«دمشق الياسمين»، «الشامي»، «يا مال الشام»، «الشامية»، «باب الشام» وأسماء أخرى كثيرة لمحال يملكها سوريون نزحوا الى لبنان. هي مطاعم ومقاه ومحال خضار وسمانة وحلويات وبن وبزورات وخياطة وألبسة وإكسسوار وأجهزة خليوية وورش تصليح سيارات... معظم هذه المؤسسات هربت من سوريا وقسم منها أسّسها سوريون في لبنان. قلّة منها تعمل بصورة قانونية، والاكثرية انضمت إلى السوق غير النظامية حيث تعمل عشرات آلاف المؤسسات «المكتومة» في مختلف مناطق لبنان.
بحسب المسح الميداني، الذي نفّذته وزارة الاقتصاد والتجارة، تبيّن ان السوريين أسسوا في السنتين الماضيتين نحو 1196 مؤسسة من دون تراخيص، أقفل منها 377 مؤسسة في البقاع، ولا تزال 819 مؤسسة تعمل بصورة غير نظامية في مجالات متنوعة تجارية وسياحية.
على الرغم من ان هذه المعطيات لا تخلق واقعا جديدا في ظل تفشّي النشاطات غير النظامية اصلا. الا انها اثارت ردود فعل مختلفة، بعضها ينم عن «عنصرية» معهودة تجاه السوريين، وبعضها ينم عن قلق من ان تشكّل منافسة جدّية لمؤسسات يملكها لبنانيون، ولا سيما المؤسسات الصغيرة والمحال التجارية المتواضعة والمطاعم الشعبية والبسطات وعربات البيع.
يعتقد بعض المتابعين ان عدم الزام المؤسسات السورية باستيفاء الشروط القانونية يؤدي إلى اتساع السوق غير النظامية، وخصوصاً في ظل الكلام عن أن أعداد المؤسسات أكبر بكثير مما هو ظاهر في مسح وزارة الاقتصاد والتجارة. وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، ولكن هل الحل باقفالها او انذار اصحابها بتسوية اوضاعهم من دون الاخذ بالاعتبار الظروف الخاصة والاستثنائية في ظل النزوح؟
لا تلتقي آراء التجّار على موقف واحد، بعضهم يرحب بالمؤسسات السورية ويعتبرها اضافة مفيدة، وبعضهم يتحدّث بغضب شديد.
يشرح المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة فؤاد فليفل ان «النظام الاقتصادي الحر في لبنان يسمح لأي مستثمر أجنبي بأن يتحرّك بحرية، ولا يمكن منع أحد من ممارسة نشاطه الاقتصادي، باستثناء المجالات التي حددتها وزارة العمل، وبشرط أن يلتزم المستثمر بالقوانين والانظمة».
وبحسب وزارة العمل هناك أعمال تجارية يمنع على الأجانب (ومنهم السوريون) ممارستها مثل أعمال الصرافة، التصدير والاستيراد، المحاسبة، القومسيون، الأعمال الهندسية، الصياغة، الطباعة، الخياطة والتزيين، الحلاقة، الكوي والصباغة، تصليح السيّارات والمهن الحرّة.
وبالاستناد الى الانظمة المرعية الاجراء، يجب على الاجانب الاستحصال على تأشيرة اقامة من الأمن العام اللبناني واذن بمزاولة العمل من وزارة العمل، بالاضافة الى تسجيل المؤسسة في السجل التجاري والاستحصال على تصريح من البلدية أو المحافظة، فضلا عن التصريح لدى وزارة المال لتسديد الرسوم والضرائب.
تبدو هذه الشروط معقّدة، او بمعنى آخر، لا تتناسب مع الطابع المؤقت لاكثرية هذه المؤسسات. الا ان وزارة الاقتصاد والتجارة وضعت خطّة عمل لاقفالها بمؤازرة القوى الأمنية، تمتدّ على مراحل، نُفّذ أولها في البقاع بعد إمهال المخالفين مدّة شهرين لتسوية أوضاعهم قبل الإقفال، وخلال الأيام الماضية وُجّه إنذار إلى أصحاب المؤسسات التابعة لرعايا سوريين العاملة في بيروت من أجل تسوية أوضاعهم. بعدها سيأتي دور جبل لبنان والشمال والجنوب.
يبرر فليفل هذه الخطّة بأن «صرخة الصناعيين والتجار اللبنانيين دوّت»، مطالباً البلديات بـ«إبلاغ الجهات المعنية بالمخالفات».
