القاهرة -الصراع السياسي الذي اشتعل قبل أكثر من نصف قرن بين الصحافي والكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل (1923)، وجماعة الإخوان المسلمين، تحوّل أخيراً إلى صراع قضائي للمرّة الأولى. فقد قرّر «الأستاذ» كما يلقبه صحافيو المحروسة، التقدّم ببلاغ رسميّ أوّل من أمس يتهم فيه عناصر من جماعة الإخوان المسلمين بحرق منزله الريفي (يوم الأربعاء 14 آب/ أغسطس) في قرية برقاش في مدينة منشأة القناطر في محافظة الجيزة، وهو اليوم نفسه الذي قامت فيه قوات الجيش بفضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
ملخّص ما جرى وتابعه المصريون لحظة بلحظة في اليوم العصيب، أنّ أنصار الأخوان أحرقوا العديد من المنشآت الحكومية والخاصة والكنائس في أنحاء مصر، بعدما علموا بخبر فضّ الاعتصام بالقوّة. وإذا كانت قيادات الجماعة قد حاولت بلا جدوى التهرّب من الاتهام بحرق المنشآت، وإلصاقها بجهات الأمن بحجة مضاعفة كراهية الشارع للإخوان، فإنّه لا يمكنهم التملّص من جريمة إحراق منزل هيكل.
وقد طالب محامي هيكل رياض زكي النيابة بمعاينة المنزل والتحرّي عن عناصر جماعة الإخوان المقيمين في المنطقة نفسها التي وقع فيها الاعتداء، فمن المستبعد وصول عناصر من خارج المنطقة، لأن الحريق بدأ بعد وقت قصير من فضّ الاعتصامات. وتبلغ مساحة مزرعة الصحافي هيكل نحو 100 ألف متر مربع، ويقع في قلبها منزل ريفي بسيط مكوّن من طبقتين، اعتاد هيكل قضاء إجازته فيه بعيداً عن ضوضاء القاهرة. وشهد ذلك المنزل الكثير من الأحداث والقرارات المهمة في تاريخ مصر؛ إذ اعتاد الإعلامي أن يدلّ ضيوفه على أماكن المنزل التي كانت مفضَّلة لجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وأم كلثوم وغيرهم من زعماء ونجوم مصر والعالم عندما كانوا يزورونه في برقاش. إلى جوار المنزل، كان هناك ملعب غولف صغير يمارس فيه هيكل رياضته المفضلة، والأهم مزرعة الأزهار النادرة التي كانت تلقى عناية خاصة من «الأستاذ». عندما حاول رجال الأمن اعتقاله في أيلول (سبتمبر) عام 1981 بأوامر من الرئيس الراحل أنور السادات، فوجئوا بأنّ هيكل راح يشدّد عليهم بتفتيش المنزل كما يريدون، لكن من دون الإضرار بزهوره النادرة.
غير أن المنزل نفسه، وملعب الغولف، ومزرعة الزهور مجتمعةً قد تكون أقلّ أهمية لدى هيكل من مكتبته النادرة التي تضمّ كمّاً هائلاً من الكتب، والوثائق التي جمعها طوال مشوار حياته وطاولها الحريق بالكامل، ما يفسّر إدانة الأوساط الثقافية المصرية، والعربية للجريمة، وخصوصاً أنّها جاءت بعدما كشفت قيادات الإخوان عن قائمة سوداء تضمّ الصحافيين والإعلاميين المؤيدين للجيش المصري، وهدّدت باتخاذ إجراءات رادعة ضدهم، وكان على رأسهم بالطبع محمد حسنين هيكل. هذا ما وفّر لعناصر الجماعة المبرّر لحرق منزله بهذه الطريقة، بل منع سيارات الإطفاء من الوصول إلى المكان.