هذا ما كان ينقصنا في لبنان، بلد اللبن والبخور، بلد الجماعات المتناحرة، والمؤسسات المتأكلة، والكرامة الإنسانيّة المهانة. هذا ما كان ينقصنا بين انفجارين، في قلب التراجيكوميديا الحكوميّة، والكوابيس الأمنيّة والاقتصاديّة، والمستقبل القاتم. أن يأتي من يكتشف صوراً قديمة عارية، لمتزلّجة في جبال فاريا، فيخرجها من سياقها، ويصنع بها «فضيحة»، ويرميها عظْمةً إلى الرأي العام.
كل ذلك لأن المتزلّجة شبه العارية هي بطلة لبنان في التعرّج القصير، جاكي شمعون التي تمثّل بلدها حالياً في الألعاب الأولمبيّة الشتويّة في روسيا. أما الصور، الطريفة أكثر منها سكسيّة، فمأخوذة من فيديو خاص، حسب صاحبة العلاقة، التقط في سياق الإعداد لرزنامة من نوع رائج، تضمّ رياضيّات يتزلّجن بهذه الطريقة غير المألوفة. ماذا جاءت الصور إذاً تفعل الآن وهنا، وما الهدف منها؟ قد يكون الفيديو صادماً لشريحة من الرأي العام في لبنان، لكنّه غير موجّه له، وما كان ليراه لولا أنّ يداً مؤذية سرّبته خارج النطاق الخاص. ثم إن شريحة أخرى من الرأي العام نفسه تعتبر الأمر اعتيادياً وطبيعيّاً… أين الفضيحة التي عنون عليها موقع «الجديد» مطلق القضيّة؟ وجلسة التصوير الإيكزوتيكيّة تلك التي مرّ عليها الزمن، أشهراً حسب موقع شبكة NBC، أو سنوات حسب بيان الاعتذار الذي نشرته البطلة الأولمبيّة على صفحتها، ما دخلها بأداء هذه الرياضيّة الرفيعة التي تستعد لخوض التحدّي الآن في سوتشي؟
لقد اهتزّت الأرض، بالأمس، تحت أقدام اللبنانيين، ولم يبق مواطن آمن مطمئن، إلا وانشغل باله بتلك الصور… بطلة رياضيّة لبنانيّة تتزلّج، عارية إلا من ورقة توت… وها هي الجمهورية المتصدعة معلقة بنهدي جاكي شمعون. الإعلامي تحوّل إلى واعظ يدعو إلى الحرص على «ما تبقى من سمعة للبنان في المحافل الرياضية الدولية». بعض النسويّات رمينها بحجر باسم رفض تسليع جسد المرأة. وزير الشباب والرياضة أصدر أمره بالتحقيقات الفوريّة «حرصاً على سمعة لبنان». عفواً؟ سمعة لبنان؟ اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة استنكرت، ودعت «الجهات الرسمية المعنية إلى التحرك واعتبار بيان اللجنة الاولمبية بمثابة إخبار». النخب البليدة وجدت في جاكي شمعون كبش فداء جديداً، لتشتري عفّتها وتريح ضميرها… حتّى كدنا نتذكر قضية نيكول بلان في الزمن الحريري السعيد. جاكي لم تجد ما تفعله سوى الاعتذار على صفحتها عن ذنب لم تقترفه، لعلمها «أن لبنان بلد محافظ وهذه ليست الصورة التي تعكس ثقافتنا». لا شك في أنّها سمعت ذلك من طوني خليفة! من أين يأتي الناس بهذه القناعة؟ التيّار غير المحافظ في لبنان عابر للطوائف والمناطق والخنادق السياسيّة، وفي ظل قوانين انتخاب عادلة ستكون له في البرلمان كتلة أكبر من «تيّار المستقبل». لحسن الحظ، وقف تلفزيون «الجديد» في نشرته المسائيّة إلى جانب جاكي شمعون، وأعاد الأمور إلى نصابها.
هكذا وجدت البطلة الأولمبيّة نفسها في مرمى السهام، لأنّ صحافيّاً مجتهداً بحث عن مادة لسبقه في القمامة إيّاها التي باتت مرجعاً فكريّاً يصعب تفاديه في بيروت. وبدلاً من أن يُنشر خبر الرزنامة الرياضيّة العارية في باب الطرائف، تحوّل بلمح البصر إلى قضيّة وطنيّة. في هذا البلد المنفصم الذي بنى كل فلسفته بعد الحرب على اقتصاد الكاباريه. في بلد استقبل رئيس حكومته متهماً بالإرهاب التكفيري كبطل قومي، وبقيت الجمهورية العتيدة واقفة بثبات على قدميها… لكنّها اليوم ترتجف، على طريقة «طرطوف» موليير، أمام نهدي بطلة أولمبيّة عارية في صقيع فاريا.

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@