تقول مصادر مطّلعة إن محاضر التحقيق الأوّلي في قضية مقتل رولا يعقوب فيها أدلة وشهادات عدّة لم تظهر الكيفية التي تم التعامل معها للتثبت من مدى صدقيتها، في حيثيات القرار الصادر بتاريخ 25/1/2014 عن قاضي التحقيق في الشمال، الذي منع محاكمة المدّعى عليه ك. ب. لجهة ما أسند اليه بخصوص التسبب في موت زوجته، وذلك لعدم كفاية الدليل.
تشرح هذه المصادر أن الأدلة المادية تتضمن عصا مكسورة وخصلة شعر وجدتهما الأدلة الجنائية عند معاينتها منزل الضحية، وتتضمن أقوال الشهود المتباينة في مسائل عدة. وتحرص هذه المصادر على القول إن وجود هذه الأدلة وأقوال الشهود لا يعني إدانة المدعى عليه بالضرورة، إلا أن عدم الوضوح في كيفية التعامل معها يدفع الى إثارة أسئلة كثيرة في شأنها كان يفترض أن يجيب القرار الظني عنها.
العصا هي نفسها «عصا الممسحة اللي ضرب بها البابا الماما»، كما ورد في شهادة الشاهد م. ي. نقلاً عن ابنة الضحية، البالغة من العمر 3 سنوات. هذه الشهادة لم يأت على ذكرها القرار، ولم يأت على ذكر الإجراءات التي اعتمدت لإهمالها، فهل استمع المحقق الى هذا الشاهد؟ وهل غيّر الشاهد أقواله مثلاً؟ لا يوضح القرار الظني هذا الأمر.
يقول الشاهد نفسه إنه «لدى سؤالي إحدى بنات رولا، عمرها حوالى ثلاث سنوات، عمّا حصل، أعلمتني أن والدها أقدم على ضرب والدتها بالعصا». إلا أن المدّعى عليه نفى في إفادته أمام المحققين أن يكون ضرب زوجته بهذه العصا في ذاك اليوم، يقول المحقق في أحد محاضر التحقيق: «أثناء عرض العصا مع الممسحة على ك.ب. تعرّف عليها على الفور، وأخبرنا أنه هو الذي كسرها بيديه وبواسطة ركبته».
يروي الزوج في إفادته أنه «عند الساعة 17 من بعض الظهر، وبوصولي إلى المنزل، سمعت شجار زوجتي وأولادي في ما بينهم، واستفسرت عن السبب، فثبت لي أن زوجتي كانت مستاءة من تصرف ابنتينا الكبيرتين اللتين لم تساعداها في العمل المنزلي والاهتمام بأخواتهما الصغار، وعرفت أنها قامت بضربهما بواسطة عصا الشفاطة، وهنا ثارت ثائرتي لقيامها بضرب الفتاتين، وبدأت بالصراخ على الجميع، وكسرت العصا التي ضربتهما بها (…)». ويتابع إفادته: «انتهى الموضوع عند هذا الحد. وبعد 45 دقيقة، وبعد الانتهاء من الاستحمام، كانت طفلتاي الصغيرتين غايل وغريس تلعبان سوياً وتصرخان، مما أدى إلى استيقاظ شقيقتهما الرضيعة، فذهبت زوجتي للاهتمام بها، وأثناء انتقالها من غرفة النوم إلى غرفة الجلوس نادتني وهي بحالة إعياء شديد، حيث وضعت الطفلة على الصوفا وسقطت أرضاً (…) وهنا خرجت ابنتي غلاديس وأخذت تصرخ خارج المنزل. وفيما كنت أنا أحاول نقلها إلى السيارة، حضر المدعو ط. ح.، وهو شرطي في بلدية حلبا، وشقيقه وشخص ثالث وساعدوني على نقلها إلى السيارة».
أقوال الوالد أيّدتها ابنته غابريال بقولها للمحققين «عمل والدي على كسر العصا»... ولكن لا تؤكدها الابنة غلاديس التي قالت «إنني لم أشاهد والدي يقوم بكسر العصا الخشبية».
الشهود أجمعوا في إفاداتهم على «مساعدتهم لإخراج الزوجة من المنزل إلى سيارة كرم». ما عدا ذلك، أفاد هؤلاء بأنهم لا يعرفون «شيئاً عن الوضع العائلي أو الزوجي»، وقال الشاهد ط. ح. في إفادته «لا أعرف شيئاً عن الموضوع الذي حصل ولم أسمع أي شيء وليس لدي أي شيء أقوله».
