لا سبب لاحتفال المرأة في لبنان بنصرٍ هذا العام، أو في أعوام سبقته. ليس لأن لبنان يتخلّف عن بلدان تجاوره وتفوقه في تطبيق أنظمة سياسيّة وثقافيّة من العنصريّة الذكوريّة. لا، قد يجوز القول إن لبنان سبق بعض الأنظمة العربيّة في تطبيق بعض الإصلاحات المتعلّقة بوضع المرأة، لكنه تخلّف عن بعض الأنظمة في تطبيق إصلاحات أخرى.
لكن لبنان عانى ويعاني أكثر من غيره من فهم مقلوب عن تحرّر المرأة استقاه من مجلاّت فنيّة واجتماعيّة غربيّة ومن أفلام الـ«بورنو». وعليه، تصبح جاكي شمعون رمزاً لتحرّر المرأة (وعريها ليس جريمة، لكنه لا يجب أن يكون بطولة)، ويصبح تيّار موال لآل سعود في لبنان نصيراً اسميّاً لتحرر المرأة في لبنان، وتصبح حركة رجعيّة يمينيّة (القوّات اللبنانيّة) نصيرة مزيّفة للتحرّر. وهناك في لبنان مَن سوّق لمجلّة إباحيّة توزّع في دول الخليج على انها أنموذج لما تكون عليه حريّة المرأة فقط لأن جسد المرأة يدخل في عمليّة التسليع، أي إن الترويج لتسليع المرأة هو ذروة التحرّر. محطة «إل. بي. سي» ابتكرت نسقاً لحريّة زائفة للمرأة تكمن في تسليع جسدها وعرضها على الشاشة لجذب المشاهدين والمعلنين ولتسلية أمراء وشيوخ النفط. هذه المحطة ابتدعت مسابقة «جمال البدينات» - لمدّ وسائل التواصل الاجتماعي بمواد للسخرية والاستهزاء منهنّ - فيما هي لا تقدّم نماذج توحي بفهم متقدّم لدور المرأة الإعلامي في تقديم الأخبار أو الطقس أو الحزازير (أو «الفوازير» باللهجة المصريّة). كان حريّاً بالمحطة لو كانت جديّة - كما كتبت سناء خوري على «فايسبوك» هذا الأسبوع - أن تترجم فهمها المتقدّم لدور المرأة في انتقاء المذيعات على الشاشة وفي تقديد أنموذج بديل من تقاليدها هي في تقديم وعرض المرأة على الشاشة. محطة «إل. بي. سي» نشرت خبراً هذا الأسبوع عن خطف رجال من قبل نساء في الهند: هذا ما يمرّ كأخبار الطرائف في إعلام الذكوريّة وتسليع المرأة، كما تمرّ أخبار قتل النساء من قبل الرجال مرور الكرام فيما يحظى خبر نادر عن قتل امرأة لرجل بتغطية كثيفة.
تلاحقت مواضيع تتعلّق بالمرأة في الأسابيع الماضية: تتوالى حوادث قتل النساء (بمعدّل امرأة في كل أسبوع فيما المعدّل في أميركا هو 23 امرأة في كل أسبوع مع فارق الحجم السكّاني) والمحطات اللبنانيّة تتعامل مع الحدث من منطلق التعاطف الإنساني الذي لا يقدّم ولا يؤخّر، من دون الضغط باتجاه تغيير في القوانين وفي المفاهيم وفي تحدّي تقاليد بعضها ديني وبعضها وثني المنشأ وبعضها مستورد من هيئة كبار العلماء في الرياض التي ترعى رئيس جمهوريّة لبنان بحبها وحنانها وبمال النظام السعودي. وفي الأسبوع الماضي بثّت موظّفة يظهر فيها محافظ بيروت والشمال (غير الممتاز) - محافظة واحدة لا تكفيه - وهو يلمّح إلى تعبير عن رغبة جنسيّة له كان قد فاتح بها الضحيّة من قبل، وهي أرادت أن تستدرجه لتكرار التعبير عن رغبته أمام الكاميرا. سارع المحافظ المحمي من جهات سياسيّة نافذة، مثل كل التعيينات في مسخ الوطن، إلى الردّ وتصوير نفسه على أنه ضحيّة.
