يحلو لكثيرين من النافذين في فريق الأكثرية العودة إلى الوزن النيابي لوليد جنبلاط في معرض تبرير السياسة القائمة معه. لا أحد يفترض أنه مغشوش بحقيقة موقف الرجل. بات جنبلاط أستاذ الانتهازية السياسية في لبنان، ويعطي دروساً لمن يرغب في المنطقة أيضاً. هو يتّكل ببساطة على موقعه الكاتم على أنفاس غالبية في الطائفة الدرزية. وهو كتم لن يتغيّر إلا إذا نجح الدروز في قيادة انتفاضة أخلاقية ضده، تجرّده من كل هذا الدجل القائم منذ عقود ولا يزال. وربما سيجري تمديده ولداً بعد ولد، من دون التوقف عن إعطاء الدروس في الديموقراطية وتداول السلطة، والحديث الأكثر إثارة للسخرية عن درس الثورات العربية في إسقاط مقولة الحزب الواحد والشخص القائد إلى الأبد. وليد جنبلاط انتمى إلى مشروع سياسي هزم في تموز عام 2006، وصُفّيت جيوبه في أيار 2008. يومها فهم جنبلاط الرسالة. ليس أمامه خيارات كثيرة. ولكون الانتهازيين حقودين بطبعهم، وجبناء أيضاً، قرر القفز من ضفة إلى ضفة. ولم يكن يحتاج إلى كثير من العبارات السخيفة عن الوحدة والمقاومة والعروبة وكل ما يلزم لأجل ضمان تجديد العلاقة مع سوريا ومع المقاومة. وهو يعرف، في المقابل، أن بيده ما يبيعه لمن يريد أن يشتري حكماً في نظام طائفي. فجنبلاط يملك كتلة نيابية يريد تأبيدها من خلال النظام الأكثري الأكثر تخلفاً، برغم حداثة الرجل كما يحلو لبعض مثقفي الأطلسي القول. وهو يجيد استغلال واقع هذه الكتلة. عرف كيف يقايض الصفح عنه بانتزاع قسم من هذه الكتلة بما يكفي لإسقاط حكومة سعد الحريري. لكنه قرر أن يعود إلى البيع والشراء في كل أمر آخر. وها هو اليوم يقود حفلة جنون منظّم، وكأنه لا يريد وداع صديقه معمر القذافي من دون تحية على طريقة العقيد الهارب، فقرر التهديد بتفجير الائتلاف القائم حالياً، وإعلان لامبالاته بالنتائج. وهو الذي كان قد اضطر إلى إعادة ترتيب جلسته يوم سمع من أصدقاء له في الخليج العربي وفي تركيا الجديدة وفي عواصم غربية أن نظام بشار الأسد يعيش أيامه الأخيرة. لكنه شعر بأن الأمور ليست على هذا النحو تماماً، فأرسل إلى دمشق وإلى حارة حريك من يقول إنه ليس في صدد مغادرة موقعه الحالي. وسمع موفده كلاماً واضحاً ومباشراً، بأن دمشق والمقاومة ليستا في وارد إطاحة الحلف الذي قام، لكن جرى تنبيهه إلى أن الرهان على تغييرات كبيرة في المنطقة هو رهان خاطئ، وله حرية القرار.
قرر جنبلاط ابتزاز رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ملفات العمل اليومي. الحاج استجاب لمعظم طلباته، في وزارات الأشغال والمهجرين والشؤون الاجتماعية، بعدما وفى له بوعده في توزير علاء ترو ولو على حساب فيصل كرامي. ولكن جنبلاط لا يكتفي بهذا القدر. قرر أن يواجه ميشال عون، مرة لأنه لا يحبه، وهو ينظر إليه على أنه كميل شعون آخر، ومرة لأنه يريح الحاج نجيب من مواجهة غير مستحبة مع العماد العنيد، ومرة ثالثة لكي يعبّر عن غضبه واحتجاجه على ما يعتبره إهمالاً من قبل سوريا وحزب الله له. وفي الحالات الثلاث، يريد جنبلاط الوصول إلى نتائج عملية، منها إعادة الاعتبار إلى دوره كبيضة قبان، والمحرك لكتلة يقول إنها قائمة فعلياً بينه وبين الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي. وبالتالي، هو كمن يريد تحقيق نجاحات من خلال عملية ابتزاز بعدما فشل في تحقيق هذا الموقع من خلال عمليات التحريض الداخلي والخارجي.
ليست المشكلة في ما يريده جنبلاط، أو يرغب في تحقيقه، أو ما يتمناه الآن. المشكلة في أن الآخرين قد يقبلون التحدي، لكن بين سقفين، واحد يقول بالاحتواء من خلال الاستجابة له في مسائل معينة، من النظام الانتخابي إلى الحصص المالية في قجة الدولة الفارغة أصلاً، وآخر يقول حتى الآن بضرورة ترك الرجل يجرّب جنونه في مكان بعيد. فليس له في وقائع لبنان الجديد سوى التوجه إلى أقرب محطة وقود، وشراء ليتر واحد من البنزين، وإحراق نفسه على طريقة البوعزيزي... لعله يرتاح ويريح!

سلامة والحوت

قرر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بصفته ممثل الشركة المالكة لغالبية أسهم شركة طيران الشرق الأوسط، الرد على مقالة «الأخبار» في عدد يوم أمس، بشأن الواقع الوظيفي والإداري في مصرف لبنان، من خلال إبلاغ إدارة الشركة المذكورة قراراً بوقف التعامل مع «الأخبار». وبناءً عليه، طلبت إدارة «الميدل إيست» وقف إرسال الأعداد المفترض أنها تصلها يومياً.
كان محمد الحوت، صبي سلامة في الميدل إيست، قد بادر من جانبه إلى منع توزيع جريدة «الأخبار» على متن الرحلات، ومنع وضعها في صالون الدرجة الأولى، وحجب موقع «الأخبار» الإلكتروني.
تصرف سلامة، كما تصرف الحوت، قائم على استراتيجية «الكتم»، وليس فقط على استراتيجية «المنع» في عالم صار فيه من المستحيل على أنظمة معروفة بطبيعتها الأمنية القيام بالأمر، إلا إذا كان التعسف هو الصفة الملازمة لمن يخالف القوانين، أو يتعامل باستنسابية مع الآخرين.
«الأخبار» تأسف لهذا الحد من العنجهية وقلة المسؤولية، وهي تعد سلامة والحوت معاً بأنها ستكون لصيقة بهما، تراقبهما وتحصي أنفاسهما، وتعرض على الناس ما يجب أن يعرفوه... أما التلويح بالعقوبات الإضافية فهو أشبه بإعلان الحرب المفتوحة التي لا تفيد معنا في «الأخبار».
وإن غداً لناظره قريب!