يروي سياسي عارف أنه قبل اسابيع قليلة، كان أحد النواب المكلفين «تاريخياً» بمهاجمة ميشال عون، يستضيف حلقة من أصدقائه في منزله. فجأة استأذن للرد على اتصال ضروري على هاتفه الخلوي. إنتحى جانباً دقائق قليلة، قبل أن يعود شخصاً آخر. سحنة قاتمة ووجه أسود وذهن شارد ومضيف حاضر غائب... حتى فرطت السهرة وانتهت الجَمْعة قسراً. بعد وقت قليل أدرك الأصحاب أن السبب لم يكن غير مصدر الاتصال الخارجي ومضمونه: من الآن فصاعداً ممنوع تناول عون بأي كلمة.
حتى في الملف الوزاري التقني الذي يعتبر النائب نفسه من المتخصصين فيه، وحتى إذا فتح وزير جديد، خلف لوزير عوني، النار على الرابية في موضوع وزارته وسلفه، تلتزم أنت الصمت المطلق والمطبق...
في مكان آخر بعيد عن منزل النائب المقصود، يروي أحد زاعمي المعرفة ببعض بنوايا سمير جعجع وخفايا «خبطته» الأخيرة، أن الرجل يتعاطى جدياً مع مسألة ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية. يشرح الزاعم، أن الأمر ليس كما خُيّل للبعض أو كما أحبّ آخرون تسخيفه أو أبلسته. فترشيح جعجع ليس لإحراق ورقة ميشال عون، وحشره في خانة مرشح 8 آذار، مقابل احتلال جعجع لخانة مرشح 14. ومبادرة جعجع في هذا المجال لا تهدف إلى مجرد الإتيان برئيس وسطي يكون وريثاً غير شرعي على حساب الرجلين، تماماً كما فعل جعجع يوم قرر أن يكون الطائف السوري وريثاً للقوات اللبنانية وللجيش اللبناني سنة 1990. أو كما قرر أن يكون الفراغ النيابي بقرار سني ــــ شيعي مشترك، وريثاً للطرحين المسيحيين عبر القانون الأرثوذكسي والنسبية معاً، يوم خرج عن إجماع بكركي سنة 2013. أكثر من ذلك، لا يهدف جعجع من وراء ترشيحه إلى مجرد حجز كلمة له في اختيار مرشح فريقه، أو حتى ليكون أحد الناخبين الكبار أو المتوسطين أو الصغار في تسمية الرئيس الجديد. ولا حتى الغرض من الترشيح مسألة بروفا أولى وأولية، بحيث يحفظ حقه لاستحقاق آت. فيسلّف حلفاءه ويعطيهم هذه المرة، في مقابل الأخذ منهم في المرة التالية... كل هذه النظريات غير دقيقة ولا صحيحة. جعجع مرشح للرئاسة، لأنه فعلياً مرشح للرئاسة. ولأن حظوظه ليست بقليلة. والأهم، ودائما وفق السياسي العارف الزاعم، أن جعجع مرشح لأنه تشاور مسبقاً في موضوع ترشيحه وفي مساره ومآله، مع جهات خارجية عدة، بينها جهات خليجية أساسية، وتحديداً مع جهات سعودية عليا.
