بات مؤكداً أن الرئيس السوري بشار الأسد سيترشح للانتخابات الرئاسية منتصف هذا العام. لن يكون تنحّياً ولا تجديداً ولا تمديداً. هو ربط ترشحه برغبة الشعب، وواثق بأن ذلك سيحصل. باتت الأوساط الأميركية المهتمة بالشأن السوري مقتنعة بأن الأسد سيترشّح ويفوز. لا بد، إذاً، من البحث عن مخارج لائقة في «جنيف 2» وغيرها لتبرير أي انعطافة أميركية محتملة. صارت الانعطافة أكثر من محتملة، ولكن ليس فوراً.
ماذا تغيّر؟
جاهد الأميركيون طويلاً لإقناع روسيا وإيران بالضغط على الرئيس السوري للاكتفاء بإكمال ولايته الحالية والعزوف عن الترشح لولاية مقبلة. عرضوا بقاء النظام والجيش والمؤسسات على حالها مع تعديلات طفيفة... طرحوا فكرة أن يأتي علوي مكان الأسد، أو أن يعيّن الرئيس بديلاً منه، كما في اليمن. رفضت موسكو وطهران، وتمسّكتا بحقه في الترشح كأي مواطن سوري آخر.
تذرّع الأميركيون، قبل تفاهمهم الشهير مع الإيرانيين، بأن النظام قد يزوّر الانتخابات. رد الإيرانيون: «لنتفق على أي هيئة دولية تقترحونها للمراقبة». رفض الأميركيون.
موسكو، التي تكرّر بدورها أنها تدعم البلد، لا شخصاً معيناً، تؤكد أن الشعب يقرر. يُقال إنه أثناء زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لإسرائيل، طرح عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السؤال الآتي: «لماذا لا تقنعون الأسد بالتنحي؟»، فابتسم القيصر الروسي، وقال: «سألناه، فقال إنه لا يريد التنحي، وبالتالي فمن حقه البقاء والترشح. حاول أنت أن تقنعه».
تكرّر الأمر بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري والمبعوث الدولي والعربي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي. قال كيري، في حضور مساعدته ويندي تشيرمان: «حاوِل أن تضغط على الروس والإيرانيين لنصح الأسد بعدم الترشح»، فكان جواب الدبلوماسي الجزائري العريق أنه حين عرض الموضوع على الرئيس السوري في المرة الأولى، أي قبل أكثر من عام ونصف عام، كان الأسد مرناً. وفي المرة الثانية، رفض الأمر وقال إن الشعب يقرّر. أما في المرة الثالثة، فسمع الإبراهيمي من وزير الخارجية وليد المعلم أنه ممنوع منعاً باتاً طرح هذه المسألة، وأن هذا شرط لكي يستقبله الأسد. انصاع الإبراهيمي، وصمت.
كان كل ما تقدّم قبل أن يتفق الغرب مع إيران على البرنامج النووي، وقبل تفجير السفارة الإيرانية في بيروت، وقبل أن يضرب الإرهاب فولغوغراد الروسية، وقبل أن تتفق واشنطن وطهران على دعم حكومة نوري المالكي في العراق ضد الإرهاب.
بعد كل هذا، انقلبت المعادلات. باتت مكافحة الإرهاب أولوية. طلبت وزارة الخارجية الأميركية، علانية، من قادة دول المنطقة مكافحة تهريب السلاح والمسلحين للتكفيريين في سوريا. ثمة دول انصاعت وأخرى في طور الانصياع. قريباً، يتغيّر جذرياً الموقف التركي حيال سوريا. وقريباً، يزور رجب طيب أردوغان طهران. لم يجد غيرها لإنقاذه من فشله الخارجي وورطته الداخلية ومن عدوّهما المشترك فتح الله غولن.
كيف سيتم تخريج ترشيح الأسد؟
«جنيف 2» هو الفيصل. سيقال الكثير في الجلسات العلنية. سيتبارى طالبو التنحّي بالحديث عن الأمر. أما في الجلسات الفعلية، فإن التطرق الى مسألة الرئاسة غير ملحوظ. هناك قضايا أكثر إلحاحاً: وقف لإطلاق النار حيث يمكن وقفه. إيصال المساعدات الإنسانية. مكافحة الإرهاب (البعض يريد كلمة عنف وليس إرهاباً، وروسيا ترفض). الإفراج عن أسرى ومعتقلي الطرفين.
ضغط الأميركيون، ومعهم بعض الحلفاء، كثيراً لإقرار «جنيف 1» كخطة عمل لـ«جنيف 2». هذا مرفوض روسياً وإيرانياً وسورياً. اشترط الأميركيون على إيران قبول ذلك لإشراكها، فرفضت. اقترحوا أن تشارك في لجنة جانبية، فرفضت. طالبت بدعوة كاملة أو لا تحضر. إذا لم تشارك طهران، فسيكون هامش تحركها ضد المتفق عليه أفضل. أي أنها رابحة في حالتَي المشاركة أو عدمها.
يعترف الأميركيون في الجلسات الخاصة بفشل تجربة المجلس الوطني الليبي. يقولون كلاماً مأسوياً عن تفكك المعارضة السورية. يعبّرون عن قلق كبير من تمدّد الإرهاب. يضغط عليهم الروس للقول إنه لا بديل من الأسد لمحاربة الإرهاب واستمرار الدولة. لم يعد الأميركيون يرفضون هذه المقولة. مشكلتهم هي في الإحراج. كيف سيقبلون ذلك وهم ينادون برحيل الرئيس منذ عامين. أما فرنسا، فلم يؤخذ أي شيء من اقتراحاتها في «جنيف 2». الغريب أن الأميركي هو المتردّد. لا بأس، إذاً، من رفع مستوى الاتصالات الفرنسية مع دمشق. لم يعد الأمر محصوراً باتصالات أمنية أو استخبارية. انتقل الى مستوى وزارتي الخارجية. يحكى عن مسؤول دبلوماسي مهم زار دمشق أخيراً. الأمر نفسه حصل مع دول أوروبية أخرى.
يقال إن دول الأطلسي وروسيا بدأت تدريبات لتشكيل قوة مشتركة لوقف إطلاق النار. القطار الروسي ــــ الأميركي يسير بسرعة كبيرة.
ماذا يقول الدستور؟
البند 2 من المادة 87 في الدستور المعدّل يقول: «إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد يستمر رئيس الجمهورية القائم بممارسة مهماته حتى انتخاب الرئيس الجديد». ثمة من قال إن التمديد لسنتين، وفق الدستور، حتمي، لأن مفاوضات جنيف لن تسفر سريعاً عن نتائج في شأن الانتخابات والدستور. لكن الجدل القانوني قائم. الدستور يقول إنه لا يحق لرئيس البلاد الترشح أكثر من مرتين. ثمة من يرى أن الأسد الذي ينهي ولايته الثانية لا يزال حيال الدستور الجديد في الولاية الأولى. هؤلاء يعتبرون أن قبوله بتمديد ولايته يحرمه من الترشح لاحقاً، ولذلك فمن الأفضل أن تحصل الانتخابات في موعدها.
أما على الأرض، فمعارك «داعش» وخصومها من مسلحي المعارضة تمهّد أفضل الطرق لتولي الجيش السوري ومن عاد وسيعود إليه المهمات المقبلة. هي لعبة أمم بامتياز.