طهران | في اليوم الاول من الزيارة الرسمية لطهران، استخلص رئيس المجلس النيابي نبيه بري من محادثاته مع اركان القيادة، المرشد الاعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني ووزير الخارجية محمد ظريف، المسار الذي تعتزم الجمهورية الاسلامية شقه في مرحلة ما بعد الاتفاق وفق معطيات ابرزها: 1 ـــ المضي في المفاوضات مع الغرب حتى بلوغ الاتفاق النهائي، وتوقع ايران انعكاسه على مجمل الوضع في المنطقة. قال المسؤولون الايرانيون لبري انهم يذهبون الى المفاوضات بـ«نية حسنة» ومصرون على متابعتها. وقال ظريف لرئيس المجلس: «مستعدون للاجتماعات مئات الساعات إفرادياً وجماعياً من اجل تحقيق ذلك». واوضح له «ان ما توصلنا اليه لم يكن سهلاً، لكننا اخترنا هذه الطريق لأنها تجنبنا الضغط والابتزاز، الا اننا نظل نحتفظ بحقوقنا».

2 ـــ اعتزام وزير الخارجية في الاسبوعين المقبلين على القيام بجولة على عدد من دول المنطقة، لم يسمها، بغية شرح الاتفاق وتطمينها اليه وتبديد قلقها منه. وهو ما اخطره ظريف لبري بقوله انه يريد «إزالة هذا القلق».
3 ـــ قال ظریف ان وزیر الخارجیة الترکي احمد داود اوغلو سیصل الی طهران الیوم، الثلاثاء، لمناقشة المسؤولین الایرانیین في الاتفاق النووي، مشيراً لبري الى انه امضى مرة 15 ساعة يناقشه في المسألة السورية. الا ان الوزير الايراني كشف ايضاً ان انقرة بدأت «تشعر بأنها ارتكبت خطأً في طريقة تعاطيها مع الازمة السورية، لكن علينا نحن مساعدتها»، لافتاً الى ان الجانب التركي «اعترف بهذا الخطأ».
4 ـــ تأكيد القيادة الايرانية انها لا تزال تدعم الحوار والحل السياسي للحرب السورية، وهي أبدت استعدادها للمشاركة في مؤتمر جنيف 2، الا انها تجد المعارضة منقسمة، ولا تعثر فيها على مفاوض باسمها. وقال ظريف انه أطلع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على موقفه هذا. وقال الوزير إن سوريا «تتهددها اخطار، لكن مسؤوليتنا مساعدتها. نحن نريد سوريا مستقرة ومفعمة بالأمان كما يتوق الشعب السوري».
5 ـــ اصغى المسؤولون الايرانيون، في المقابل، الى وجهة نظر بري من احداث المنطقة، وشرحه للوضع اللبناني تحت وطأة الحرب السورية وتدفق اللاجئين عليه، داعياً الى عمل مثمر في هذا الاتجاه. وتحدث امامهم عن خطر «الفتنة السنية ـــ الشيعية التي تستعر»، ما يقتضي عملاً عاماً لجبهها. وقال: «تحتاج المنطقة الى حوار من اجل ان لا نسمح لتنظيم القاعدة بالتسبب بفتن طائفية ومذهبية». رد المسؤولون الايرانيون، في مواقف متطابقة، بأنهم يشاركونه وجهة نظره هذه.
6 ـــ قال رئيس المجلس للرئيس الايراني بعدما اشاد بالديموقراطية في ايران: «لحظة انتخابكم نقطة ضوء في المنطقة ظهرت ملامحها مع توقيع الاتفاق، وإن شاء الله تتسع هذه النقطة اكثر بعد ستة اشهر». وقال: «منذ عام 1975 عرف لبنان في حربه 500 وقف للنار طوال 14 عاماً، ولم نستطع كلبنانيين التوصل الى حل الا بعد حوار». ثم عرض للوضع الداخلي، متحدثاً عن عراقيل، لكنه ابدى تخوفه من «أن نصل الى الاسوأ مما يتهددنا من ارهاب واعمال اجرامية». وقال لروحاني: «أحيانا يظهر ان هناك تبايناً بين الايديولوجيا والاستراتيجيا. لكنكم انتم استطعتم المحافظة على العلاقة بينهما بحكمتكم. ولنا ملء الثقة بذلك».
