عكار | امام الخيم التي تراصّت بعضها الى جنب بعض في سهل عكار، والتي نصب بالقرب من كل منها صحن لاقط يبدو انه اصبح من اساسيات الحياة اليوم حتى في خيمة، اولاد كثر يلعبون في برك المياه الموحلة من دون ثياب داخلية، في حين عكفت بعض النساء على اشعال النار في مواقد مرتجلة تصاعد منها الدخان.
لكن مرح العري الطفولي في الخلاء الاخضر للبساتين، لا يستثير في المارة اللبنانيين الا نظرات نفور، تتحجج بالصحة لتعبر عن ضيقها المتزايد من «وجود» سوري بات ثقيلا على قلبها!
يشبه الموقف ما يحس به المرء عندما يشاهد لافتة بلدية تعلن منع تجول النازحين السوريين بعد ساعة معينة. فانتقاد الظاهرة من مبدأ رفض العنصرية مهما كانت اسبابها، لا يكفي لإحاطة عادلة بمسؤولية موزعة على كل الجهات، اولها غياب الدولة عن تنظيم تلك العلاقة ما يجعل الفقراء في مواجهة الفقراء، وينتج عن ذلك عنصرية بالشكل لكن مضمونها معيشي واجتماعي.
فبعض الضيوف النازحين لا يقصّرون في توفير اسباب الضيق، بفتح مصالح تضارب على مصالح مضيفيهم في المحافظة الأفقر في لبنان. لا بل ان الضيق امتد الى المجتمع النسائي. فقد شجعت بعض الفتاوى العكاريين على الزواج من سوريات بهدف «ستر النازحة»، وعدم اضطرارها «للتصرف». هكذا، «استشرى» فعل الخير في عكار، خصوصاً بين المتزوجين، الذين وجدوا في هذه الفتوى، منفذا للخروج من رتابة الزواج الاحادي، بأرخص كلفة، وبين العازبين الصغار الذين وجدوا منفذا شرعياً لممارسة حياتهم الطبيعية بعيدا عن متطلبات مجتمع، على قلتها، ثقيلة الوطء عليهم.
من ناحية السوريات، بدا الزواج من لبناني لبعضهن طريقة سهلة لتأمين المستقبل، في ظل استمرار الازمة في بلادهن. خصوصاً ان اللبناني، عكس اللبنانية، بإمكانه اعطاء زوجته جنسيته خلال عام.
وفي ظل هذا الإقبال من الجهتين، بدا ان المتضرر الوحيد هو العائلة اللبنانية، بحسب العكاريين والعكاريات الذين التقيناهم.
هكذا، اصبح وصف «السورية» مرادفاً لخراب البيت، ولخطر «خطف الرجّال» من عائلته، او حتى من عرائس عكار اللواتي لا يستطعن ايجاد عريس الا بشق النفس، نظرا الى تناقص عدد الذكور امام عدد النساء بالهجرة والحروب و«احدث حوادث لبنانية» من جهة، ولصعوبة تأمين منزل الزوجية ومستلزمات الزواج في بيئة تضرب فيها البطالة من جهة ثانية.
تضحكك المشكلة بداية، ولكن المواظبة على ذكرها أينما حللت في عكار، بالرغم من انك تسأل عن موضوع «تاني خالص»، يجعلك تتنبه الى انها جدية جدا جدا.
«كان في حرمة راكبة بالفان اللي طالع ع عكار، عم تشكيلو للشوفير همّها: انو هلكونا هالنازحين السوريين، يا اخي اخذولنا اشغالنا واخذولنا لقمة عيشنا». يخبرنا مختار المحمرة هذه القصة وامارات التسلية واضحة عليه، ويضيف: «في اتنين سوريات قاعدين ورا. بتقوم واحدة بتنط بتقّلها: اخذنالكم اشغالكم واكلنالكم اكلاتكم وكمان بدنا ناخدلكم رجالكم! بتقوم اللبنانية بتوقف الفان، وبتطلع السورية اللي حكيت لبرة ودار حلش شعر: وهات يا ضرب: هون بينفعك هون بيضرك (يضحك حتى تدمع عيناه) يعني الله وكيلك شي بيضحك وبيبكي».