الابنتان غلاديس وغابريال أدلتا بشهادتيهما أمام المحققين بعد يومين على الحادث، بحضور مندوبة الأحداث... وبحضور عمتهما ك. ب.، شقيقة المدّعى عليه! عند السؤال عمّا جرى بعد استيقاظ الرضيعة مثلاً، أشارت غابريال في إفادتها إلى أنه «حصل صراخ بين والدي ووالدتي، وقال انتهى الموضوع وجلس في غرفة الجلوس. دخلت والدتي إلى غرفة النوم ثم صرخت ووقعت على الأرض». يوجد تفصيل مختلف بين شهادتي الوالد وابنته يتعلق بمكان سقوط الأم.
أجابت غلاديس المحقق عندما سألها عن علاقة والدها بوالدتها، فأشارت إلى أنه «يقوم والدي بالتعصيب على والدتي في المنزل ويقوم بتكسير بعض الأشياء في المنزل، وعندما يكون بحالة عصبية يتشاجر مع والدتي، وعندما كان يضربها كانت والدتي تصرخ وتقول له لا تضربني أنا لست عبدة عندك، وكان يحصل بينهما شجار من وقت الى آخر تقريباً مرة في الشهر».
الشاهد م. ي. يقول في إفادته «نزلت فوراً الى منزل ك. ب. بعدما سمعت صريخاً، فوجدت شخصين من آل حمد مع الزوج يحاولان نقل رولا الى الخارج وهي بحالة غيبوبة وممددة على الارض، وشاهدت آثار عنف على يدها اليمنى، كما شاهدت عصا خشبية خاصة ممسحة مكسورة وآثار تحطم زجاج ومياه داخل غرفة الجلوس، ولدى سؤالي إحدى بناتها قالت لي إن والدها ضرب والدتها (…) وبعد حوالى 10 دقائق على نقل زوجته الى المستشفى عاد ك. ب. إلى المنزل، فسألته عن سبب عودته بهذه السرعة وزوجته في المستشفى على هذه الحال، أجابني عدت لرؤية الأولاد، وأدخلهم إلى الغرفة، وبقي معهم حوالى 3 دقائق، ثم غادر المنزل ولم أعرف وجهته».
ك. ب. أفاد بأن عودته إلى المنزل كانت «لإحضار الهاتف الخلوي الذي يحوي كل الأرقام التي أحتاج إليها».
الشاهدة ف. خ. تشير إلى أنها عندما علمت بنقل رولا إلى المستشفى ذهبت إلى منزلها لتطمئن على الأولاد «وبوصولي إلى هناك شاهدت ابنتها الكبرى تبكي، عندها أخذتها إلى الحمام وسألتها عن الموضوع، فقالت لي إن والدها أقدم على ضرب والدتها بالشفاطة، وطلبت مني عدم التحدث بذلك لكون والدها هدّدها قائلاً إذا بتقولي لحدا بدي اقتلك». كان ذلك قبل يومين من الاستماع الرسمي إلى شهادة الطفلة.
ماذا عن خصلة الشعر؟ المحققون عرضوا على الزوج «عيّنة من الشعر الموجود، ولدى الطلب منه تحديد عائديته تردّد، وذلك لجهة تحديد اللون بين أسود وكستنائي، مشيراً إلى أن لون شعر زوجته أسود، كذلك لجهة شكل الشعر لكون شعرها مجعداً، وبالتالي استبعد أن يكون هذا الشعر عائداً إلى زوجته». عند هذا الحد اختفى أي ذكر للدليل المتمثل في خصلة الشعر، ولم يتبين ما إذا كان خضع لأي فحص علمي للتأكّد ممّا إذا كان يعود للضحية أو لا.
يقول المحامي نزار صاغية في مقال نشرته «المفكرة القانونية» تعليقاً على المسار الذي أخذته قضية رولا يعقوب: «إن من يقرأ القرار الظني يلحظ خلوّه من أي إفادة أو حجة، وبشكل أعم من أي دليل ناف للبراءة، رغم توافر أدلة كثيرة في هذا الاتجاه. وقد بدا بذلك كأنه يأخذ من الملف كل ما من شأنه إثبات البراءة، مهما ضعفت مصداقيته، ويتجاهل كل ما عدا ذلك مهما كان علمياً وموضوعياً. فلا يصار قط (أقلّه في القرار) الى الموازنة بين أدلة البراءة وأدلة الإدانة، ويُوجّه قارئ القرار الى الموافقة على النتيجة التي خلص إليها من دون تمكينه من تكوين اقتناع موضوعي مستقلة».