سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | جميع المعلومات والمُعطيات المتوافرة تشير، بوضوح، إلى أن «جبهة ثوار سوريا» هي الجهةُ التي يجري تجهيزها لاستقبال الدعم الغربي. وهي في حقيقة الأمر قد أُنشئت لهذا الهدف، بتمويل سعودي غير مُعلن. وبرغم أن قائدها جمال معروف كشف منذ أيام عن تلقيه أموالاً سعودية وأميركية، غير أن مصادر «الأخبار» تؤكد أن تلك الأموال تتجاوز بأضعاف الرقم الذي أعلنه.
يشرح مصدر معارض لـ «الأخبار» أن «علاقة معروف بالسعودية قديمة. وتعود إلى سنوات وجوده في لبنان، حيثُ كان يعمل في ظاهر الأمر كبنّاء». ويؤكد المصدر أن «معروف حظي بثقة السعوديين، لأنه برع في تنفيذ كل المهمات التي أوكلت إليه، وكانت تتمحور حول جمع المعلومات، وتجنيد العملاء». وقد عاد إلى سوريا عام 2011 حيث أنشأ «لواء شهداء جبل الزاوية» في إدلب، ثم غيّر اسمه منتصف عام 2012 إلى «لواء شهداء سوريا» (راجع «الأخبار»، العدد 2243).
ظهرت «جبهة ثوار سوريا» إلى العلن في 9 كانون الأول 2013، وتشارك في تأسيسها: «المجلس العسكري في إدلب»، «تجمع ألوية وكتائب شهداء سوريا»، «ألوية النصر القادم»، «الفرقة التاسعة بحلب»، «كتائب فاروق الشمال»، «كتائب رياض الصالحين في دمشق»، «تجمع أحرار الزاوية»، «ألوية الأنصار»، «كتائب فاروق حماة»، «الفرقة السابعة»، «ألوية ذئاب الغاب»، «فوج المهام الخاصة بدمشق»، و«لواء شهداء إدلب». ويُعد هذا التأسيس الثاني لها. ففي حزيران من العام نفسه، أعلن إنشاء «جبهة ثوار سوريا» من إسطنبول، وفي حضور أعضاء من الكتلة الإخوانية في «المجلس الوطني»، وكان الوجه الأبرز للجبهة هو «رئيس مكتبها السياسي» خالد عقلة. في أيلول الماضي، قدّم معروف (قائد تجمع كتائب وألوية شهداء سوريا حينها)، ما سمّاه «مبادرةً لتوحيد الفصائل المعارضة المسلحة ذات الطابع الإسلامي ضمن فصيل عسكري واحد»، و«دعا قادة التكتلات العسكرية المعارضة إلى الاتفاق من أجل إنشاء مجلس شورى، يضم ممثلين من كل الفصائل. ويكون أرضية لإنشاء جيش إسلامي من كافة الفصائل بكل امكاناتها». تؤكد مصادر «الأخبار» أن «محاولة معروف لم تحظ بالاستجابة المأمولة. فجرى تعديل المخطط، ليعقد اتفاقاً مع خالد عُقلة، ويشتري (حرفياً) منه الجبهة». على النهج نفسه، عمل معروف على شراء «كتائب» و«ألوية» في معظم المناطق السورية بمال سعودي. وضمّها إلى جبهته.

«الاعتدال» المزعوم

كان على رأس التعليمات السعودية التي نفذها معروف «إظهار الجبهة في مظهر المعتدل». وقد روّج البعض لدى إعلان إنشائها الثاني أنها «جاءت رداً على إنشاء الجبهة الإسلامية». وبرغم أن معركةً نشبت بين «الجبهتين»، غير أن ذلك لا يعني وجود تنافر بينهما، فالخلاف نجمَ في الدرجة الأولى عن صراع مصالح يتعلق بالسيطرة على معبر باب الهوى الحدودي، وما يدرّه من مكاسب مالية لمن يسيطر عليه. وهو ما اعترف به معروف نفسه، في مقابلة مصوّرة مع إحدى الشبكات المؤيدة لـ«الثورة»، قال فيه إن «الخلاف كان بخصوص معبر باب الهوى. (...) وهو خلاف لا يذكر أمام القواسم المشتركة بين الجبهتين. (...) نحن وهم في خندق واحد، في جهاد واحد». ومما قاله في تلك المقابلة، أيضاً: «نحن والجبهة الإسلامية إخوة في العقيدة وفي الجهاد. عدونا واحد، هو بشار الأسد ونظامه الكافر. (...) هدف الجبهة (ثوار سوريا) إرضاء الله سبحانه وتعالى وإعلاء كلمته على أرض الشام. (...) نريد أن تكون دولة إسلامية تحكم بالشريعة».

