قبل اسبوعين، حلّ الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح ضيفاً على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، في مقر اقامة الأخير في قطر. الزيارة رمت الى «وضع اللمسات الاخيرة على الاستعدادات الجارية، لزيارة سيقوم بها مشعل الى ايران، تمهّد لاعادة العلاقة بين الجانبين الى سابق عهدها». هذا ما يقوله متابعون.
وبحسب مصادر متابعة لزيارة شلح الى الدوحة، فان «حماس لا تزال تعيش أزمة داخلية بسبب مواقف مكتبها السياسي من تطورات المنطقة، التي أدت الى خلل كبير في العلاقة مع ايران وسوريا وحزب الله». وتضيف: «ايران ظلت على الدوام الداعم الرئيسي للحركة ولكتائب القسام المقاومة بالمال والسلاح. وهي لا تزال تؤكد حرصها على المقاومة ودعمها، لكنها تنتظر من حماس مراجعة جدية لمواقفها في الفترة الماضية، قبل إعادة العلاقات مع المكتب السياسي الى افضل مما كانت عليه». لذلك، رمت زياة شلح الى «حث حماس على اتخاذ قرارات سريعة تساعد على تطبيع العلاقات مع طهران». وتؤكد المصادر نفسها ان شلح «اقترح فصل الموقف السياسي لحماس عن النهج السياسي للاخوان المسلمين، والعمل على جذب الاخوان الى نهج الحركة المقاوم».
كل هذه الافكار وافق عليها مشعل، الذي تُنقل عنه قناعته بأن «الانظمة العربية لا يمكنها تحرير فلسطين، وممنوع عليها دعم المقاومة ولو بطلقة رصاص». وهو كرّر امام الأمين العام للجهاد شكواه من «تضييق» يواجهه في الدوحة، ومن عدم قدرته على التحرك براحة ولقاء من يشاء، وحصر حركته في زيارة السودان وتركيا.
مشعل تمنّى على
شلّح أن يعمل، مع نصرالله، على «نقل رسالة خاصة» الى الأسد


طهران: حماس
حركة تحرير غير ملزمة باستراتيجيّات دول
مسؤول العلاقات العربية في حماس اسامة حمدان زار طهران أخيراً، وعقد، على هامش مشاركته في مؤتمر هناك، لقاءات مع مسؤولين ايرانيين، وسمع تأكيدات على دعم المقاومة الفلسطينية، وترحيباً بزيارة مشعل.
هذه الاشارات الايجابية أسهمت في سرعة اتخاذ حماس قرار اعادة التموضع، وقد بدأت، بالفعل، الخطوات التنفيذية لذلك. وأشارت المصادر الى أن البحث يجري الآن في إيجاد مخرج يساعد الحركة الفلسطينية على اتخاذ الخطوة التالية. ومن بين الأفكار التي جرى تداولها عقد مؤتمر لدعم المقاومة والقضية الفلسطينية في طهران، تدعى الى حضوره كل الفصائل الفلسطينية وقادتها، ومن بينها مشعل لالقاء كلمة تؤكد ثوابت الحركة لناحية أن المقاومة هي الخيار الوحيد للتحرير، ورفض الاعتراف بإسرائيل. على أن يلتقي، في اطار الزيارة، مسؤولين ايرانيين ويتوّج ذلك بلقاء المرشد السيد علي الخامنئي. ويعلق احد المعنيين على الامر بالقول: «زيارة مشعل لايران من دون لقاء الخامنئي مثل الصلاة بلا وضوء».
أكد الايرانيون موافقتهم على لقاء مشعل مع الخامنئي، اذ لا يزال في طهران من ينظر الى حماس كحليف طبيعي، ويرى أن التحالف معها تجسيد للوحدة الاسلامية التي تدعو اليها طهران دوماً، في مقابل وجود تيار داخل القيادة الايرانية، لا يرغب في تطبيع سريع، ولا يرى حاجة الى لقاء الآن بين الخامنئي ومشعل.