هل سيقوم محقّق
بمعاينة جسد المرأة للتيقّن من حصول «فعل الزنا»؟


كاد المحافظ أن يقول
إن على نساء لبنان أن يوقفن التحرّش به
لم يبد المحافظ لا في أدائه على «الواقف» ولا في كلامه عن التذكير بما كان قد أفصح عنه من قبل للموظّفة المعنيّة على أنه ضحيّة بتاتاً. لكنه سارع في اليوم التالي إلى بثّ شريط على يوتيوب، ولم يكتف بذلك بل أعلن أنه استقبل وفوداً شعبيّة ولجاناً من «المتجمع المدني» (تعلّمنا من درس طرابلس أن «المجتمع المدني» يمكن أن يكون أسوأ من العصابات المسلّحة في كثير من الأحيان) لمناصرته (في ماذا)؟ كاد المحافظ أن يقول إن على نساء لبنان أن يوقفن التحرّش به لأن جسده الغضّ لم يعد يتحمّل. لكن المُلفت في الموضوع أنه تبيّن أن القانون اللبناني يخلو من قوانين بشأن «المضايقة الجنسيّة». قامت أستاذة قانون في جامعة ميتشيغان، كاثرين مكنن، وهي من أبرز المفكرّات النسويّات هنا، بوضع بنود وصياغة مفهوم «المضايقة الجنسيّة» والتي تشمل أكثر من حوادث «التحرّش الجنسي» لأنها تطال أيضاً ما يُسمّى قانوناً هنا بـ«خلق مناخ عدائي في حقل العمل»، وهذا يُعتبر مخالفاً للقانون. لو طُبق هذا القانون على كواليس المحطات التلفزيونيّة في لبنان لتعرّض أكثر من مسؤول أو مدير إعلامي إلى الملاحقة القانونيّة والسجن. ورجال السياسة ليسوا في منأى عن ذلك، وكان غسان سعود قد نشر من قبل في هذه الجريدة مقالة جريئة عن التحرّشات والمضايقات التي تتعرّض لها صحافيّات عاملات من قبل بعض نوّاب الأمة - وبين هؤلاء، أي المعتدين أو المذنبين، من يزهو بزبيبة صلاته.
أما نعيم قاسم فقد ذكّرنا مرّة أخرى أن ما يجمع الحزب مع كثيرين من اليساريّين والتقدميّين يتعلّق فقط بمقاومة العدوّ الإسرائيلي إذ أنه جزم أن الدفاع عن المرأة يكون في الدفاع عن «عفافها» (كم أن مفهوم «عفاف المرأة» هو من موروثات العصور المختلّفة التي تنوء المرأة تحت وطأتها يوميّاً في بلادنا). وأضاف أن «عفّة المرأة» هو أساس الدفاع عن المرأة. إنّ هذا التعريف الممسوخ والمشوّه للنسويّة هو بمثابة نسويّة معاداة حقوق المرأة من قبل الرجل والنظام الذكوري، الذي يدافع عنه نعيم قاسم. إن تحرّر المرأة الحقيقي يكون عبر التخلّص من كل مفاهيم وقيم ومصطلحات العرض والشرف والناموس والعفاف والعذريّة والطهارة. لكن، لنصل إلى موضوع التشريع اللبناني عن المرأة.
أفتى نبيه برّي قبل أسبوع أنّ المجلس لا يشرّع «تحت الضغط». لكن الضغط على المجلس التشريعي من أصول العمل الديمقراطي. ومنظمات الضغط هي أساس من عناصر الحياة السياسيّة الديمقراطيّة في دول الغرب. على العكس إن الحركات النسائيّة في لبنان، وقد تسلّلت إليها دخيلات من منظمات حريريّة و14 آذاريّة وهيئات طائفيّة، مطالبة بمزيد من الضغط على المجلس النيابي اللبناني.
من المسؤول عن سنّ هذا القانون المُعيب عن «العنف الأسري»؟ هناك كاتب في مواقع حريريّة وفي جريدة الأمير خالد بن سلطان توصّل إلى نتيجة لا شك عنده فيها: النائب علي عمّار (ولنا عودة إليه) هو وحده المسؤول عن هذا القانون. لولا علي عمّار، حسب منطق الكاتب، لكانت المرأة قد تحرّرت في لبنان. كاد الكاتب المذكور أن يحمّل سلاح المقاومة مسؤوليّة تمرير هذا القانون الناقص (إلا من النواقص). وحده علي عمّار هو المسؤول. وأضاف الكاتب ما معناه أن الدين الإسلامي هو الذي أجحف بحق المرأة فيما الدين المسيحي هو الذي أنصفها. لكن ماذا يفعل صاحبنا بدونيّة المرأة والعنف ضدّها ليس فقط في المجتمعات الغربيّة بل أيضاً في المجتمعات المسيحيّة في أميركا اللاتينيّة؟ لكن مهلاً، قد يحمّل الكاتب المسؤوليّة لتسليع المرأة في البرازيل إلى خلايا سريّة لحزب الله.
