتجارة تدعم الرغيف. كانت الوزارة تقدّم الدعم من خلال آلية واضحة؛ تشتري القمح وتبيعه للمطاحن بأسعار مدعومة، ثم تفرض على صانعي الرغيف سعراً ووزناً محددين لبيع ربطة للمستهلك. تهاونت الوزارة كثيراً في هذا المجال. منحت صانعي الرغيف الكثير من الامتيازات، وفتحت لهم مجالات سرقة أموال عامّة. الدعم بحدّ ذاته لم يكن عادلاً؛ لأنه كان يساوي بين الأثرياء والفقراء.
الكل كان يشتري الخبز بالأسعار المدعومة. حتى نهاية عام 2011 أنفقت الخزينة العامة 75 مليون دولار على دعم الخبز. غالبية هذا المبلغ أنفق خلال الأعوام 2007، 2008، و2009. لكن من استفاد من الدعم؟ باب الهدر والسرقة كان مفتوحاً إلى درجة أنه في أيام الوزير سامي حداد في وزارة الاقتصاد كانت المطاحن والأفران تتقاتل في ما بينها ومع الوزارة بهدف فرض آلية دعم تمرّ من خلالها حصراً. تارة كانت المطاحن تكسب الجولة فتقرّ الوزارة آلية دعم من خلال احتساب مبيعات الطحين وحصّة كل مطحنة من الكميات الموزّعة للرغيف العربي. وتارة تربح المخابز والأفران فتخصص لها الوزارة قسائم شراء مقبولة من المطاحن. وعندما تقرّر الدولة أن كمية استهلاك الطحين المخصصة لإنتاج الخبز العربي قد زادت، عندئذ ترتفع وتيرة التقاتل على آلية توزيع الدعم. آلية الدعم تغيّرت في السنوات الثلاث الأخيرة، فكانت وزارة الاقتصاد تستورد كميات وتبيعها بالسعر المدعوم للمطاحن على أساس حجم استهلاك متفق عليه.
كان أساس الدعم هو أن سعر طن القمح يزيد على 290 دولاراً. كانت الدولة تدفع، من المال العام، كل قرش يزيد على هذا المستوى، وكانت المطاحن تبيع الأفران طن الطحين بسعر 590 ألف ليرة، أي 391 دولاراً. اليوم انخفض سعر طن القمح في السوق العالمية إلى 270 دولاراً، كما يقول وزير الاقتصاد نقولا نحاس. لكن السؤال الذي لم يجد له نحاس حلّاً هو: عندما ارتفع سعر القمح عالمياً انخفض وزن ربطة الخبز من 1500 غرام إلى 900 غرام، وأُبقي على السعر نفسه. اليوم، انخفض السعر إلى 270 دولاراً، أي بفرق 7% عن سعر الدعم، لماذا لا يزاد وزن الربطة مهما كانت الزيادة بسيطة؟ أم أن الأمور لا تسير إلا باتجاه واحد، مرّة على حساب المال العام، ومرة من جيوب الفقراء؟