رد الرئيس الايراني: «الغير يخلط بين المصلحة والاستراتيجيا».
قال بري: «كنت اتابع تصريحاتكم ابان الحملة الانتخابية، وانا اعلم تماماً ان لديكم محاولات لفتح خطوط مع العرب الذين يعرفون ان في ذلك مصلحة، وإن يكن البعض لا يسعى اليها».
فرد روحاني: «من خلال الانتخابات فتحنا آفاقاً جديدة لشعبنا على المنطقة والعالم، والآن نبذل جهوداً لاستثمار هذه النافذة».
7 ـــ لفت روحاني الى ان «المنطقة حساسة، والمشكلة انها منذ 65 عاماً تعبث بها ايدي الاستعمار التي عملت على قيام دولة مزورة. منذ ذلك الوقت تضاعفت المشكلات. واليوم، إنّ اي مشكلة تضرب المنطقة نرى اصابع اسرائيل فيها. كما اي بلد على تماس جغرافي مع اسرائيل، نجد من خلال هذا الكيان انه يعاني من مشكلات». وشدد على ان «الحل الوحيد لخلاص المنطقة هو التقارب، والمطلوب اليوم التآلف والوحدة اللذان نتطلع اليهما. لكن ينبغي ان لا ينتابنا الضعف والوهن».
8 ـ اوضح روحاني ان «السياسة الخارجية لحكومتنا ارساء دعائم الاستقرار في المنطقة، وفي سوريا خصوصاً»، ورأى ان اتفاق جنيف للبرنامج النووي هدف الى «خفض التوتر وحل المشكلات بالحوار والمفاوضات. لم يكن مهماً التوصل الى اتفاق يضمن لنا الحقوق ستة اشهر فقط، بل عملنا كي نتفق مع الدول الكبرى على وضع تصور نهائي حول البرنامج النووي. وبعدما توصلنا الى رسم هذا التصور كان الاتفاق. ونأمل تحقيق الخطوة الاخيرة من خلال مفاوضاتنا مع الغرب».
9 ـ قال روحاني لبري ان «العامل الاساسي لنجاحنا في المفاوضات هو ان الدول الكبرى توصلت الى نتيجة هي ان ايران اصبحت تملك التقنية النووية، ولديها علماؤها وخبراؤها والكفايات، وان تلك الدول لم يعد في استطاعتها منعنا مستقبلاً من ذلك بعدما اصبحت لدينا الامكانات والقدرات الداخلية. لذلك استنتجت ان ممارسة التهديد والحصار لن توصل الى شيء».

الجولة

اليوم الاول الطويل من المحادثات في حضور الوفد النيابي المرافق الذي ضم النواب عبداللطيف الزين وقاسم هاشم وآغوب بقرادونيان وغازي زعيتر وعلي فياض والسفير في طهران فادي الحاج علي، استهل بالاجتماع بخامنئي، تلته خلوة اقتصرت على المرشد وبري ولاريجاني، بعدما كشف خامنئي ان بري طلب الخلوة، ثم اكد رئيس المجلس في الاجتماع الموسع انه يحمل اليه اقتراحات لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة. ورغم ان الاجتماع بالمرشد لم يكن مدرجاً في برنامج اليوم الاول، الا ان القيادة الايرانية استعجلت تحديده على نحو مفاجئ في طريق رئيس المجلس الى مجلس الشورى.
استمر الاجتماع الموسع 40 دقيقة، اعقبته الخلوة لنحو ثلث ساعة. وبحسب مصادر المجتمعين، خاطب مرشد الثورة بري بعدما عرض للأوضاع في المنطقة وتطوراتها من غير ان يتطرق الى الاتفاق الايراني ـــ الغربي، قائلاً: «ننظر بدقة واهتمام الى لبنان ونعرف ان فيه مشكلات كبيرة، ونأمل أن يعبر في سلام هذه المشكلات. نتطلع الى الرئيس بري وسنلتقي به بعد قليل».
