حلب | المشهد قاس جداً في بلدة الشيخ نجار (شرقي حلب) مقارنة بما كان عليه قبل ثلاث سنوات. الطريق بين مبنى المواصلات والمقبرة الاسلامية، الذي كان يكتظ بالسيارات في السابق، أصبح مغلقاً اليوم بأكوام التراب، وعلى جانبيه مبان وسيارات مدمّرة.
يتقدّم الجيش السوري من هنا باتجاه حلب غرباً. وباتت فرق الرصد التابعة له في تلة الغالي تشرف تماماً على الأوتوستراد الذي يمتد من دوار الصاخور في الجزء الشرقي من المدينة إلى المطار الدولي. وباتت الشيخ نجار، القرية التي استملكت مساحات واسعة من أراضيها الزراعية لإنشاء المدينة الصناعية الأكبر من نوعها في سوريا، في قبضة الجيش. لم يكن الهجوم الاول الذي يشنّه الجيش على تلك القرية، إذ سبق أن كرّر خطته التي نجحت أخيراً منذ أيام، من بساتين القرية جنوباً حتى تخوم المدينة الصناعية. وخلال ثلاثة أيام فقط، تمكّن الجيش من إنهاء المعارك وتحرير ما مساحته 10 كيلومترات مربعة، إضافة الى تفكيك المفخخات، ومن ثم تثبيت نقاطه المتقدمة.
الشيخ نجار قرية كان يسيطر عليها مقاتلون أجانب من «لواء المهاجرين والأنصار». فوجئ هؤلاء بالاقتحام، إذ يقول أحد الذين شاركوا في العملية: «دخلنا إلى المزرعة وكان طعامهم على الأرض ساخنا، ووعاء ماء يغلي على الغاز وفيه جبنة مالحة».
في إحدى المزارع، يمتد خندق بطول 70 متراً ويحوي أعشاش ذخيرة ومبيتاً. واستعداداً لأي هجوم من قبل الجيش، فخّخ المسلحون الزوايا الاربع في معمل للأدوية قرب المزرعة، «لم تنفجر سوى عبوة واحدة وقمنا بتفكيك البقية، نحن لا ندخل جماعات الى أي منشأة، بل عنصر هندسة واحداً للكشف»، يقول المصدر نفسه.
في الجهة الأخرى من الجبهة، يتناقل معارضون معلومات عن حصول خيانة من قبل السوريين لـ«المهاجرين»، وعن ان انسحاب «لواء التوحيد»، أحد اهم أركان «الجبهة الاسلامية» التي تشكلت أخيراً، هو سبب خسارة القرية.
يعلّق محمد ديبو النجار من مارع بأنّ «السوريين ينسحبون ويبقى العرب يقاتلون حتى الموت، الشيخ نجار سقطت لأن إرادة القتال ضعفت عند الثوار، والاقتتال بين تنظيم الدولة والجبهة الاسلامية انهكهم، الانسحابات الغريبة قد تتكرر في المدينة الصناعية».
في تلك القرية ما من مواطن سوري. الجميع غادرها على مراحل، وخصوصاً مع اشتداد المعارك في المنطقة. الدمار كبير ومعظم البيوت تعرّضت للنهب.
تنتشر في المنطقة اليوم، وحدات من الجيش والدفاع الوطني واللجان الشعبية. يتوعّد أحمد، وهو عسكري من حلب، مع سيل من الشتائم، «بأن الموت مصير كل من حمل السلاح ضد الدولة، سنقاتلهم حتى نقضي عليهم. قتلوا أخي لأنني لم انشق عن جيش وطني، وأمي تبكي كل يوم بعدما أحرقوا بيتنا في الصاخور. سنسحقهم».
بعد تحرير الجيش السوري مبنى مديرية النقل في النقارين، تحول مثلث النقارين ــ الشيخ نجار ــ تلة الغالية إلى جبهة حرب بكل ما للكلمة من معنى. ما من متر مربع فيها يخلو من شظايا قذائف أو فوارغ ذخيرة. في تلة الغالية التي يقع في سفحها مقر كبير لـ«الشرطة العسكرية الاسلامية» التابعة لـ«لواء التوحيد»، مستودع ضخم جرى الاستيلاء عليه، يكاد حديد القذائف يطغى على الورود الربيعية التي بدأت تتفتح.
«التلة مقنوصة، عليكم الحذر»، بعد دقائق تنهمر رشقات من رشاش متوسط. يصدر القائد أمراً لجنوده بالرد برشاش ثقيل، فيستهدفون أبنية على أطراف حلب تنتصب ببياض حجرها خلف المرج الاخضر الممتد لأقل من كيلومترين.
على التلة الثانية، الاقرب لمساكن هنانو وتسمى «تلة السيرياتيل»، كانت جثث المسلحين أكثر عدداً. تلتفّ حولها القطط. لا يمكن الاقتراب أكثر بسبب رصاص القنص.
تضمّ قرية الشيخ نجار التي يبلغ عدد سكانها 5000، كل تناقضات المجتمع السوري والحلبي خصوصاً. كانت تتقاطع فيها خيوط الأزمة قبل عام 2011، من استملاك الاراضي، وثنائية المدينة ـــ الريف، والصناعة ـــ الزراعة. تحولت الاراضي إلى معامل، وقطعت أشجار الزيتون. لم يتحول المزارعون فيها إلى عمال، احتجوا على الاستملاك ورشقوا الشرطة بالحجارة ففرقتهم بقنابل الغاز والهراوات. وعندما هبت رياح الازمة، انقسم الاهالي، لكن غالبية السكان رفضت الحرب على الصناعة السورية. فجزء من الاهالي استفاد من الطفرة العقارية التي أصابت المنطقة بعد إنشاء المدينة الصناعية، كما وجد المئات منهم فرص عمل فيها.
قرب المطار، كان فلاح من آل عثمان يقدم طلبا للقائد العسكري المسؤول للسماح له بتفقد أملاكه في الشيخ نجار، وغير بعيد عنه كان أحد الصناعيين يترجل من سيارة «رانج روفر» يعانق ضابطاً ويحييه بحرارة قائلاً: «العوض على الله، المهم ان يحميكم وينصركم، المعمل بيتعوض. سنبني كل ما هدم».