3 سنوات من الانتظار

المسافة قصيرة جداً بين الدوحة وطهران، لكن تنقّل مشعل بينهما، احتاج الى مراجعة ذاتية اجرتها الحركة، ومشعل شخصياً، طوال العام الماضي. ويقول مقربون من «ابو الوليد» انه «يعد نفسه المسؤول عما تعيشه حماس من تشتت، لذلك سيعمل على اعادة مكانة الحركة الى ما كانت عليه قبل بدء الثورة السورية، ثم تقديم استقالته من رئاسة المكتب السياسي». وتقول المصادر: «قبول أعضاء المكتب استقالة ابو الوليد ليس مؤكداً، لكن المؤكد انه يسعى الى اعادة العلاقة مع ايران وسوريا الى ما كانت عليه».
قادة حماس لا يحبذون الحديث عن مراجعة. وهم ينفون، اصلاً، وجود خلافات داخل قيادة الحركة حول الموقف السياسي العام، لكن الكل يدرك الانقسام الظاهر بين الداخل الفلسطيني (غزة)، وخصوصاً قادة القسام، وقيادة الخارج (المكتب السياسي). يعرف اهل الداخل اكثر من غيرهم حجم مساهمات ايران وسوريا وحزب الله في دعم المقاومة. لذلك حافظ بعض هؤلاء، في خضمّ الخلاف، على صلة بطهران. وكان القياديان محمود الزهار وعماد العلمي من اصحاب هذا النهج.

بيروت ودمشق بعد طهران

على أن الأصعب في عودة حماس الكاملة الى محور الممانعة يكمن في العلاقة بينها وبين القيادة السورية. الرئيس السوري بشار الاسد قال («الاخبار» عدد ٢١٢٩ الاثنين ١٤ تشرين الأول ٢٠١٣) إن حماس «قررت أن تتخلى عن المقاومة، وأن تكون جزءاً من حركة الاخوان المسلمين (…) أتمنى لو يستطيع أحد ما اقناعهم بأن يعودوا حركة مقاومة مجدداً، لكنني أشك».
في قيادة حماس من يرفض اتهام الحركة بالتخلي عن المقاومة. لهؤلاء روايتهم للمشكلة مع القيادة السورية، لكنهم لا يودون الخوض فيها. الاتجاه الآن، بعد تطورات المنطقة، وخصوصا سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، هو لاعادة العلاقات مع سوريا ايضاً، وليس مع ايران وحزب الله فقط. سمع قادة الحركة نصائح متكررة بضرورة الفصل بين موقعها ضمن تنظيم الاخوان، وخصوصيتها كحركة تحرير. الخيار الجديد أعلنه وأكده رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية، الذي قال في ذكرى استشهاد الشيخ احمد ياسين إن «حماس حركة تحرر وطني معنية بقضيتها الفلسطينية إلى جانب شركائها في الساحة الفلسطينية من جميع القوى».
واضح للجميع ان طريق حماس الى سوريا ستمر من ايران، لكن الطريق الى ايران، ليست فقط من باب المقاومة، بل ايضا من باب الموقف من الازمة السورية. والكل يعوّل على نجاح زيارة مشعل الى ايران كي يكون لها تأثيرها الايجابي في مصالحة مع دمشق. المطلعون على محادثات شلح ــــ مشعل، يؤكدون ان الأخير سمع كلاماً واضحاً حول ضرورة «المصالحة مع رأس النظام السوري». ويكشف هؤلاء ان مشعل تمنى على شلح ان يعمل، مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على «نقل رسالة خاصة الى الرئيس بشار الاسد». لا تنفي الحركة ذلك ولا تؤكده، لكنّ قيادياً بارزاً فيها يذكّر بـ «أننا لم نهاجم النظام السوري بتاتاً، بل قلنا نحن مع ارادة الشعب السوري من دون تدخل خارجي». ويضيف ان مشعل «التقى قبل مدة في قطر بعض رموز المعارضة السورية. وقال لهم إن الحل يجب ان يكون سياسياً، موضحا لهم من جديد ان النظام السوري وقف الى جانب حماس في وقت تخلت عنها الدول العربية».

