لم تكن عودة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من مستشفى «فال دوغراس» الباريسي منذ شهرين، الى بلاده عودة المريض الهزيل الذي يعيش آخر ايامه في السلطة. بل على العكس تماماً، ما إن تعافى الرجل بعد ثلاثة أشهر من العلاج من جلطة دماغية أصابته في 27 نيسان الماضي، حتى بدأ بإجراء تعديلات على مستوى المناصب السياسية والعسكرية تمهد لبقائه في الحكم.
بوتفليقة الذي عين عبد المالك سلال، بدلاً من أحمد أويحيى في رئاسة الحكومة الجزائرية في أيلول الماضي، توجه أمس بصفة رسمية إلى قصر المرادية ليلتقي أعضاء الحكومة، في أول اجتماع لمجلس الوزراء يعقده الرئيس هذا العام، ويأتي بعد ما يقرب من 5 أشهر من مرضه وعشرة أشهر على موعد عقد آخر مجلس وزراء في كانون الاول الماضي.
ولعل جدول أعمال المجلس أمس، الذي كان مثقلاً بمجموعة مشاريع قوانين متراكمة، قد حظي بمناخات مواتية بدأ الرئيس في توفيرها منذ نحو أسبوعين، حين أجرى تغييراً في جهاز الاستعلامات، شمل إنهاء مهمات مديري الأمن الداخلي والخارجي ومكافحة التجسس على مستوى جهاز الاستخبارات.
أما التعديل الوزاري في حكومة سلال فشمل وزارت مهمة كالدفاع والداخلية والخارجية.
ويبدو أن مغازلة العسكر من خلال تعيين رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، نائباً لوزير الدفاع (بوتفليقة نفسه)، تعززها قرارات سابقة أقرها الرئيس الجزائري في جهاز الاستخبارات، شملت إلحاق المديرية المكلفة متابعة الصحافة والإعلام والاتصال، ومديرية أمن الجيش بقيادة أركان الجيش، التي يقودها صالح.
وكأنه شهر عسل المؤسسة العسكرية القوية والرئيس الثامن للجزائر منذ الاستقلال، والذي تجاوز في تشرين الثاني 2012 مدة حكم الرئيس هواري بومدين، ليصبح أطول رؤساء الجزائر حكماً.
شهر العسل هذا أكدته وزارة الدفاع الجزائرية أمس من أن «التغييرات التي أجراها الرئيس على فروع جهاز الاستخبارات التي يسيطر عليها الجيش، فرضتها التغييرات الحاصلة على الصعيدين الإقليمي والدولي».
فالحديث عن امكانية تمديد بوتفليقة لولايته بدأ يتسرب بصوت خافت من خلال الصحف حول مشروع تعديل الدستور، إذ نقلت صحيفة «الخبر» الواسعة الانتشار، أن التعديل الدستوري المرتقب يتضمن نقطتين: «الأولى وهي الأهم تمديد ولاية الرئيس الحالي بعامين والثانية استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية».
صحيفة «لوسوار دالجيري» نقلت عن محيط الرئيس، أن الأخير قال صراحة لرئيس وزرائه سلال، وصالح «أعلمكم اني قررت الترشح وآمركم بأن تبدأوا التحضير لذلك».
لعل بوتفليقة، الذي تسلّم في 27 نيسان 1997، رئاسة بلد خارج من حرب أهلية دمّرت طاقاته وزرعت الإرهاب في جميع نواحيه، قد عرف كيف يستغل مسألة نجاحه في إعادة الاستقرار الى ربوعٍ غنية بمصادر الطاقة والثروات الطبيعية.
ورغم انطلاق الربيع العربي من جارته الشرقية تونس، استطاع الرئيس الجزائري أن يضبط شارعه وأن يجري بعض السياسات الاقتصادية التي امتصّت غضباً، ربما لم يزل جمراً تحت الرماد. لكن على ما يبدو، إن غالبية الأحزاب ترشح بوتفليقة لولاية رابعة «اذا سمحت ظروفه الصحية»، حسبما أقر رئيس حزب «حركة مجتمع السلم»، عبد الرزاق مقري، الذي يتزعم أكبر حزب اسلامي معارض.
فالأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري، عمار سعداني، أكد أمس أنه سيدعم بوتفليقة «اذا اراد التمديد او الترشح لولاية رابعة»، حسبما نقلت عنه صحيفة «صوت الأحرار» المقربة من الحزب أمس. هذا رغم اقتصار انتماء بوتفليقة إلى الحزب، على الرئاسة الفخرية فقط، وعدم حضوره اجتماعات الجبهة أو حتى مؤتمراتها. سبق هذا التأييد للتمديد إعلان كبرى النقابات العمالية (الاتحاد العام للعمال الجزائريين) منذ نحو أسبوع دعمها للرئيس، إن قرر الترشح مجدداً.
وذهب الدبلوماسي الوزير الأسبق عبد العزيز رحابي، أبعد من ذلك حين أكد لوكالة «فرنس برس»، أنه «لن يكون هناك انتخابات في 2014، لأن الرئيس غير قادر على تنشيط حملة انتخابية، كذلك فإن هذه هي الطريقة الأكثر راحة بالنسبة إلى مجموعة الرئيس».
وفي منظور الرحابي، الذي كان وزيراً للاتصال في أول حكومة لبوتفليقة (1999)، إن إلغاء الانتخابات الرئاسية له هدفان: «الأول أن لا يقوم الرئيس بحملة انتخابية لأن ظروفه الصحية لا تسمح بذلك، والثاني ان تتمكن زمرة الرئيس من كسب الوقت لحل مشاكلها مع العدالة»، فيما يتعلق بملفات الفساد.
ويبدو أن الرئيس ماضٍ في مشاريعه للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، إذ يعمل على قوننة بقائه من خلال تعديل جديد للدستور قد يفسح المجال لتمديد ولايته: أنهت لجنة الخبراء القانونيين لإعداد مسودة لتعديل الدستور، عملها أخيراً وسلمت تقريرها لرئيس الجممهورية.
ولبوتفليقة سوابق في هذا الموضوع، إذ عدّل الدستور مرتين؛ الأولى في 2002 من أجل جعل اللغة الأمازيغية لغة وطنية، والثانية في 2008 بإلغاء تحديد الولايات الرئاسية باثنتين ليتمكن من الترشح لولاية ثالثة في 2009 تنتهي في 2014.
ولم يدعُ الى استفتاء شعبي، مكتفياً بتصويت البرلمان بغرفيته (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة).
في المقابل، ثمة قوى ترفض هذا التمديد او اعادة الترشّح، فرئيس حزب التجمع من أجل الثقافة الديموقراطية (علماني)، محسن بلعباس، جدد مطالبته أمس بعزل الرئيس بسبب مرضه، وهو ما سبق أن طالبت به عدة أحزاب وشخصيات في المعارضة منذ إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية في 27 نيسان الماضي.
في اي حال، دستور 2008 الساري المفعول اليوم، لا يحدّد عدد الولايات الرئاسية ويعطي الحق لبوتفليقة للترشح كما شاء. وهذا يعني ان الباب مفتوح أمامه لحكم الجزائر خمس سنوات أخرى.