لا يسعنا الحديث عن سوريا من دون الالتفات إلى كتابات الباحث والمؤرخ اللبناني كمال ديب وتحليلاته. كتابه الجديد «أزمة في سوريا: انفجار الداخل وعودة الصراع الدولي2011 ــ 2013» (دار النهار)، هو محاولة جدية لتفكيك الانفجار السوري الراهن وقراءته، من خلال دراسة وقائع الصراعات الدولية، وتأثيرات «الربيع العربي»، والصراع التاريخي بين الإخوان المسلمين والسلطة، إضافة إلى مسائل التعددية الدينية والإثنية. وفيما كانت طبول التدخل العسكري الخارجي المباشر تقرع عبر التحضير لحرب تدمّر مكامن قوة الجيش السوري، ووسائل الإعلام تعمل ليل نهار في بعض الدول العربية والغربية على تهيئة الرأي العام، وإقناعه بأنّ ما سيحصل هو «ضربة للنظام»، نقرأ في كتاب ديب أنّ الحرب العربية العالمية على سوريا التي بدأت في صيف 2011 اتخذت أساليب أكثر مباشرة.

يكشف ديب أنّ لهذه الحرب أوجهاً عدة يسمّيها أبواب الأزمة السبعة تيمّناً بأبواب دمشق التاريخية السبعة التي أشار إليها في مقدّمة الكتاب.
ويقول ديب إنّ أي تدّخل عسكري مباشر من الذي تطرحه الولايات المتحدة في الفترة الأحيرة، قد يقلب المعادلات، وربما يفجّر الشرق الأوسط.
العدوان الأميركي ـــ بالوكالة سابقاً والمباشر هذه الأيام ـــ الذي يشارك فيه عدد من الدول العربية، إضافة إلى تركيا وفرنسا وإسرائيل، سيعني المزيد من الدعم الروسي والصيني والإيراني
لسوريا.
إمّا أن تسقط سوريا بأيدي الأميركيين كما سقط العراق في عام 2003، وإمّا أن يفشل مشروع تدمير سوريا على أبواب دمشق، كما تحطّم عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006 في تخوم قرية مارون الراس على أيدي
المقاومة.
لطالما سعت الجهات العربية والغربية إلى إسقاط الدولة السورية وليس النظام فقط من خلال تشجيع الإرهابيين، وتهريب الأسلحة، وتصدير التنظيمات الجهادية والتكفيرية، والرهان على أن ينتهي النظام بضربات من الداخل والخارج، من دون تدخل الدول الكبرى الحليفة، بعد أن تكون قد قامت بتسوية على حساب سوريا، فيتم تفتيت كل المنطقة إلى كانتونات طائفية تتصارع في ما بينها، وتدخل منطقة الشرق العصر الإسرائيلي.
بعد صدور كتابه الأول «تاريخ سوريا المعاصر من الانتداب الفرنسي الى صيف 2011»، يستهل المؤلف كتابه الثاني عن سوريا، بنصّ لجبران خليل جبران من كتاب «العواصف» وبقصيدة للشاعر سعيد عقل عن الشام، ومقدمة لكريم بقراودني بعنوان «سوريا في عين العاصفة». ثم يقدم كمال ديب رؤيته المنهجية إلى أطروحة الكتاب.
يشير إلى أنه كما كانت سوريا ملهمة للشعراء والأدباء على مدى العصور، ومقصداً ومحط أنظار للغزاة، فهي كانت ولا تزال صاحبة موقع استراتيجي لعب دوراً في الأوضاع الجيوسياسية الدولية، وجذب أطماع الدول والإمبراطوريات عبر
التاريخ.
ما ان انفجر الداخل السوري في عام 2011 حتى هبّ أعداء سوريا التاريخيون للانقضاض عليها مجدداً. ولذلك نقترح قراءة الكتاب الأول التاريخي عن سوريا قبل الثاني من أجل فهم استمرارية الصراع الدائر بأسبابه الداخلية وعوامله الخارجية على حد
سواء.
يقدّم الكتاب الوقائع والتحليلات. يعدّد أسباب الأزمة السورية المثلثة الأضلاع بين الداخلي والدولي والإقليمي.
وقد قسّم ديب كتابه إلى سبعة أبواب تيمّناً بأبواب مدينة دمشق السبعة، ليسهّل على القارئ فهم الترابط بين التفاعل بالداخل والارتباط بالخارج، بينما جاء الأسلوب سهلاً ومبسطاً وغنياً بالمعلومات المكثّفة وبالتحليل العلمي الأكاديمي.
إن أيّ مطالعة عابرة لأزمة سوريا في مقالات أو في مقابلات لن تغني عمّا يحمله هذا الكتاب بين ثنايا صفحاته الغنيّة بالوقائع والتحليلات المفصّلة والمراجع التي ارتكز عليها المؤلف في بحثه.
ومن خلال مطالعة الكتاب، يتساءل المرء عما إذا ما كان قدر المشرق حقاً أن يعاني الحروب والتفتّت والتهجير، فيدفع ثمن ثقافته وحضارته المنفتحة بتعدد أديانه وإثنياته.
وهل قدر الشعب السوري فعلاً أن يتشرّد كالشعب الفلسطيني، ويعتاش على صدقات الأمم ويقيم في مخيمات اللجوء؟ أم أنّ سوريا ستقاوم وتنتصر ويعي شعبها ـــ حكومةً ومعارضةً ـــ أبعاد ما تضمره القوى الخارجية وضرورة توحيد الجهود لمصلحة
الوطن؟