كان على رأس التعليمات التي نفذها معروف «إظهار الجبهة في مظهر المعتدل»

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن ميثاق إنشاء «جبهة ثوار سوريا» ينص على «إسقاط نظام الحكم في سوريّا، وإقامة الحكم الإسلاميّ الرشيد». كذلك نص اتفاق المصالحة الذي عقده معروف مع «الجبهة الإسلامية» في كانون الأول الماضي (برعاية سعودية) على أن «الجبهة الإسلامية وجبهة ثوار سوريا إخوة في مسيرة الجهاد». ويُذكر أن «لواء شهداء سوريا» الذي يتزعمه معروف نفسه، كان على رأس المجموعات التي اقتحمت مدينة حارم في ريف إدلب، في تشرين الثاني 2012، حيث ارتُكبت مجزرة طاولت 36 من سكان المدينة، من بينهم نساء وأطفال، بتهمة «موالاة النظام».
أما آخر «الإنجازات الثورية» لجبهة معروف «المعتدلة»، فكانت مشاركتها في «غزوة الأنفال»، إلى جانب «حركة شام الإسلام»، و«الجبهة الإسلاميّة»، و«جبهة النصرة». وهذه الأخيرة، كما هو معروف، تتبع مباشرة لتنظيم «القاعدة»، الذي يروّج الإعلام الغربي أن «جبهة ثوار سوريا» تقاتله.

حملات تلميع غربية

لم تعد محاولات تلميع جمال معروف وقفاً على الإعلام السعودي http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=757370&issueno=12829#.UzIaK9IW3b0 ، («الشرق الأوسط»، 12 كانون الثاني 2014، العدد 12829) الذي بشّر مراراً بأن «الألوية والكتائب التابعة لمعروف ستكون النواة الأولى لإنشاء الجيش الوطني الحر».
فقد دخلت أخيراً وسائل الإعلام الغربية على الخط، وبقوّة. فخلال الأسبوع الماضي، أجرت صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية مقابلةً مع معروف، أعلن فيها أنه «تلقى أربعة ملايين دولار من السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية، وحصل على مساعدات من الولايات المتحدة جرى توزيعها من خلال المجلس العسكري»، كما قال إن «منتقديه من قادة كتائب المعارضة المسلّحة المنافسة مستاؤون من قيادته، ويحاولون في الكثير من الحالات تعزيز ايديولوجية إسلامية على خلاف مع السياسة المعتدلة التي مكّنت جبهة ثوار سوريا من الحصول على الدعم الخارجي». ويبدو أن الصحيفة عدت مزاعم معروف عن «الاعتدال» حقيقةً لا خلاف حولها، فركّزت على الحديث عن الاتهامات الكثيرة له بأعمال سرقة ونهب.
وهي اتهامات صحيحة، والأمثلة كثيرة في هذا السياق. منها، مثلاً، ووفقاً لمصدر معارض، أعمال النهب والخطف طلباً للفدية التي قامت بها مجموعة أحمد نصوح التابعة لمعروف في مدينة معرة النعمان. إضافة إلى نهب مسلحيه بيوتاً كثيرة في مناطق سيطرته، مثل قرية الجزدانية التي وثّق إعلام «الثورة» شهادات (الرابط على الموقع الالكتروني) أهلها في هذا الصدد http://shelby.tv/video/youtube/vaPVRubu7uc/ .
علاوة على اتهام شركاء اليوم في «الجبهة الإسلامية» لمعروف بسرقة مستودعات أسلحة تابعة لـ «الأركان». فرئيس الهيئة السياسية في «الجبهة» أبو عبد الله الحموي، غرّد في كانون الأول الماضي على «تويتر» قائلاً: «يجب على جمال معروف ألا ينسى أنه أول من قام بسرقة مستودعات الجيش الحر، والأركان تعلم ذلك جيداً».
لكن «القائد المعتدل» أكد براءته من كل ذلك، لتخلص الصحيفة إلى أنه «مهما كان سجله الشخصي، فقد يكون السيد معروف الأمل الأخير للغرب في سوريا».
قبلها بأيام، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالاً للكاتب والمحلل السياسي ديفيد إغناتيوس، وصف فيه معروف بأنه «قائد التمرد المعتدل الرئيسي في شمال سوريا. (...) الذي يمكنه المساعدة على إحداث توازن على الجبهة السورية». وقال إغناتيوس إنه تحدث هاتفياً مع معروف، الذي «كان قرب الحدود السورية التركية، وقدم استراتيجيتين طويلتي الأمد وتعبران عن براغماتية، وهو ما لم أسمعه من قيادي في المعارضة في الأشهر الأخيرة». ووفقاً للمقال «تقوم استراتيجية معروف على مواجهة قوات النظام ومقاتلي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام في وقت واحد». ولا نعلمُ إذا كان قتال «جبهة معروف» جنباً إلى جنب مع «جبهة النصرة» في ريف اللاذقية جزءاً من «استراتيجيات معروف البراغماتية»، ومحاربته لـ«النصرة»، أو إذا كانت ستؤثر في اعتبار «جمال معروف من ذلك النوع من القادة الذين تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الوثوق بهم، لتقديم الأسلحة الكافية لحماية المدنيين السوريين، ومحاربة المتطرفين»، على حدّ تعبير المقال.