«من كانت تعتبر فارّة من المنزل الزوجي ويتم إحضارها إلى المخفر بموجب مذكرة، لم تعد كذلك، بل أصبحت مواطنة مفقودة يتم البحث عنها فقط للتأكد من سلامتها وعدم تعرضها لأي أذى، ومن دون سوقها إلى المخفر». هذه خلاصة ما تضمنه تعميم النيابة العامة التمييزية لقضاة النيابات العامة، الصادر قبل أيام، على أثر نقاش طويل جمع منظمة «كفى عنف واستغلال» والمحامين العامين والمدعين العامين حول طاولة مستديرة أساسها «تأمين حماية النساء من العنف الأسري». تعميم، طلب من خلاله من هؤلاء «الاكتفاء، عند ورود شكوى بحق الزوجة التي تترك منزلها الزوجي تحت عنوان فرار، بإذاعة بلاغ بحث وتحرٍ عن مفقودة».

في الظاهر، ثمة شيء واحد يمكن أن نراه في هذا التعميم، فهنا، صار التعاطي مع المرأة التي تخرج من منزلها الزوجي على أساس أنها مفقودة لا فارة. علماً أن كلمة فرار، السارية عرفاً في بلاغات البحث والتحري، لا وجود لها في الأساس في النصوص القانونية، أي، «لا سند قانونياً لها»، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة كفى.
لكن، مع ذلك سيعد ذلك «إنجازاً»، تتابع عواضة. وذلك يعود إلى أمرين: أولهما، بحسب «عرّابي» هذا التعميم، أن «التعاطي في النيابات العامة بمثل هذه الحالات صار يجري من منطلق أن المرأة مفقودة في بلاغات البحث والتحري، وهذا يسهّل الوضع، أي عندما يُضبط المفقود بموجب البلاغ لا يجري التعاطي معه على أساس أنه موقوف وفار، كما الهاربون من العدالة، وما يستتبع ذلك من توقيف وسوق وإذلال، بل صار بإمكان المحامي العام أو النائب العام في هذا الإطار تركه، مع ضرورة إعلامه بمراجعة الفصيلة أو المخفر لتسوية الوضع».
أما الأمر الثاني، فهو العمل على إذابة «الذهنية الذكورية التي كانت تقبل بشكوى مبنية على أساس الفرار». وهذا إن عنى شيء، فهو يعني أن «ما فعلناه هو إجراء لتحسين ما يطبق على أرض الواقع، الذي لا وجود له في الأساس في القانون، وخصوصاً أن لا جرم اسمه فرار»، تتابع عواضة. ولهذا السبب، صدر «الإجراء الموحد الذي يمنع قبول أي شكوى تحت عنوان فرار من المنزل الزوجي». وعلى هذا الأساس أيضاً، قد يسهم التبديل في رأي عواضة في «تصحيح المسار في النيابات العامة المبني عادة على بلاغات بحث وتحرّ لا تدقق في ما يدونه رتيب التحقيق في المحضر». هذا الأخير الذي ينقل بصدق ما يقوله الزوج. وهنا، تقع مسؤولية القضاء، الذي وإن كان يتصرف بحسن نية، إلا أنه يستمر في ما لا أساس قانونياً له، وبصدر بلاغاً بالفرار، من دون الأخذ بعين الاعتبار «ما تتعرض له المرأة معنوياً»... باستثناء بعض القضاة «المتحسسين في إطار موضوع العنف الأسري».
لكن، هل تكفي هذه «اللفتة» ـ الحسنة النية ـ لنعوّل على إنجاز يبدّل ما بالعرف بدلاً من أن يحسن القوانين؟ وما الذي يعني تبديل مصطلح الفرار بالفقدان مع إبقاء فعل الملاحقة؟ وماذا عن بلاغات البحث والتحري، ألا تعرّض هذه الأخيرة المرأة للإهانة المعنوية؟ وماذا لو قرر المدعي العام أو المحامي العام بموجب البلاغ توقيف المرأة؟ أو إعادتها إلى بيت الزوجية؟ وهو ما يحدث في غالب الأحيان، محمياً بعقلية ذكورية. ماذا عن كل هذا؟
في المبدأ، تشير أحد المصادر الحقوقية إلى أن ما صدر على أهميته في نسف العرف، إلا أنه «ليس صائباً». ما البديل؟ «شيء واحد: تعميم بحفظ الشكوى في حال ورودها تحت عنوان فرار من المنزل الزوجي، كون لا جرم موجوداً بحسب القانون». وهذا كافٍ. و«نقطة على السطر»، يستطرد. وأكثر من ذلك، ليس هناك شيء اسمه فرار. فماذا لو كانت الزوجة قد تركت المنزل ذاهبة إلى منزل صديقة؟ أو إلى منزل عائلتها؟ ماذا يسمون هذا الترك؟ فراراً؟
قبل صدور هذا التعميم، كان هذا توجه بعض المدعين العامين. فعندما كانت ترد شكوى من رجل يدعي فيها على زوجته بالفرار أو الهرب من المنزل الزوجي، كانت تودع للحفظ. وهذا هو المطلوب. لا شيء إضافياً. التبديل من الفرار إلى الفقدان «لا يحمي المرأة من الملاحقة بموجب بلاغ بحث وتحر»، يقول المحامي نزار صاغية.
للتأكيد، ثمة حاجة إلى التكرار. بحسب القانون «الفرار ليس جرماً جزائياً وإن اشتكى أحدهم، فإنه يفترض أن تُحفظ الشكوى، وهذا هو الأمر الطبيعي»، يتابع. وهنا، في ظل عدم وجود نص قانوني واضح، تتوقف صلاحيات النيابات العامة، وإلا لصار في الأمر مخالفة. مخالفة من مبدأ أن «لا جرم في حال عدم وجود نص». وفي حال الاستمرار، فهنا الحديث عما يمكن تسميته «انتهاك لحرية المرأة» من جهة، وابتكار «حيلة لتشريع ممارسة غير قانونية»، من جهة أخرى.
ثمة حالة واحدة يمكن الحديث فيها عن بلاغات بحث وتحر. هي الاختفاء، لكن، هنا لا تختص بالمرأة وحدها، بل يمكن أن يصدر تعميم «يشمل كل المفقودين في العائلة». لا شيء إضافياً.