يعدّ البقاع، بحسب مسح وزارة الاقتصاد والتجارة، الأكثر جذباً لهذه المؤسسات بكبيرها وصغيرها، وبنسبة 54% (النسبة تشمل المؤسسات التي أقفلت سابقاً). هذه المحلات متواجدة في زحلة، المرج، بر إلياس، تعلبايا، مجدل عنجر. وبحسب رئيس جمعية تجّار زحلة إيلي شلهوب، فإن «المنافسة حادّة وغير مشروعة»، ويقول ان «صاحب المحل السوري يهرّب مواد أوليّة وبضاعة بسعر رخيص جداً من سوريا بالإضافة إلى عمالة سوريّة رخيصة تعمل لديه، ومعظمهم لا يسددون الضرائب ومستحقات الكهرباء والبلديّة». ويذهب شلهوب بعيداً اذ يقول إن «إقفال المحال في البقاع كان مجرّد تمثيلية لأن معظم المحال عادت وفتحت أبوابها من جديد بعد يومين».
ولكن شلهوب يقفز فوق واقع ان معظم المؤسسات اللبنانية التي تشكو المنافسة هي «مكتومة»، اي لا تصرّح عن ارباحها لوزارة المال، فضلا عن ان معظم عمالتها سورية، وابواب التهريب مفتوحة للجميع، وان كانت هناك افضلية للسوري في هذا المجال.
يروي أبو عمّار، صاحب مطعم كبير في البقاع أقفلته القوى الأمنية، أنه عندما قصد الجهات المعنية لتسوية أوضاعه، نصحه أحد المحاميين بعدم بذل أي جهود لأن وزارة العمل لن تعطيه رخصة مزاولة العمل، «بل نصحني المحامي أن أجد شريكاً لبنانياً وأقسّم الحصص بنسبة 52% له و 48% لي، لمعالجة الأمر، وقد وجدت قريباً لي لبنانياً واتفقت معه على تنفيذ الأمر واستأنفنا العمل». ويؤكد أبو عمار أن «هناك كثيرين قاموا بالخطوة نفسها لتسوية أوضاعهم».
اذاً، الاقفال ليس اجراءً حقيقيا، وتسوية وضع المؤسسة يمكن من خلال التحايل، وهذا ما يدفع الكثيرين الى الاعتقاد، كما شلهوب، بأن الامر مجرد مسرحية، الهدف منها مسايرة اجواء معينة لا اكثر ولا اقل.
تستقطب محافظتا بيروت وجبل لبنان نحو 28.8% من المؤسسات، ويتركز تواجدها في برج حمّود، النبعة، طريق الجديدة، المزرعة. إلا أن النظرة إلى هذه المؤسسات مختلفة عن البقاع، فبحسب رئيس جمعية تجار بربور رشيد كبّي، إن «الرساميل السورية الكبيرة يجب أن يُرحّب بها في لبنان لأنها تنعش الاقتصاد. نحن نناشد الصناعيين السوريين، المشهورين بالصناعات الجيّدة، بالقدوم إلى للبنان لنتشارك معهم».
ويستقطب شمال لبنان نحو 8.9% من المؤسسات السورية التي تنتشر في قضاءي عكّار وطرابلس وبنسبة أقل في أقضية زغرتا والبترون والكورة. لكن موقف تجّار عكّار يختلف عن موقف تجّار بربور، فهم يشكون كثيراً من المزاحمة السوريّة، ويقول رئيس جمعية تجّار عكّار إبراهيم الضهر، أن الوضع بلغ حدّه الأقصى «لأن أصحاب المحلّات السوريين يحصلون على معونات دوليّة فيما كل شروط الإنتاج تلائمهم على عكس التاجر العكّاري. لا بل إنهم محميين سياسياً». ويعطي الضهر مثالاً عن تجارة الأجهزة الخلوية: «التجّار السوريين يهرّبون الهواتف المعطلّة إلى سوريا، تجرى صيانتها هناك، ثمّ تعاد إلى عكّار لتباع بأبخس الأسعار».
ويستقطب جنوب لبنان (محافظتا الجنوب والنبطية) نحو 8.1% من مجمل المؤسسات السورية العاملة في لبنان. هذه المؤسسات موجودة في قضاءي صيدا وصور. وبحسب رئيس غرفة التجارة والصناعة في الجنوب محمد صالح، فإنه لا يمكن أن يكون أحداً ضد المؤسسات التجارية «لأنها تشجّع الدورة التجارية وتجذب الاستثمارات». أما عضو جمعيّة تجّار صور ونائب رئيس بلديتها صلاح صبراوي، فيشير الى ان «المنافسة في مدينة صور هي فقط على مستوى التجّار الصغار، وهي تنافس التجّار الفلسطينيين أكثر من منافستها للتجّار اللبنانيين».