هي المرة الأولى منذ سنوات التي ينجح فيها المجتمع المدني في تنظيم اعتصام يزيد عدد المشاركين فيه على الف شخص. القضية التي اجتمع فيها هذا الحشد في ساحة رياض الصلح امس تتعلق بحق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لزوجها الاجنبي واولادها. الحضور متنوع وشمل عائلات بأكملها تصر على حقها، الذي كفلته الشرعة الدولية لحقوق الانسان، والذي اغفله قانون الجنسية اللبناني، الذي وضعه الانتداب الفرنسي عام ١٩٢٥، ويكرس تمييزاً فاضحاً باحكامه، ورغم مرور سبعين عاماً على استقلال لبنان، لا يزال هذا القانون ساري المفعول، وتتمسك به الطبقة السياسية الطائفية والحكومات اللبنانية المتعاقبة، بذريعة التوازنات الديموغرافية، فيما لا يتوانى رئيسا الجمهورية والحكومة عن «تهريب» مرسوم يمنح الجنسية لعدد من الاقارب والاصحاب في اذار الماضي، دون نشره في الجريدة الرسمية في خرق فاضح لمعايير المساواة والعدالة الاجتماعية... والقانون.
الاعتصام الذي نظمته «حملة جنسيتي حق ولي ولاسرتي» نجح في استقطاب العديد من المحرومات من حقهن بمنح الجنسية، اللواتي جئن الى بيروت مع اطفالهن وازواجهن من صيدا ووادي الزينة وبنت جبيل وشبعا والهبارية ومرجعيون والجاهلية والرويسات ومجدل عنجر وراشيا وحي السلم وطريق الجديدة، يشاركهن ممثلون عن الهيئات الأهلية والمدنية والنقابية، لتجديد المطالبة بـ«الحق بالمساواة في الجنسية وفي قوانين تحمي النساء من العنف».
وألقت منسقة الحملة لينا ابو حبيب كلمة توجهت في مستهلها الى السياسيين بالقول: «كفى التهاءً بصراعاتكم السياسية والمالية على حساب حقوق النساء والرجال، وعلى حساب احتياجاتهم وأولوياتهم، كفى استهتارا بحقوق المواطنين والمواطنات بالعدالة والمساواة».
وتوجهت الى الرأي العام والمواطنين داعية الى «عدم الانصياع للتحريض الطائفي والمذهبي غير المسؤول».
وقالت: «إن اللبنانيين ينتفضون على صعد عديدة لمحاربة الظلم والحرمان، حيث التحركات النقابية والعمالية من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، فضلاً عن التحركات المطلبية النسوية لتعديل قانون الجنسية وإقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري والحق في الكوتا والتمثيل السياسي للنساء وبقانون مدني للأحوال الشخصية»، مطالبة السياسيين بـ «إيجاد حلول لهذه المطالب المحقة بدل الاهتمام بتقسيم الحصص والمنافع بين بعضهم بعضاً والاستمرار في زرع الحقد الطائفي».
وأكدت ابو حبيب «استمرار مسيرة الحملة في كل المناطق للضغط على أصحاب القرار وعلى الأحزاب إعدادا للاستحقاق الانتخابي المقبل»، مشيرة الى ان الحملة «بصدد درس رفع هذه المطالب عالميا، وعبر الأخذ بخطوات تجاه مساءلة الدولة اللبنانية في شأن تخاذلها عن عدم إحقاق حقوق المواطنة للنساء».
وطالبت رئيسة المجلس النسائي اللبناني جمال غبريل بعدم إهمال المشاريع المقدمة الى البرلمان، التي تقضي بإعطاء المرأة حقوقها كمواطنة في قانون الجنسية، وفي قانون حماية النساء من العنف الأسري.
وسألت ندى إرسلان: «أين حق النساء بالإرث؟ أين حق النساء في التمثيل السياسي؟».
ممثلة منظمة «كفى عنف واستغلال» هبه عباني، أكدت ان «السلم الأهلي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إعطاء النساء حقهن في المواطنة الكاملة».
وتحدثت باسم النساء المعنيات بقانون الجنسية مريم غزال، فقالت: «من غير المسموح به ونحن جزء من لبنان وأولادنا جزء منه وخلقوا على أرضه، أن لا تكون لهم حقوق في الحياة كمواطنين».
وتقود مجموعة الابحاث والتدريب للعمل التنموي ـــ حملة إقليمية بهدف تعديل قوانين الجنسية في العديد من الدول العربية، وتركز الحملة على تطوير مهارات المناصـرة، والـسعي إلى كـسب الـدعم السياسي، وتجنيد النساء من اجل المطالبة بحقوقهن. وتقدم الحملة دعماً مباشـراً للنـساء المتضررات من جراء قوانين الجنسية الحالية، وذلك من خلال المـشورة القانونيـة. ولقد نجحت الحملة في تعديل قانون الاسرة المغربي عام ٢٠٠٢، بحيث تضمن التعديل الجديد حق المرأة في منح الجنسية، لكن الحملة لم تستطع بعد تعديل قانون الجنسية رغم مرور عدة سنوات على تقديم مشروع قانون بهذا الخصوص. وقد فشلت لجنة وزارية شكلتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة في اقرار مشروع قانون جديد، واكتفت باقتراح حلول مجتزأة وغير منصفة ترتكز على التمييز والعنصرية ضد النساء، ومراعاة الحساسية الطائفية المفتعلة.
وأكدت هذه اللجنة التي ترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل «أن المساواة بين النساء والرجال، لا يُعد مبدأ ملزماً اذا تسبب في خطر على المصالح الوطنية العليا»، وذلك على الرغم من ان المساواة وعدم التمييز منصوص عليهما في الدستور اللبناني. وللاعتبارات نفسها، أشارت اللجنة أيضا إلى أن لبنان ليس ملزماً بتنفيذ المعاهدات والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر تويتر | @balkantar