لكن ما علاقة علي عمّار بالأمر؟ علي عمّار كان النائب الوحيد الذي تجرأ على الحديث أثناء المناقشة الصوريّة لقانون «العنف الأسري» (مع أنه ألمح من قبل أن أوامر حزبيّة قد أتت إليه كي يلتزم الصمت الحكيم في مجلس النواب). هو سخر من المرأة ومن قضيّة ضرب المرأة وطلع بنكات سمجة عن هذا الموضوع. لكن أليس هذا هو النائب الذي طالب يوماً نائباً آخر بتطهير «نيعه» قبل التحدّث عن موضوع حزب الله؟ ولما لا يلتزم عمّار بنصيحته هو كي يطهّر فاه قبل التحدّث عن موضع ضرب واغتصاب المرأة؟ ليعلم عمّار أن هناك مقدّسات لا يجوز السخرية منها أو الاستهزاء بها، مثل موضوع شهداء مقاومة العدوّ أو نكبة فلسطين أو ضرب واغتصاب المرأة. لن تكون أي نكتة عن تلك المواضيع إلا سمجة. قال أدورنو بعد الحرب العالميّة الثانيّة: «لا شعر بعد أوشفيتز»، وعلى عمّار أن يلتزم بمقولة لا سخرية من قهر واغتصاب المرأة بعد اليوم.
لقد نسف المجلس النيابي اللبناني الأسس التي تُسنّ من أجلها قوانين تجريم ضرب واغتصاب النساء عندما ساوى بين معاناة فعليّة للمرأة وبين معاناة متخيّلة (أو نظريّة) للرجل. إن الإصرار على التساوي في القانون هو تكريس فعلي لعدم المساواة بين الجنسيْن لأن معاناة النساء من الضرب والاغتصاب والاعتداء ناتجة من فكر وممارسة عدم المساواة. إن ديناميكيّة النوع نفسه بين الرجل والمرأة، أو فرض الموازاة، ليست متساوية حكماً. إن إطلاق اسم «العنف الأسري» كان للتشديد على رفض مجلس الذكوريّة النيابي على رفض تخصيص المرأة بالحماية، وهذا التخصيص هو أساس لكل تشريع نسوي في العصر الحديث.
ونزعات الرجعيّة الدينيّة كانت واضحة في لغة القانون الجديد، الذي ينتمي لقرون مضت أكثر مما ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين. وهو يعاقب من يحضّ ذكراً أو أنثى على «الفجور والفساد». لكن مفهوم «الفجور» هو مثل مفهوم «الفاحشة» يُطبّق على أفعال غير محدّدة من قبل النساء. والفجور، كما وردت الكلمة في «لسان العرب» هي كلمة مطاطة غير محدّدة، ويمكن لعموميّتها أن تسمح للدولة (التي باتت في هذا القانون أقرب إلى الدولة الدينيّة الحريصة على تطبيق الأخلاق بالمعنى الديني المُتزمّت) بأن تعاقب المرأة عما يراه الرجل فيها من سلوك يحيد عن طاعة الرجل. وماذا عن الفساد؟ أما كان على الدولة أن تلاحق الفساد من رأسها حتى أخمص قدميها قبل ان تعتبر ملاحقة الفساد في العائلة؟ ومن يعرّف الفساد في العائلة؟ هل هو رجل الدين الذي يحدّد أيضاً مكامن «الفجور»؟ وهل أن تقيؤ الخطاب الصهيوني ضد المقاومة هو أقلّ من الفجور بعينه؟
ويقرن القانون القبيح بين عقوبة الفجور وبين عقوبة الدعارة في قانون كان يرمي إلى وقف العنف والاغتصاب الزوجي ضد المرأة. ما علاقة «الدعارة السريّة» بالموضوع، وكيف يعرّفها؟ إن ممارسة الفتاة او المرأة للجنس من خارج الزواج هو دعارة بتعريف الأخلاق الدينيّة، وهل يعني هذا أن قوى من الدرك ستقتفي آثار مملكة القهر السعوديّة في سلوك شرطة آل سعود الدينيّة؟ والقانون اللبناني الجديد لا يرفض تجريم الزنا وإن كان من المشكوك فيه ان تطبّق العقوبة على رجال السياسة في البلد (هذا أيضاً تقليد للعقوبات الأخلاقيّة في السعوديّة إذ لا تُطبّق إلا على الفقراء والعمّال الوافدين). لكن قانون العقوبات اللبناني في تعديله لا يلاحق «فعل الزنا» إلا بشكوى أحد الزوجين. لكن ما على الزوج أن يقدّم في تلك الحالة؟ صوراً وشرائط فيديو من «فعل الزنا» للزوجة؟ وهل سيقوم محقّق قضائي بمعاينة جسد المرأة للتيقّن من حصول «فعل الزنا»؟ وكيف تكون دولة مدنيّة حديثة معنيّة بمعاقبة «فعل الزنا» بين زوجين؟ ما هي صفتها للتدخّل؟ هل تكون الدولة (ومن مفارقتها ان رئيسها اليوم هو ميشال سليمان للدلالة) هي الوصيّة على الأخلاق العامّة تتدخّل في المخادع للتأكّد من الالتزام بأخلاقيّات الدين (او بأخلاقيّات المذهبيْن السنّي والشيعي لأن هذا القانون خضع لتعديل ومماطلة بسبب التحالف الخفي بين ممثّلي فريق الطائفيّة السنيّة (تيّار الحريري) وبين فريق الطائفيّة الشيعيّة (حزب الله وحركة أمل) لتعديل مشروع النص المقدّم من قبل.
