منذ اليوم الأول لدخول حزب الله في المعركة الكاملة في سوريا، تصرفت المقاومة وفق ما أعلنه قائدها السيد حسن نصر الله، أن الخطر الداهم من الشرق لا يقل عن الخطر الداهم من الجنوب. وهذا يكفي لأن تضع قيادة المقاومة إمكاناتها كافة في خدمة المعركة. وحصل، أن استخدم مقاتلو الحزب عدداً من الأسلحة والتكتيكات التي كانت طيّ الكتمان حتى بين قواعد الحزب. وبالتالي، قرر الحزب توظيف كامل خبرته في هذه المعركة. ومن ضمن ذلك، لا في مقدمها، تجربته الهائلة في الحرب الإعلامية والنفسية ضد العدو.
طريقة عمل المقاومة، تجعل الإعلام العام، كما الإعلام الحربي ذا دور مباشر. وهو ما فتح الباب أمام آليات من التعاون مع قيادة الجيش السوري لتظهير نتائج المواجهات بما يفيد، ليس فقط على صعيد الجمهور الذي كان يترقب نجاحات بعدما عززت المجموعات المسلحة نفوذها في مناطق كثيرة، بل كان يستهدف زرع فكرة راسخة في عقول عناصر المجموعات المسلحة، وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية أو العقائدية، بأن المعركة ستكون خاسرة، وأن قدرات الجيش السوري وقدرات المقاومة اللبنانية، لا تتصل فقط بتفوق ناري، بل بنوعية الخطط وطبيعة التكتيكات ومعنويات المقاتلين والجنود. وكانت هذه المعركة تتطلب دوراً مفصلياً للكاميرا.
بعد قرار دخول القصير، انطلقت أوسع عملية إعلامية نجحت في تحقيق اختراقات كبيرة في عقول المسلحين. لا بل إن عمليات عسكرية أخرى نجحت بفضل عوامل كثيرة، من بينها الاهتزاز الكبير لدى قواعد المسلحين، بفعل نتائج الحرب النفسية التي كانت تشن من خلال طريقة تغطية المعارك، سواء بالبث الحي، أو التقارير الإخبارية، أو تقارير المراسلين، التي ركزت على تقديم صورة حقيقية وواقعية (برغم قساوتها أحياناً) لكن، بما يمنع على قيادات المجموعات المسلحة أي محاولة للتلفيق، وخصوصاً عند المقاتلين الذين كانوا يعرفون أن ما يعرض هو صحيح. وترافق ذلك مع تراجع تأثير منظومة الإعلام الخادع الذي قادته «الجزيرة» و«العربية» وقنوات أخرى عربية وأجنبية.
ظل الأمر يحقق تقدماً كبيراً، وصولاً إلى معركة يبرود الأخيرة، حيث أدت الحرب النفسية دوراً حاسماً في الانتصار السريع، ومكّنت الجيش السوري ومقاتلي المقاومة من الوصول إلى الأهداف بأقل الخسائر في صفوفهم ودون تعريض المناطق المستهدفة لدمار كبير. وكانت المعركة الإعلامية ـــ النفسية، تترجم عملاً أمنياً واستخبارياً جباراً، جعل كل مقاتل في الجهة المقابلة، يتصرف على أنه مهزوم حتماً. فكان قرار هؤلاء، إما الهروب والانسحاب، أو الدخول في تسويات، أو الموت!
بعد يبرود، طرأ عنصر مقلق، تمثل في قرار اتخذته جهات سورية عليا تشرف على الملف الإعلامي، بمنع التغطية المباشرة والإعلامية الميدانية دون الخضوع لإرادتها ولخطتها. وقدمت ذرائع باهتة، لا يمكنها أن تغطي على فشل الإعلام الرسمي السوري في مواكبة الأحداث بطريقة مهنية وعصرية وواقعية، وبعيداً عن الشعارات التي لم يعد لها من مكان في الحروب الحديثة.
ولذلك، بدأت النتائج السلبية لهذا القرار بالانعكاس، من يوم الدخول إلى فليطا وراس المعرة إلى بقية المناطق في القلمون، وكذلك مع طريقة التغطية الرتيبة والمتأخرة لعملية تحرير رنكوس على أيدي الجيش والمقاومة.
ثمة مشكلة حقيقية، تحتاج إلى عقل وقرار!