حسنا فهمنا ما هو المضحك ولكن ما هو المبكي بالموضوع؟ يقول: «يعني انا تخوفي كمختار من شباب ضيعتنا، ما بكرة كلن يجيبوا سوريات، بيبوروا بناتنا». ولمَ يختار الشباب سورية بدل اللبنانية؟ يجيب بكل فجاجة: «الرخص! شوفي: اي شاب لبناني بدو مش اقل من 50 الف دولار حتى يتزوج: بين بيت وأثاث ومهر ومصاريف عرس. السوري النازح بيبيع بنتو بمية الف سوري! (يعني؟) يقول: اقل من الف دولار. صار عنا شي 25 شاب متزوجين من سوريات. من القلّة»!
لا يخفاك استخدامه لكلمة «يبيع». طبعا ان كان لبنانيا فلا يجوز القول انه يبيع بنتو بخمسين الف دولار! هو الرخص الذي يحول الزواج من قران الى عملية بيع!
في منيارة يؤكد رئيس بلديتها على كلمة «بيع». فيقول «عندن مش متل عنا. يعني سمعت مرة اتنين بنات شغيلة بالسهل عم يتخانقوا: الاولانية قالت للتانية: ايه روحي انتي ما جبت لاهلك اكتر من مليون انا جبت مليونين ونص. يعني هيدا الشي موجود عندن ما عم نفتري عليهن. يمكن بهيدي الطبقة مش الطبقة المتوسطة وما فوق».
يستغرب صاحب محل الانترنت في ببنين سؤالنا. يقول: «لا اعرف لم يستغربون الزواج من سوريات. عادي. ايام الانتداب الفرنسي كان اللبنانيون يتزوجون من فرنسيات. يعني عادي. هيدا الموجود. وين المشكلة؟».
لكن آخرين في ببنين لهم رأي آخر. يقول بائع السلوليرات، وهو يضحك: «والله بالحقيقة العكاريات خسروا عرسان كتير». ويضيف «اغلب المزارعين واصحاب الحرف اللي احتضنوا العائلات السورية، آووهم بالقرب من منازلهم. بحكم العشرة والجيرة صار الرجال يهمل بيتو وعائلتو ومرتو(!) ويتزوج عليها. ايه صار في خلل اجتماعي، صحيح... يعني صارت الزوجة تخاف على زوجها. انو بدل ما يصرف على بيتو صار يصرف ع السورية وعلى اهلها كمان. ايه كيف بدك يسكتوا نسوان عكار؟».
ولكن اليس هناك زواج للبنانيات من سوريين؟ فالنازحون كثر ايضا. ما الضير؟ يقول: «كمان في شباب سوريين عم يتزوجوا لبنانيات... في تبادل بس ما في توازن. يعني السوري وين بدو يقعد مرتو؟ بلد ما عندو وعايش ع الإعاشة او الفعالة. كيف بدو يتجوز؟».