القسام: رصاصنا وسلاحنا ومالنا إيراني

برغم نفي مسؤولي حماس أن يكون موقفها من الازمة السورية قد تسبّب في خلاف داخلها، إلا أن الخلاف على ارض الواقع حقيقي. فقد حرصت كتائب عز الدين القسام، منذ بدء الازمة السورية، على رفض مهاجمة النظام في سوريا، وشدّدت على البحث عن مخرج سياسي للازمة السورية. «أبناء القسام»، في غزة وخارجها، يعرفون دمشق جيداً. لا ينسى هؤلاء الترتيبات التي كانوا يحظون بها لدى زيارتهم سوريا: ممر خاص في المطار، مواكب خاصة تنتظرهم على مدرج المطار. تسهيلات وشقق خاصة في العاصمة السورية، مراكز تدريب وتصنيع، تسهيلات لانتقال الكوادر منهم الى ايران للمشاركة في دورات تدريب. هؤلاء يقولون اليوم: «بعد محاصرة القطاع من قبل السلطات المصرية انقطعت زيارة القساميين الى طهران، لكن الحصار لم يمنع من تهريب السلاح اليه». وقد نجحت «كتائب القسام» في حفظ خط تواصل خاص بها مع ايران، من خلال قادة بارزين، يتقدمهم محمود الزهار. يؤكد هؤلاء: «نحن لم نخرج من محور المقاومة لنعود اليه، ودعم ايران لحماس وللقطاع المحاصر لم يعد محصوراً بالجانب العسكري فقط، اذ عادت الجمهورية الاسلامية الى دعم حكومة اسماعيل هنية بالمال، بعد توقف لفترة معينة، بسبب ابتعاد حماس في موقفها السياسي، اضافة الى بعض الصعوبات اللوجستية على معبر رفح، اذ إن السلطات المصرية صادرت في مرات سابقة اموالاً تعود إلى الحركة».
قبل مدة، زار القيادي الحمساوي محمد نصر طهران، وعاد محملاً بالمال لكتائب القسام. استمع نصر الى تعهدات ايرانية بعدم وقف المساعدات المالية او العسكرية لكتائب القسام، وبأن ايران لن تتدخل في خيارات حماس السياسية، لكنه حمل، أيضاً، نصيحة: «على الحركة ألا تتصرف بعقلية دولة لانها، ببساطة، حركة تحرير غير ملزمة باستراتيجيات دول».

حماس وحزب الله

اذا كانت العلاقة مع ايران جيدة، فذلك يعني ان علاقة حماس مع حزب الله جيدة هي الاخرى، والعكس صحيح. في لبنان، وبرغم الخلاف حول الملف السوري بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، الا ان التواصل بينهما لم ينقطع، وخصوصاً من الناحية العسكرية. في بيروت لا تزال مكاتب حماس موجودة في الضاحية. قادة في الحزب يؤكدون انهم لا يستطيعون التخلي عن حماس: «في النهاية، جميعنا يعمل تحت راية فلسطين، وحماس تبقى حركة مقاومة». «ما يجمعنا مع حماس اكثر مما يفرقنا»، على الرغم من الخلاف حول الملف السوري. بالطبع، لن ينتقل مشعل من الدوحة الى بيروت للاقامة فيها، كما اقترح البعض، لأن «الخلافات السياسية اللبنانية لا تتحمل وجود المكتب السياسي للحركة فوق اراضيها»، لكن العاصمة اللبنانية، وضاحيتها الجنوبية، ستشهدان زيارات كثيرة لـ «أبو الوليد» في الفترة المقبلة.







