وقع المحظور. تطوّر إشكال بين شبان من المخيم وعناصر من حزب الله، وتسبب باستشهاد محمد سمراوي، بائع القهوة المعروف في مخيم برج البراجنة، وجرح أحد عناصر حزب الله الذي نقل الى مستشفى بهمن. من قتل سمراوي غير معروف. سالت دماء سمراوي على باب المخيم.
مصدر النيران غير معروف حتى الآن. «مطلقو النيران هم شباب حزب الله»، هذا ما تناقله فلسطينيو المخيم. الرصاصة التي استقرت في جسد «أبو شنب»، لقب سمراوي، مصدرها المخيم كما يقول شباب حزب الله من جهتهم. الطرفان متمسكان بروايتيهما، لكن الآن ليس وقت الاتهام. الأهم حقن الدماء. هذا ما اتفق عليه الطرفان: اللجنة الأمنية في المخيم ومسؤولو حزب الله في البرج. وهذا ما أكده البيان الذي صدر بعد اجتماع مسؤولي الفصائل الفلسطينية مع أعضاء من المكتب السياسي لحزب الله.
المنطقة الممتدة من ساحة القدس في حارة حريك حتى عين السكة في برج البراجنة تحوّلت، أمس، إلى منطقة عسكرية. كل من يملك سلاحاً نزل بعتاده العسكري. وقفوا على أبواب أزقتهم. اعتلوا أسطح بناياتهم، أغلقوا الطرقات المؤدية الى المخيم. هؤلاء ليسوا أبناء المقاومة، بل أبناء منطقة البرج.
على مفرق زين الدين، وقف شباب حزب الله بسلاحهم يقابلهم الفلسطينيون داخل المخيم. أما على طريق المطار، فأغلق الجيش اللبناني، بآلياته، الطريق المؤدية الى المخيم، أما الفلسطينيون فوقفوا في الأزقة لمنع خروج أحد منه. بالقرب من منطقة العنان، حيث «الإكسبرس» الذي كان يملكه سمراوي، غاب شباب حزب الله عن الساحة، وتركوا المنطقة للشباب الغاضبين على استشهاد الرجل. خرج أبناء المخيم من أحيائهم. أحرقوا الطاولات وبعض الفرش. تبعهم أقارب الشهيد الذين، للمفارقة، لعبوا دور «الإطفائي»: طلبوا منهم إزالة العوائق. «اللي مات أخوي دمه فدا المخيم. بدناش نعلق مع الحزب، بدناش يتقوّصلنا حدا»، صرخ شقيقه. حاول فتح الطريق مجدداً، لكنه لم ينجح. صرخ أحد أصحاب العقلية العشائرية وهو يركض باتجاه أحد حواجز حزب الله: «لأيمتين بدنا نضلّ مدعوسين، بدهم يهجموا على المخيم». كبح عناصر اللجنة الأمنية لجام الشاب، طلبوا منه العودة الى المخيم، وانتشروا على المداخل مانعين الخروج من المنطقة.
كان التوتر سيد الموقف في المخيم ومحيطه. الاستنفار المتبادل والخوف من تكرر الإشكال دفعا بعض العائلات التي تسكن بالقرب من المخيم للنزول الى الطبقات السفلية. بعضهم فضل ترك منزله والتوجه الى مناطق بعيدة. بعد قطع طريق البرج الرئيسي، توجه بعض مسؤولي الفصائل الى أحد حواجز حزب الله. «يا أخوان دمكم دمنا، روحكم روحنا، واللي بدكم ياه بصير»، يقول أحد مسؤولي حزب الله. «إحنا معاكم، بس بدناش موتورين يفوتوا على الخط بيناتنا»، يقول مسؤول فصيل. يقرر الطرفان إقامة حاجز مشترك، وزيادة عدد عناصر اللجنة الأمنية المنتشرين على مداخل المخيم. فيما دعا مسؤولو حزب الله شبابهم الى الابتعاد والانسحاب من الشارع منعاً لأي استفزاز.
أما الجيش اللبناني فقد فصل بين الطرفين في ساحة القدس. الهدوء المخيم على المنطقة أوصل الشتائم التي أطلقها بعض أبناء المخيم تجاه حزب الله الى مسامع شبان الحزب. يستوعب الشباب غضبهم «هناك دماء على الأرض، يجب عدم الانجرار الى
إشكال».
في البرج، كثرت الشائعات وانتشرت كالنار في الهشيم بين أبناء المنطقة. «سيخرج الفلسطينيون من المخيم، يريدون الانتقام لمن قُتل»، يقول أحد أبناء البرح ورشاشه بيده. لا علاقة للشاب بحزب الله لا من قريب ولا من بعيد. كل ما يريده هو «حماية منطقتي»، كما يقول. العقلية العشائرية ليست حكراً على أحد، وهي موجودة هنا وهناك.
بالعودة الى سبب الإشكال، لكل طرف وجهة نظر وقصة. أحد شبان الحزب ممن كانوا على الحاجز يقول: «كان موكب العرس يمر عبر الحاجز. رفضوا أن يتم تفتيشهم. قلنا إننا سنستخدم آلة كشف المتفجرات من دون فتح أغطية المحركات أو داخل السيارات كي لا نؤخرهم، فوافقوا. عندما مرّر أحد شبابنا الآلة أصدرت صوتاً، فطلب تفتيش السيارة، لكنهم رفضوا وبادروا إلى إطلاق النار عليه». يضيف: «رد عناصر الحماية بإطلاق النار على السيارة، فهربت الى المخيم».
ولكن، في المخيم، تروى الحادثة بطريقة أخرى. يقول أحد من كانوا في الموكب: «كنا نمر على الحاجز، طلبوا تفتيشنا. رفضنا ذلك، أطلقوا النار علينا، فهربنا». بالطبع، لا يمكن الآن تبني أي من الروايتين، وستكشف التحقيقات في الأيام المقبلة ما حدث. «المهم الآن حقن الدماء ومنع الانجرار الى الفتنة»، كما قال أحد مسؤولي حزب الله الذين شاركوا في صياغة البيان الذي صدر بعد اجتماع مسؤولي الفصائل مع مسؤولين من الحزب. وأضاف: «اتفقنا على اعتبار الإشكال فردياً ولا خلفية سياسية أو مذهبية له، والشهيد الذي سقط هو شهيد المقاومتين الإسلامية والفلسطينية».
زرع أبناء مخيم البرج سمراوي شهيداً «في رحم هذا التراب المثخن بالنزف. فدائماً يوجد في الأرض متّسع لشهيد آخر»، كما قال الكاتب غسان كنفاني.

يمكنكم متابعة قاسم س. قاسم عبر تويتر | @QassemsQassem