بين النائب المكبوح والقائد القواتي الطموح، جاء كلام «الرياض» ليرمي معادلة ازدواجية على مفهوم الوضوح. الذين لا يرتاحون إلى السعودية ويناوئونها في كل خطاب وفعل، اعتبروا أن ما صدر في الصحيفة السعودية قبل يومين حول موضوع الرئاسة اللبنانية، كشف ما يعتبرونه الطبخة السعودية. ومفادها استدراج الجميع، وخصوصاً المسيحيين في لبنان، إلى عملية مناقصة رئاسية تنقلهم كلهم مع ما تبقّى من رعاتهم الخارجيين، إلى الحضن السعودي. أي أن الهدف، بحسب خصوم الرياض، هو مجرد عملية «بلف» وتزحيط وخدعة مكشوفة، كل الغرض منها عزل حزب الله، لا غير. ويستشهد هؤلاء على صحة رأيهم بالأسلوب السعودي المعروف، فضلاً عن وقائع يقولون إنها دامغة. يسألون مثلاً: اين هو السفير العسيري؟ لماذا لا يعود إلى بيروت إذا كانت النيات السعودية بهذه الإيجابية؟ لا بل لماذا «يحرتق» على حركة دايفيد هيل الإيجابية عند كل خطوة ومحطة؟ هذا كي لا نعود إلى فتح ملف دوره ومهماته في باكستان. ثم لماذا لا توجه الدعوة إلى عون لزيارة الرياض، بدل استدراجه بتكتيكات إعلامية معروفة ومكشوفة، ليطلب هو الزيارة، فيتم إغراقه وإغراقها بعد الطلب، بسلسلة زيارات ودعوات إلى جميع المرشحين الموارنة. كي تستعيد الرياض ربما دور أبو جمال السيئ الذكر، في امتحان الرئيس الماروني من خلف مكتب الوصي السوري. حتى سعود الفيصل لم يهنئ نظيره الجديد... الباقي تفاصيل سطحية، من عدة الشغل. أما الأساس فهو ما كتبته «الرياض» نفسها، لجهة وضع دفتر شروط على عون ــــ كما على سواه ــــ ودفعه ودفعهم كلهم إلى دخول نفق الترشيح الرئاسي، عبر تقديم التنازلات وأوراق الاعتماد التي تبدأ ولا تنتهي. ويقرأ أصحاب هذا الرأي في دفتر الشروط السعودي الأخير «أن يكون رئيساً لكل اللبنانيين بدلاً من تحالفه مع حزب الله». إنه المدخل. والمدخل المذكور يقتضي جهداً استثنائياً لتعويض ما فات وقائم، لأن «عون سجله لا يقل سوءاً عن غيره».
وبعد الإشارة الخبيثة إلى علاقة لبنان بكل من سوريا واسرائيل والفلسطينيين، يأتي البند الآخر الملازم في دفتر الشروط: «هل يكون عون الرئاسة المرحلية الناجحة، أو يضيف اضطراباً جديداً لبلد ظل وضعه حرجاً وأحياناً عاصفاً؟». يبقى البند الأهم في دفتر الشروط أن سلاح حزب الله يستدعي وجود سلاح سني. والسلاحان سينزلقان إلى حرب أهلية. «وهذا قد لا يغيب عن عون أو أي رئيس قادم عليه أن يعرف كيف يسير في متاهة بلد غير مستقر»!
هل فهمتم؟ يسأل مناوئو السعودية والناظرون إلى موقفها بخبث. يوحون بوعدٍ رئاسي هنا، وينسقون ترشيحاً آخر مباشرة هناك، ويدفعون 3 مليارات دولار لدعم شبه ترشيح هنالك، ويستقبلون بعض الموظفين ليودعوهم مشاريع رؤساء وقادة من جهة رابعة... فيما ورقتهم الفعلية مستورة. علماً أن تلك الورقة مرتبطة باتفاق سعودي ــــ إيراني موهوم الآن، ويحتاج إلى رعاية أميركية ــــ روسية ــــ أوروبية، مستحيلة راهناً. كل الباقي مناورة.
لا صحة لكل هذا الكلام، يقول أصدقاء السعودية في بيروت. ولا لزوم لتفنيد كل ما يقوله المشكّكون. فالأيام المقبلة ستظهر الحقائق. حول الموقف من عون، ومن الرئاسة، ومن لبنان. فالخبر بكرا ببلاش، حتى ولو كان سعودياً!

يمكنكم متابعة جان عزيز عبر تويتر | @JeanAziz1