كنا مع الجنرالين، الرئيس والوزير، فجاء من يطرق الباب بطريق فجّة. وزير الإعلام الجديد، رمزي جريج. قابلته المؤسسة اللبنانية للإرسال، أمس، لتسأله رأيه في تحريك الوزير أشرف ريفي النيابة العامة ضد جريدة «الأخبار». في الشكل، سئل جريج عن رأيه في مقالة أول من أمس، «لبنان بلا رئيس»، فأمسك عدد أمس من «الأخبار»، وقال إن مقالة إبراهيم الأمين فيها تحقير وتعرّض لرئيس الجمهورية ولمقام الرئاسة، مشيراً إلى ما ورد في مقالة أمس. خطأ، ننتظر توضيح الوزير لنعرف ما إذا كان يعلق على مقالة أمس، لكن مع مفعول رجعي، أم أن هناك خطأً في المونتاج؟
في المضمون، فات وزير الإعلام أن ما ورد في المقالة الأولى (الاثنين) هو رأي سياسي في ما قاله رئيس الجمهورية في خطابه. وهو رأي فيه نقد مشروع لموقف ميشال سليمان من قضية حساسة اسمها المقاومة. ومهما قيل في العبارات التي وردت في المقال، فهي تعبّر عن رأي، ومن يُرد أن يحوّلها إلى عكس ذلك، بغية التقدم صوب مواجهة، فهو حر!
وفي المضمون، فات وزير الإعلام، وهو خبير في القانون، أن ما ورد في المقالة الثانية (أمس) هو بمثابة «إخبار» إلى كل النيابات العامة، عن فعل تزوير قام به رئيس الجمهورية يوم كان قائداً للجيش، وفيه اتهامات لوزير العدل بمخالفات متنوعة. وبالتالي، هل يعرف وزير الإعلام، من موقعه الحالي، ومن موقعه كرجل قانون، أنه يجدر به التوجه إلى القضاء، سائلاً إياه التدخل لتبيان الحقيقة. وهنا، أيضاً، لم نعرف ما الذي قصده وزير الإعلام، أم أن المشكلة كانت أيضاً في المونتاج؟
وفي هذا الجانب، موقفنا واضح وفيه:
أولاً: إننا في «الأخبار» لن نمثل أمام النيابة العامة التمييزية إلا بعد دعوة رئيس الجمهورية ووزير العدل للمثول أمام القضاء للتحقيق في كل الملفات المنسوبة إليهما. وإذا كان هناك من يعتقد بأن لديهما الحصانة الكافية لمنع المساءلة أو الملاحقة القانونية، فنحن نعطي لأنفسنا الحصانة التي تمنع سؤالنا وملاحقتنا، وعلى القضاء أن يتصرف بواقعية وبما يمنع جرّه من قبل السلطة السياسية ليكون طرفاً في مواجهة الصحافة والحريات، وله القرار.
ثانياً: إن موقفنا برفض أي حملة على المقاومة ضد الاحتلال، موقف لا يقبل أي جدل، وسنظل نطعن بوطنية وشرف كل من يتطاول على هذه المقاومة، وسنظل ننتقد ونحقّر كل من يقوم بعمل سياسي أو إعلامي أو ميداني ضد هذه المقاومة. ولن ننتظر موافقة أحد على موقفنا. لن ننتظر سلطة رسمية، ولا سلطة قضائية، ولا سلطة أمنية، ولا سلطة حزبية. ومن لا يعجبه الأمر، فليشرب ماء البحر!
ثالثاً: إذا كان صمت نقابتي الصحافة والمحررين عن هذه الحملة المجنونة على الإعلام، من باب محكمة المطبوعات، أو من باب وزير العدل، سيمثّل دافعاً للسلطة السياسية للمضي في معركتها لكمّ الأفواه، فإن هاتين النقابتين لا تمثلان إلا شخوص من ينتمي إلى مجالسهما، وهما لم تعودا محل ثقتنا حتى تستفيقا من غفوتهما التي طالت.
لكن، ماذا عن الوزير «القبضاي» أشرف ريفي، الذي غرّد من السعودية بأنّ زمن الفجور والتطاول ولّى، واعداً ببناء دولة المؤسسات؟
ريفي موجود في السعودية منذ عدة أيام. سرّب مكتبه أنه سيشارك في مؤتمر تقني وسيعقد على هامشه اجتماعات مع المسؤولين السعوديين. وحتى اللحظة، لم يصدر أي خبر، لا عن مكتبه ولا عن كل وسائل الإعلام السعودية، يشير إلى أن الرجل وصل أصلاً إلى السعودية، ولا إلى مشاركته في أي مؤتمر، ولا إلى لقاءات له مع المسؤولين السعوديين. ترى ما الذي يفعله هناك؟
طبعاً، لن نظلم ريفي بأن نقول له إننا في انتظار ما تعلّمه من دروس العدالة السعودية، ولن نظلمه بأن نسأله عن لقاءاته. كذلك لن نظلمه ونسأله عمّا إذا كان هو، شخصياً، ومن السعودية، من غرد أمس، أم أن أحداً ما، وفي بيروت، وقبل استئذانه، قد غرد عنه. وهو رضي ووافق.
لكن، إليكم الرواية الآتية. وليقل هو ومعه السعودية ما يقولانه:
بعد ظهر الأحد الماضي، وحتى عصر الاثنين، اشتعلت الاتصالات الهاتفية بين الرياض وجدة وبيروت. مسؤولون أمنيون في المملكة يسألون، بإلحاح، عن حقيقة استعداد حزب الله للقيام بعمل أمني ــــ عسكري يشمل كل لبنان، على شكل 7 أيار جديد. ووصل الأمر بأن طلب المسؤولون السعوديون من جهات أمنية في سفارتهم في بيروت، ومن آخرين لبنانيين، التدقيق والإجابة السريعة عن هذه المعلومات. وعندما أُبلغوا بداية أنه لا توجد أية مؤشرات على هذا الأمر، عاد المتصلون من الرياض إلى التأكيد أن المعلومات التي في حوزتهم أتت من «مصدر واسع الاطلاع»، طالبين مزيداً من المعلومات.
مضت الساعات طويلة قبل أن يتيقّن المسؤولون السعوديون من أن لا أساس لهذه المعلومات. لكن، في بيروت، كان هناك من اهتم بالمصدر الذي أقلق راحة المملكة أكثر من 24 ساعة متواصلة، ليتبين أن الوزير ريفي، نفسه، كان يستعرض أمام أحد المسؤولين السعوديين معلوماته التي تشير إلى «حالة هستيريا يعيشها حزب الله، وأنه في وارد القيام بعمل ضد معارضيه». وبالطبع، كما يقول أحد المسؤولين في بيروت: «كلنا نعرف ما هي بقية العبارة التي قالها ريفي للمسؤولين السعوديين: ساعدونا لنواجه حزب الله».
قلتلي عدلية، ما هيك!