دعك أولاً، من الذين يريدون الحديث معك باتهام لا باستفهام. ودعك ثانياً، من الذين يودون مخاطبتك برصاصة لا برسالة. ودعك أيضاً من الذين يريدون نبذك لا جذبك. ودعك، ثم دعك، من الذين ينسبون إلى أنفسهم، حكمة الرب، فلا يقفون عند خاطر سائل، ولا يقفون عند قول قائل.
ما يهمني اليوم، ليس النظر إلى ما في عقلك من أفكار لاحقة أو سابقة، ولا النظر من حولك، لأرى من يحمل الفأس فوق الرأس، ولا يحمل الحلم للنفس. بل يهمني ما تعلمته أنت لسنين، وعلمته لبنات وبنين. وفيه دعوة إلى التبصر بأحوال الخلق، وحثّ الناس على الخروج طلباً للرزق، ونيله طوعاً لا غصباً ولا قهراً.
لقد حصل الكثير، وبما فاق التقدير. والنتيجة، أنك مثل رهينة. خطفك من ادعى لك الأمان، وأوحى لك بشيء من العرفان. لكنه في واقع الحال، محتال له مقصد. ولم يكن له يوما في مجلسك مقعد. فهل ترضى لنفسك أن تكون له عبداً، وأنت من رفع أمام ناسك حب الحسين أبدا؟
لا شيء أطلبه منك اليوم. سوى تغريدة تدفع المؤمن عن الضيم. فهل أنت راضٍ عن كسر كلمة إلهك، فتهتك حرمة أناسك؟ أم تخشى إعلان حرمة الانتحار بالناس؟
لست هنا أناقشك في فكر أو موقف، أو في سبب ومسبب. فقط، أسألك أن تقول عبارة واحدة في حال من ينتحرون، وساعة الموت عن الله يقررون. أليس هذا كفر بما تعلمته وعلمته لأهل دارك؟
وأعود بك، إلى من تؤمن بحكمته في القضاء بأمر الله. إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مراسلاً أبا موسى الأشعري في أمر القضاء، قائلاً له:
«الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا مجلوداً في حدٍّ أو مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة، فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان، ثم الفهم الفهم في ما أدلي إليك مما ليس في قرآن ولا سنّة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال والأشياء، ثم اعتمد أحبها إلى الله وأشبهها بالحق، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر، فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله به الأجر».