على اوتوستراد العبدة يقع مكتب مختار بلديات القيطع احمد خالد المير. الرجل هو الذي اصدر البيان الشهير عن المطالبة بعكار خالية من النازحين السوريين. نسأله ان كانت لديه إحصاءات عن عدد الزيجات من سوريات، وفي المقابل عن زيجات لبنانيات من سوريين فيقول: «في الحقيقة كإحصاء دقيق ما في، لكن اللي عم يصير منو طبيعي». وكيف ذلك؟ يقول «من فترة كنت بمحكمة عكار الشرعية (حيث تسجل الزيجات) وقال لي الموظف ان الزيجات بين سوريات ولبنانيين في عكار تجاوز السبعين حالة في شهر نيسان وحده». وماذا عن الزواج من سوريين؟ يقول: «ما في شي يذكر. ليكي: اللبنانية في عندها عنفوان (!!) ما بتقبل واحد مشرد من بلده عايش ع الاعاشة وبخيمة او ببيت عم تدفعلوا ايجارو الجمعيات». ثم يضيف: «لكننا على نطاق البلديات نحاول التصدي للمشكلة». كيف؟ يجيب: «عم نلعب دورنا مع الاهالي: انو هالشاب اللي بيجي بقول لابو بدي اتجوز، وهوي ساكن مع اهلو اصلا. بيقولوا الاهل: وين بدك تحطها؟». اذا هناك اقبال بين الشباب ايضا الصغار؟ يقول: «كيف لكن. اكيد. بس في لجم قاسي من الاهل. انو الاب بيشوف ابنو بدو يتزوج نازحة بيقللو: اذا تجوزتها بدي اكحتك (اطردك) من البيت. موقف صارم يعني. بالنهاية هدول شباب صغار، اهلهم عم يصرفوا عليهم. وين بدو يحطها؟ بغرفة ببيت اهلو؟ بيوتنا بعكار ما هالشقق الفخمة الواسعة يعني، والعيلة العكارية اصلا كبيرة. شو يعني بيكون بيصرف ع ابنو بيصير بدو يصرف عالاتنين؟ هذا اذا ما حبلت. منشان هيك عم تصير كتير حالات شليفة (خطيفة)». لكن لم لا يتزوج لبنانية؟ ما هي كلفة الزواج؟ يقول «شي مية الف دولار»!. أووف! كل هذا؟ يقول: «بدو يعمر حتى يتجوز. ليه السورية خلوا بيت أو محل للايجار؟». ويردف: «اصلا في قصص عم تصير بتشيّب الشعر! يا اختي في دعارة! في انتشار خاصة بالليل على الطرق الرئيسية. نحنا عم نلعب دور كبلديات بالرقابة الصارمة بالليل. اذا شفنا حدا وضعو منو مفهوم، منهدده بالاجهزة الامنية، حتى اذا كان وضعه غير قانوني ما نبليه بلوة. هيك النازحين بيصيروا يقولوا لبعضن: هيدي الضيعة بلاها». وماذا عن الدعارة؟ يقول «اكثرها على الطرق مع الشوفارية. واحد آدمي من ضيعتنا طلّع معو نازحة، بدو منها 15 الف، كانت حاملة الاعاشة وراجعة. قالتلو ما معي بس بروح معك وين ما بدك! قللها ما بدي تروحي ولا تيجي يا اما بتعطيني 15 الف يا اما بتعطيني حصة من الاعاشة، والله واخذ حصة من الاعاشة».
تجلس ناريمان على مصطبة بيتها. زوجها ليس هنا، هو في العمل. تستقبلنا بضحكة كبيرة حين نسألها عن الزواج من النازحات. تقول «جنوا هالرجال. جوازة ببلاش ليش ما يتجوز؟». سرعان ما يحضر المثال في رأسها «صاحب زوجي رجال عمرو بدك تقولي بالخمسين الستين... عندو 11 ولد، وبنتو الكبيرة عمرها 27 سنة. آوت مرتو عيلة سورية نازحة. التفتت هيك التفتت هيك، ما بتلاقي الا جوزها تجوز سورية عمرها 17 سنة، شو اسمو هيدا؟».
يصل زوجها وسرعان ما يدخل بالحديث.. يمازح زوجته: «ما خبرتيهم على ابوك؟». تضحك هي وتقول «بيي آخذ سورية وحياتك ما بتصلح تكون خدامة لأمي وترك البيت وقعد معها بالخيمة»!. يمازحها زوجها «مبسوط مع الجديدة، لكن!» تكمل روايتها «يعني هالجماعة إجوا... امي وجعها قلبها عليهم، نصبوا خيمة بالبستان عنا، برمضان تطبخ وتوديلهن، شو بيضيق تياب عالولاد تبعتلن... تاري المرا عشقانة بيي! وآخر شي تجوزها، وامي وقعت بشر اعمالها»!
نلتفت الى مختار منيارة مستنتجين «على ذلك العائلات المسيحية المتزوجة لا خوف عليها لانه لا طلاق». تجيب ناريمان «بيرعوا برة كتير ولا يهمك»، ثم تضحك مليا.

يمكنكم متابعة ضحى شمس عبر تويتر | @dohchams