-اي ساعة جايي زياد؟-يمكن يكون إجا وقاعد فوق؟
-لا ما الهيئة إجا..
-يه! هلق قالتلي لينا انو إجا
-والله؟! صلاح.. يا صلاح.. مدوّر الآي سي؟»
في عتمة مسرح المدينة المضاء بنور ضئيل متسرب من الستائر المرخية على المدخل، كان هذا الحوار يدور بين اشخاص جالسين في العتمة، بالكاد يحدد الضوء الضئيل ملامحهم، بعد ان انتهوا من الماكياج والملابس، متأهبين لبدء التمارين الأخيرة على مسرحية «مجنون يحكي» عن نص عربته المخرجة الشابة، للمسرحي الإنكليزي توم ستوبرد (انظر المقال التالي).

يظهر زياد فجأة في العتمة. بروفيله لا تخطئه العين حتى هنا. يقف وقد حمل شنطته الشهيرة، وطفق يتكلم مع احدهم بصوت منخفض. يدخل هنيهة خلف الستائر، ويعود مرتديا ملابسه بسرعة فائقة. البابيون جزء من شخصيته، تبدو نوعا من «ترايد مارك».
قبل كل شيء، عليك كمهتم بمشاهدة «عودة زياد الى المسرح» ان صح هذا القول، ان تتخفف من كثير من الأحكام المسبقة او لنقل التوقعات التي يفترضها مجرد ذكر اسم زياد في عمل مسرحي. هنا زياد يمثل فقط. اي انه يؤدي دوراً في جوّ ونص لا علاقة لهما بالاجواء «الزيادية» التي يطبعها دائما ببصمته.
في النص اولا. المسرحية بعيدة كل البعد عن مسرحه لناحية علاقته الوثيقة والنقدية بالواقع اللبناني، اولا وبطبيعة اللبنانيين ومشاكلهم ثانيا.
في الشكل: تدير لينا خوري زياد الرحباني كممثل، وليس كزياد الرحباني. قد يقول قائل: وما فائدة مشاركة زياد الرحباني في عمل كهذا ان لم يكن مطلوبا لنفسه، لشخصيته ولما عرف عنه؟ السؤال محق. فهل هناك جواب؟
بعد مشاهدة البروفة ما قبل الاخيرة، تتكون لديك بداية جواب.
هناك عناصر جديدة ورائعة في المسرحية التي تحكي عن قصة معتقل رأي (تحول الى معتقلة في النص اللبناني تؤديه الرائعة ندى ابو فرحات التي حلقت شعرها على الزيرو من اجل الدور) ايام سيطرة الكا جي بي (المخابرات السوفياتية) .. ما ان تبدأ المسرحية بتلك الفرقة الموسيقية الحية، حتى تفهم ان هذا التصور لدور الموسيقى في النص، شكل عنصر إغراء لزياد. تؤدي الفرقة نوعا من موسيقى تصويرية لتعابير ومشاعر الممثلين. حيث من المفترض انها اوركسترا وهمية موجودة في عقل الممثل الرئيسي (غبريال يمين) .. اما زياد فيلعب دور طبيب المعتقل، وهو دور اختاره كما يقول لنا، بعد ان كان دور المجنون الذي يؤديه الممثل المخضرم غبريال يمين، هو المعروض عليه من قبل المخرجة الشابة.
«دخيل إجريكي ما تجي ع الافتتاح». يقول لي ضاحكا بعد انتهاء التمارين، ساخرا من «رعبه» الدائم من المواجهة الاولى مع الجمهور في اي عمل، وهو رعب «عائلي» مألوف في الأسرة الكريمة. تضحك لينا، التي جالستنا بعض الوقت، لكلامه. فيستطرد ضاحكاً «هلق من أمتين بتجي ع الافتتاحات انتي ايه؟»
في الكافيتريا، حيث كانت الفرقة تحتفل بعيد ميلاد غبريال يمين، جلسنا.
نبادره ممازحين «هلق نحنا قلنالك بدنا مسرحية.. مش بدنا تمثل بمسرحية!». يضحك للسؤال.
فأضيف «خاصة انه لديك مسرحيتان منجزتان!». يقاطعني قائلا «لأ. في واحدة خالصة والتانية مش خالصة. اصلا صاروا اللبنانيين بيعرفوها. كان اسمها «مايد باي ميشا» وصار اسمها «مارتن» لكني سأصورها فيلما.. لم تعد مسرحية». لكن، نقول له«لا الموسيقى موسيقاك (وضع الموسيقى اسامة الخطيب) ولا النص لك، ولست المخرج، وحتى البيانو الموجود على المسرح هناك من يعزف عليه.. ماذا تفعل هنا؟».