«الإخوان» ليست عباءة لنخلعها أو نلبسها

ومع استحضار كلام الرئيس السوري بشار الأسد عن اشتراطه خلع حماس عباءة «الإخوان المسلمين» لقبولها مجدّداً، يقول الزهار إنّ «الإخوان المسلمون ليست حزباً له مبادئ معينة كالحزب الشيوعي أو العلماني. مبادئها عامة تماماً كالإسلام، ونحن نلتزمها، لذا هذا الأمر ليس مرتبطاً بعباءة تلبس أو تُخلع». ويضيف، في حديثه مع «الأخبار»، «خرجنا من سوريا لأن جلوسنا هناك كان يحمل أخطاراً امنية كبيرة. الوضع كان يمهّد لحدوث اختراقات واغتيالات إسرائيلية، وتتورط كلُّ من سوريا وحماس فيها، وهما لا شأن لهما بها، لذا اختارت «الجهاد الإسلامي» الخروج والتوجّه إلى لبنان.

مشعل و«علم الثورة»

في شأن رد الفعل على رفع خالد مشعل علم سوريا أيام الانتداب الفرنسي أثناء زيارته لغزّة عام 2012، فإن مستشار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية للشؤون الخارجية، باسم نعيم، يوضح عبر «الأخبار» أنّ «حادثة رفع خالد مشعل علم الثورة السورية عرضي... كنت هناك حينها حينما أعطى أحد الشباب مشعل مجموعة من الأعلام (حماس وفلسطين والثورة)، ولم تتح له وقتها فرصة التدقيق في الأعلام. لا يجوز تحميل الأمر أكثر مما يحتمل».

البردويل: علاقتنا مع حزب الله جيدة جداً

برغم أن الأزمة السورية أرخت بظلالها نسبيّاً على العلاقة بين حماس وحزب الله، إلا أنها لم تنزلق نحو ما انزلقت إليه العلاقة بين الحركة ودمشق، حتى إن البيان الذي أصدرته الحركة ودعت عبره حزب الله إلى سحب مقاتليه من القصير، قيل إنه لم يكن نابعاً من قرار حماس الداخلي بقدر ما كان استجابة لضغط من «الإخوان المسلمين». عولج الأمر حينها، وجرى تداركه. ويقول القيادي صلاح البردويل لـ«الأخبار»: «علاقتنا مع حزب الله جيدة جداً ولم تنقطّع البتة طيلة الفترة الماضية، بفعل الاحتكاك المباشر بين الحزب ومخيمات اللجوء الفلسطينية. نحن ننسّق على نحو دائم مع الحزب، ولسنا معنيين بالتوترات معه، كما أننا نستنكر كل حادثة تفجير في لبنان»، مؤكّداً أن «خطاب حزب الله السياسي يتقاطع مع خطاب حماس بخصوص المقاومة، فيما التباين في الرؤى يتجّلى في الأزمة السورية، لكن هذا التباين لا يمهّد لأي إشكاليات أو أزمات حقيقية بين الطرفين».
أما سورياً، فيقول البردويل: «صحيح أن حماس استنكرت في بعض اللحظات بعض المذابح والمجازر في سوريا، لكنها لم تمرّ بأي حالة انحياز الى جهة على حساب أخرى، فهي نأت بنفسها وأرادت أن تحفظ علاقتها مع النظام السوري، حتى إننا دعونا كثيراً المسلحين والمقاتلين في مخيم اليرموك إلى الانسحاب منه». ويتساءل باستنكار: «هل تنكرّت حماس للنظام أو هاجمته أو أعلنت الحرب ضده، لكن في الوقت ذاته هل المطلوب منّا أن ننصّب مدافعنا ضد المعارضة السورية؟! القضية السورية أعقد بكثير من أن تحلها حماس، فهي لا تحتاج إلى قمة عربية، بل إلى همّة عربية. هذه حرب لا نهاية لها».

عروبة عثمان

يمكنكم متابعة عروبة عثمان عبر تويتر | @OroubaAyyoubOth