ورد بري مستهلاً حديثه بـ«توجيه التعزية الى سماحتكم والشعب الايراني بالجريمة التي اودت بالشيخ الانصاري ونتوجه اليكم بالتعازي باستشهاده. ونتوجه بالمباركة على الاتفاق مع الغرب، وهو اتفاق لم يرغب فيه كثيرون لانهم كانوا يريدون الحرب، وبدأوا منذ ذلك اليوم تحريض صدام حسين على ايران. اليوم هناك صمود تدعمه ايران ويتركز اولاً حول محور المقاومة. انني اطمئن سماحتكم باسمي وباسم السيد (حسن) نصرالله الى اننا، في المقاومة، على اتم التوافق على نحو مرصوص في مواجهة المؤامرة، وثانياً ان المخطط لا يقتصر على الموضوع السني ـــ الشيعي فقط، بل ايضاً استفراد الشعب الفلسطيني ورفض فكرة الدولتين حتى. فكان لا بد لهم من ضرب حلقة المقاومة التي انتصرت بدعمكم ودعم سوريا. لقد حاولوا الاستفادة من الحصار على ايران وما يسمى الربيع العربي».
اضاف: «كما صمدت سوريا بفضل ايران، صمد لبنان ايضاً بفضل ايران. هناك مؤامرة من داخل البيت الواحد. الذي اقدم على تفجير السفارة الايرانية والدته شيعية، والذي اعلن الانفجار امه شيعية، والذي درسه (الشيخ احمد الاسير) امه شيعية. استفيد من هذا اللقاء كي ادق ناقوس الخطر لان محاولة شرذمة الاسلام على قدم وساق. العراق ـــ معاذ الله ـــ يريدون له التقسيم، سوريا مهددة بالاخطار، وكذلك لبنان معرض للاخطار. لدي بضعة اقتراحات اريد ان اعرضها عليك عندما نلتقي (الخلوة)».
ورد خامنئي: «اتقبل تحليل الرئيس بري في ما يتعلق بالمنطقة وموضوع المواجهة، وهو صحيح ونأمل أن يكون النصر حليفنا. يقتضي ان نتمتع بالذكاء، لاننا لا نستطيع المواجهة بطريقة الشرذمة. ان اهداف الصهيونية المناوئة للمقاومة رسمت منذ مدة طويلة. الحمد لله انها هزمت حتى اليوم، وستستمر في الهزيمة. على المجموعات المؤمنة بالمبادئ الاسلامية الاصيلة ان تعزز القدرات وتحصن وجودها ووحدتها. اما في خصوص ما قلتم عن التناغم في الرؤى مع السيد نصر الله، فهذا امر يدعونا الى الارتياح. في هذه المرحلة شاهدنا مثل هذا التآلف بينكما وسيتعزز اكثر بعدما نلتم النجاح تلو النجاح في مختلف المجالات».
اضاف: «نحن نتابع بكل دقة دور دولتكم على رأس مجلس النواب، ونأمل ان تستمر الامور على ما يرام بفضل الله تعالى. طلب الرئيس بري لقاءً خاصاً ونحن وافقنا، وقد فوجئنا اليوم بدخول السادة الوفد ولم اكن على اطلاع مسبق».
وعقب لاريجاني بأن الخلوة فور الانتهاء من الاجتماع العام.
بعد اجتماعه بخامنئي، توجه بري والوفد المرافق الى مجلس الشورى وعقد اجتماعاً حضره اعضاء في المجلس تحدث فيه رئيسا البرلمانين الايراني واللبناني. استهله لاريجاني بالإشادة بنظيره ودوره المميز في لبنان «على صعيد ادارة الظروف الحساسة جداً على الساحة اللبنانية بشكل دقيق ومتقن»، مبدياً اعتقاده بأن الزيارة «ستكون ناجحة بكل المقاييس».
ورد بري شاكراً ومعزياً بالمستشار الثقافي في السفارة الايرانية في التفجير الاخير، وقال: «نحن حريصون في ما يتعلق بلبنان على المصالحة اللبنانية ـــ اللبنانية، وفي ما يتعلق بسوريا على المصالحة السورية ـــ السورية، وفي ما يتعلق بفلسطين على المصالحة الفلسطينية ـــ الفلسطينية. لكن دائماً من منطلق دعم المقاومة». واضاف: «ان الاتفاق النووي بين ايران والقوى الدولية يسمح لطهران بالعمل من ضمن كل هذه الميادين».
واعرب لاريجاني عن دهشته لـ«قلق البعض في المنطقة من الاتفاق النووي الايراني ـــ الغربي»، وقال: «ان مفاوضات ايران مع دول 5+1 ينبغي ان لا تبعث على القلق لأنها لا تشكل أبداً أي مشكلة للبلدان العربية».