القاهرة | «عدم الالتزام بالالتزامات التعاقدية». هكذا فسّر البيان الرسمي الصادر أوّل من أمس عن «الحياة» سبب فسخ التعاقد بين الشبكة الرقم واحد في مصر، و«وكالة شويري غروب»، أكبر وكالات الإعلان على مستوى الوطن العربي، لكنّه تفسير لا يسمن ولا يغني من جوع، إذ لم يشرح ماهية الالتزامات التعاقدية التي لم تلتزمها الوكالة، التي كانت في بداية التعاقد بمثابة «طوق النجاة» بحسب تصريحات مالك «الحياة» السيد البدوي. الأخير أكد يومها أنّ شركة «سي ميديا» (تابعة لـ«شويري غروب») وفّرت للشبكة المصرية «مدخولاً إعلانياً» يناسب مكانتها على عكس وكالة «ميديا لاين». وكان مالك «ميديا لاين» علاء الكحكي قد سبق أن اعترض على فسخ البدوي للعقد المبرم بين «الحياة» ووكالته، كما دخل في نزاع قضائي لا يزال مستمراً مع البدوي.وبحسب تصريحات محمد سمير، رئيس شبكة تلفزيون «الحياة»، فإنّ فسخ التعاقد جاء بالتراضي بين الطرفين، لكن حتى الآن لم يصدر عن «شويري غروب» بيان مماثل للتأكد مما إذا كان نزاعاً قضائياً سينطلق قريباً. من جهتها، حاولت «الأخبار» الاتصال بـ«شويري غروب» في بيروت للوقوف عند حقيقة الموضوع، لكنّها رفضت التعليق، على اعتبار أنّه ليس من اختصاصها.

ومهما كان ما جاء في بيان «الحياة» الرسمي، فإنّ ما يجري في الكواليس أكبر وأقدم بكثير من «الالتزامات التعاقدية». فسخ العقد جاء بعد أقل من شهرين على «الثورة» التي أعلنتها «الحياة» مع قنوات مصرية أخرى (راجع الكادر) على شركة ipsos للأبحاث (الأخبار 23/1/2014) واتهامها بمحاباة «mbc مصر» في تقاريرها التي صدرت اعتباراً من كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي بغية تأمين الحصة الأكبر من الإعلانات للقناة السعودية. وقال المسؤولون في هذه القنوات المنتَفضة يومها إنّ الأمر يخص سوق الفضائيات المصرية والتصدّي لما وصفوه بتلاعب ipsos. وحتى الآن، لم تعلن القنوات المصرية عن شركة الأبحاث الجديدة التي ستتولى تقويم السوق، وفيما لا تزال ipsos تواصل عملها في السوق المصرية، استمر الصراع تحت السطح.
منذ البداية، تبدي جهات عدة في المحروسة تخوّفها من فرض «شويري غروب» لصاحبها اللبناني بيار شويري سيطرتها على السوق الإعلامية المصرية، كما سبق لهذه الجهات أن تدخلت بهدف منع حصول الوكالة على الإمتياز الإعلاني لجريدة «اليوم السابع»، ودخولها كشريك في قنوات فضائية أخرى. كان المطلوب كبح طموح شويري في الاستحواذ على ما هو أكثر من «الحياة» و«mbc مصر». لكن مصادر أكدت لـ«الأخبار» أنّ الضغوط استمرت، ما دفع السيد البدوي إلى التراجع وفسخ العقد.

الوكيل الإعلاني الجديد سيتكوّن بناءً على شراكة بين أكبر ثلاث شبكات


علماً أنّ «شويري غروب» كانت تدفع لـ«الحياة» أكثر من 3 ملايين دولار أميركي شهرياً، وهو أكبر مدخول إعلاني تحصل عليه قناة مصرية.
هناك عوامل أخرى أسهمت في الضغط على البدوي، مثل التراجع الحقيقي الذي طاول قنوات «الحياة». صحيح أنّها لا تزال في المركز الأوّل ضمن تصنيف الشاشات المصرية، إلا أنّ ضمان استمرارها على القمة لم يعد كما كان طوال السنوات الستّ السابقة، وخصوصاً بعدما فقدت العديد من نجومها ولا يزال البدلاء في مرحلة اكتساب ثقة الجمهور.
أمام هذا الواقع، يبرز سؤال جوهري يدور في سوق الفضائيات المصرية حالياً منذ الإعلان عن فسخ التعاقد، حول هوية الوكيل الإعلاني الجديد الذي ستتعاقد معه «الحياة». فهل تعود إلى «ميديا لاين» مجدداً برغم أنّها الوكيل الإعلاني لشبكة «النهار»، أم أنّها تؤسس شركة خاصة بها متبعة بذلك نهج قنوات «سي. بي. سي» التي تدير أعمالها الإعلانية شركة «فيوتشر» المملوكة للمجموعة نفسها؟
بيان «الحياة» الأخير يقول إن الإعلان عن الوكيل الجديد سيجري «قريباً جداً»، لكن مصادر مطلعة كشفت لـ«الأخبار» عن «مفاجأة» مؤكدة مفادها أنّ حصار «شويري غروب» سيستمر. هكذا، سيكون الوكيل الإعلاني الجديد عبارة عن شركة جديدة تتكوّن بناءً على شراكة بين «ميديا لاين» و«فيوتشر»، أي إنّ أكبر ثلاث شبكات تلفزيونية مصرية («الحياة»، و«النهار»، و«سي بي سي») سيربطها وكيل إعلاني واحد، حتى لو اختلفت أسماء الشركات. هذا الأمر قد يؤدي إلى استحواذ الشبكات الثلاث على النصيب الأكبر من كعكة الإعلانات في سوق الفضائيات المصرية، وإلى الضغط على المعلنين للحد من التعامل مع «mbc مصر» التي تحاول تعميق جذورها في المشهد الإعلامي المصري. سيناريو قد يكون الأقرب في ظل الواقع الراهن، حيث تمر البلاد باضطرابات سياسية واقتصادية لا تتوقف، لكن هل ستستسلم «شويري غروب» لهذه الضربة أم أنّها سترد على طريقتها الخاصة؟

يمكنكم متابعة محمد عبدالرحمن عبر تويتر | @MhmdAbdelRahman




الثورة على ipsos

في بداية العام الحالي، قررت أغلبية القنوات الرئيسة في مصر، وفي مقدمتها «الحياة» و«النهار» و«سي. بي. سي» و«أون. تي. في»، الانسحاب من «ipsos للأبحاث». في واقعة تعدّ الأولى من نوعها، قدّمت هذه القنوات بلاغات منفصلة ضد الشركة الأكثر انتشاراً في الشرق الأوسط، واتهمتها بـ«التلاعب» بنتائج بحوث المشاهدة واحصاءات الإقبال الجماهيري، من أجل خدمة قنوات غير مصرية على نحو يهدّد «باختراق السوق الفضائي المصري»، في إشارة إلى «mbc مصر». يذكر أنّ نتائج أبحاث الشركة تعد المؤشر الأهم على مستوى جماهيرية كل قناة، وهو ما تستخدمه القنوات لاحقاً عند التفاوض مع المعلنين.