لم يكن قرار منع النشاطات السياسية في كليات وفروع الجامعة اللبنانية منذ أيار 2006 سوى ردّ فعل تعسفي على إشكالات وقعت حينها بين الطلاب، نتيجة الأجواء المشحونة بين المكونات السياسية اللبنانية. إلاّ أنّه لا يمكن مفعول القرار أن يبقى إلى الأبد. يستحيل أن تستمر الجامعة في فرض «طوق محكم» يلغي مفهوم الديموقراطية ويقيّد حرية الطلاب في التعبير عن أفكارهم السياسية والتحاور الإيجابي الفاعل في ما بينهم، ويغيّب مناخ تقبل الآخر.
في الواقع، بات الطلاب يشعرون بأنّ «لازمة المنع» تقفز في كل مرة يريدون فيها تنظيم نشاط يقارب قضية من قضايا الشأن العام من دون أدنى تمييز بين العمل الطلابي السياسي المقونن والعادل، والممارسات السياسية المنطلقة من المصالح الفئوية.
وبدلاً من أن تمنع إدارة الجامعة التفاعل بين الأطياف السياسية داخل الجامعة، فلتتخذ، كما يقولون، إجراءات صارمة في حق من يثير المشاكل بين الطلاب. يسألون: «أين أصبحت المشاورات بين الأحزاب والمنظمات الشبابية اللبنانية باتجاه تفعيل الانتخابات الطلابية المتوقفة منذ 3 سنوات، وإلى متى سيبقى رؤساء الهيئات والمجالس الطلابية يجددون لأنفسهم مع كل سنة أكاديمية؟».
قرار المنع نفسه يفقد صدقيته يوماً بعد يوم نظراً لاستنسابيّة تطبيقه بين كلية وأخرى، وبين فرع وآخر، وبين قوى سياسية وأخرى.
كيف يمنع مثلاً رئيس الجامعة د. عدنان السيد حسين طلاب حركة أمل من تنظيم احتفالهم السياسي بامتياز في الذكرى الأربعين لانطلاقة الحركة في القاعة المركزية للمؤتمرات في المجمع الجامعي في الحدث، ويسمح لهم بذلك في كلية الحقوق والعلوم السياسية داخل المجمع نفسه؟ لم يحظ هذا السؤال بجواب لتعذر التواصل مع رئيس الجامعة برغم محاولة «الأخبار» الاتصال به.
بدا أنّه ليس هناك فرق بين المكانين، سوى أن «المنع» كرّس مجدداً منطق المعاقل داخل كليات الجامعة. أمس، لا يمكن الداخل إلى حرم كلية الحقوق إلاّ أن يشعر بهيمنة حزبية مستفزة، تبدأ بالتفتيش عند المداخل والتدقيق في الحقائب لضرورات أمنية، كما قالت الصبية المكلفة المهمة، ولا تنتهي بتوقيف الدروس خلال وقت الاحتفال.
هنا في ساحة الكلية شُغل الطلاب بزرع عشرات الأعلام احتفاءً بالمناسبة. كما حرصوا على رفع صور للسيد موسى الصدر والرئيس نبيه بري وللشهداء في كل زاوية من المكان.
لم تتوقف مكبرات الصوت عن بث الأناشيد الحزبية بصوت مرتفع. أما القاعة، فقد غصت بالطلاب المحازبين، وتعذر على الكثيرين حضور المهرجان السياسي. لوّح الطلاب بأعلامهم الصغيرة ورفعوا قبضاتهم وتلوا قسم الصدر الذي ألقاه في بعلبك في 17 آذار 1974. قال طلاب الحركة إنّهم شعروا بالتمييز والكيل بمكيالين حين سمح رئيس الجامعة باستضافة الوزير سليمان فرنجية في القاعة الرئيسية للمجمع، وخصوصاً أنّه ارتفعت حينها أعلام تيار المردة وحزب الله، لكن الطلاب نسوا أنّ فرنجية حضر في أيار 2013 وفي ذكرى المقاومة والتحرير وأجرى لقاء حوارياً مفتوحاً مع كل الطلاب حول عناوين سياسية.
ثمة مبالغة في رسم المشهد الحزبي تعكس ربما انتقاماً من فعل «المنع»، وخصوصاً أن مسؤول مكتب الشباب والرياضة في الحركة محمد سيف الدين يقول لـ «الأخبار» إننا «كنا ننوي رفع العلم اللبناني فقط، ونسعى إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الأطياف السياسية». يحرص سيف الدين على التأكيد أنّها «مناسبة وطنية جامعة، وكنا نتمنى أن يجري التعاطي معها على هذا الأساس، وألا يستمر البعض في رؤيتنا بالصورة النمطية القديمة».
يرى سيف الدين أن التعامل ليس بالمثل في كل كليات الجامعة، وبدا في كلمته خلال الاحتفال يوجه رسائل إلى رئيس الجامعة، وخصوصاً حين قال «الطلاب هم ثروة الوطن في حاضره ومستقبله، وهم عنصر الحياة في الجامعة، ودورهم فيها ضروري كالدم، لأنّ الجامعة بنيت لخدمة الطالب لا العكس، وهي بدونه مجرد مبانٍ خاوية لا حياة فيها. وللطلاب وحدهم الحق في الاستفادة من منشآت الجامعة، التي لم تنشأ لاستعراض مواهب المشاهير على الشاشات (في إشارة إلى برنامج سبلاش على أل. بي. سي وما رافقه من التباس)، بل بنيت لاستعراض أفكار الطلاب على منابر الجامعة وفي قاعاتها».
لم يتردد سيف الدين في المطالبة بإحياء الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية، وعودة الانتخابات الطلابية في أسرع وقت ممكن، حتى يتسنى للطلاب ممارسة دورهم في اختيار ممثليهم الحقيقيين، والمشاركة في الحياة الطلابية والسياسية. كذلك دعا سيف الدين إلى معالجة سريعة للخلل الحاصل في تطبيق المناهج التعليمية، وخصوصاً نظام أل. أم. دي حتى لا يدفع الطلاب فاتورة أخطاء غيرهم. اللافت أنّه لم يكد ينتهي الاحتفال حتى أزيلت كل المظاهر الحزبية من الكلية