يجيب «بدك تقولي متل ما عملنا ايام المرحومة رندة (الشهال) في فيلم «طيارة من ورق». اقصد فكرة التمثيل. انا هنا ممثل فقط. يعني احببت ان امثل نصا لست انا كاتبه.. (ثم كمن يستدرك لاقناع شخص ما بوجهة نظره) بعدين بدنا نشتغل! وبالموسيقى وحدها ما عم يمشي الحال.. كثيرون يقولون لي: فيك تعمل «وان مان شو»! وانا بقول: لشو؟».
لكن كيف وافق على الدور؟ تقول لينا خوري: «كل الناس سألوني السؤال ذاته: كيف اقنعت زياد؟ في الحقيقة كنا مرة عنده. كان يقول: لم لا تعودي الى التمثيل يا لينا؟ فقلت له: لم يعرض علي دور له قيمة! فقال: انا ايضا! كان هو قد حضر عرض المسرحية بالجامعة، فقلت له: ليتك تلعب معنا دور المجنون. واعطيته النص حين كنا في مصر. فوافق». وافق بعد قراءة النص اذا؟ يجيب هو هذه المرة «انا حضرت المسرحية (عندما عرضت في الجامعة اللبنانية الاميركية). لم احضرها كلها ولكن المقاطع التي سمعتها شجعتني. ثم ارسلت لي لينا النص بعد فترة. واعجبني ان النص ليس عنا.. كما اعجبني كثيرا ان الاحداث من النوع الذي يمكن ان يحصل في اي مكان آخر. اي مكان في العالم. يعني صحيح نص المسرحية عن قصة حصلت ايام «الكا جي بي»، في اواخر الستينات على ما اظن، اي ايام الاتحاد السوفياتي، لكن ممكن جدا ان تقع هذه الاحداث اليوم! مثلا.. في اميركا، في (معتقل) غوانتانامو تحديدا..» يضحك ساخرا ويقول «شو بتشكي غوانتانامو؟ يعني الفرق سيكون فقط بالطقس..».
نقول للينا « لكن، ان لم يكن زياد هو زياد في التمثيل، اقصد الم يكن الافضل لو تركت له هامشا اكبر ليلعب فيه، ويضع شيئا من نفسه؟» فتجيب «انا اتمنى ان يفعل.. لكنه حتى الآن ملتزم بالنص. فعلا اتمنى ذلك. فزياد هو ملك الكوميديا.. ومجرد لفظه لجملة بطريقة معينة يجعلها شيئا آخر تماما».
نلتفت الى زياد «هل استمتعت بأن تكون فقط ممثلا تحت إدارة (ومسؤولية) شخص آخر؟ يعني حتى نوع التمثيل هو من مدرسة ثانية تماما!».
يجيب «انا كتييير حبيت شخصية الطبيب». تقاطعه زميلة جلست معنا «هلق انت مش قابض حالك ممثل بس انت ممثل». يجيب بسرعة «هلق منعرف..». ثم يضيف «كانت (لينا) عم تجرب تقنعني بدور الأخوت، لكن برأيي غابي (غبريال يمين) بيعملوا احسن للكاراكتر. انو انا اذا خوتت ما بعرف كيف بكون. كيف بخوت يعني؟ كيف بيكون ساعتها النص؟ (ثم يمزح) وبعدين لما بيدخل سوء النية: انو ليه بدها اياني آخد هالدور؟ لأنو اقصر؟». يضحك الجميع.
وكيف كانت علاقته مع بقية الممثلين؟ الم يرتبكوا بسبب وجوده؟ يقول «كتير منيحة. لأنهم محترفون. وانت عرضة لتضحكي او تفرطي بالضحك معهم وما بتعودي عم تمثلي». ثم يقول: « بدنا نضحك.. نحنا بدنا نضحك. فكرك هيك بدها تقطع كل الليالي؟ بس نقطع الافتتاح كل ليلة بدك تحطي ع حدا...» ثم يستطرد ذاكرا اسم البطلة في المسرحية : «نهاد نون؟!! انا اذا بفكر باسمها بس.. ما بعرف شو بيطلع معي!» يضحك فيضحك الكل. ثم يقول مرة اخرى ضاحكا «اذا بتجي ع الافتتاح بكسّر أجريكي».


يمكنكم متابعة ضحى شمس عبر تويتر | @dohchams