لكن أخطر ما في هذا القانون المشين هو الاعتراف بحق الزوج في اغتصاب الزوجة: «من أقدم بقصد استيفائه للحقوق الزوجية في الجماع أو بسببه على ضرب زوجه إو إيذائها» إلخ، فإنه يتعرّض للعقوبة. كان الشرع الإسلامي متقدّماً منذ زمن نزول القرآن على التشريع المسيحي لأنه اعترف بحق وشرعيّة الرغبة الجنسيّة للمرأة (وحتى في ضرورة تلبيتها وإن بالغ في تصويرها خشية «الفتنة» بحد ذاتها): كان استمتاع المرأة بالجنس في الكنيسة عبر القرون من المحرّمات ويستوجب عقوبة صارمة (بعض من الملايين من النساء - العدد يبقى غير معروف - اللواتي أحرقن كساحرات عوقبن بتهمة الاستمتاع بالجنس). الإسلام يعترف برغبة المرأة الجنسيّة ويقرّ أن تلبيتها (في الزواج غير المُتعدّد لها هي، على عكس الرجل) هي من حقوقها الزوجيّة، وإن كان قد قبل بمبدأ معاقبة الزوجة لنشوزها من خلال «هجر المضاجع».
لكن التشريع اللبناني بات يخلط المدني بالديني. إن عقوبة الاغتصاب وضرب المرأة - والمشرّعون الذكور والنساء في المجلس النيابي اللبناني لم يميّزوا بين ضرب الفرد وبين ضرب المرأة - يجب أن تكون متعلّقة بتشريع خاص بالمرأة والجرائم ضدها. إن القانون الأميركي مثلاً يفرد قسماً خاصّاً بما يسمّيه بـ«جرائم الكراهية» التي تستهدف فرداً بسبب عضويّته في عرق أو إثنيّة أو العنصر النسائي لأن هناك تاريخاً طويلاً من الجرائم ضد تلك الجماعات. وعليه كان على المجلس النيابي الذي له من العلاقة بالنسويّة ما لدى ميشال سليمان من خبرة في مقاومة العدوّ الإسرائيلي، أن يفهم أن هناك قوانين يجب أن تسنّ لحماية المرأة كمرأة وليس كإنسان فقط، لأن جرائم الرجال ضد النساء هي جرائم موجّهة ضد النساء كنساء، وهي تبدأ من تشنيع المرأة (كم يستسهلون في لبنان استعمال كلمة «عاهرة» ومرادفاتها الكثيرة في اللهجة العاميّة) كمرأة إلى ضربها أيضاً كمرأة.
أساء المشرّعون اللبنانيّون (مَن منهم يستحق فعلاً لقب «مُشرّع» باستثناء جمال الجرّاح وعاصم قانصوه وأحمد فتفت ونديم الجميّل وعلي عسيران؟) إلى القصد من القانون عبر تمييع تطبيقه. وهذا ما عناه علي عمّار في سخريته الثقيلة الدم من القانون عندما ذكّر أن الرجل يحتاج لحماية هو الآخر. كان على أحد من الحضور أن يجيب عمّار بأن الرجل قد يحتاج لسن قوانين حماية عندما تتساوى نسبة جرائم الضرب والاغتصاب والاعتداء بين الرجال والنساء. عندها فقط يمكن ان نساوي في القانون. لكن التشريع اللبناني الذي يستعمل عادة لغة المذكّر، وكأن المرأة مُغيّبة، استفاق فجأة في هذا القانون فقط لضرورة الإشارة إلى الذكر والأنثى في استهتار مقصود لحقوق المرأة كمرأة. يحتاج علي عمّار وزملاؤه إلى حضور قسري لجلسات ابتدائيّة في طبيعة وتاريخ وحاضر الجرائم ضد النساء.
وصيغة القانون تستعير من التشريع الإسلامي الذكوري والمسيحي التقليدي فكرة «استيفاء الزوج للحقوق الزوجيّة في الجماع». هذه الجملة بحدّ ذاتها تكرّس حق الرجل في اغتصاب الزوجة (لم يخدع المجلس النيابي أحداً في نسق تشريعه عن المرأة عندما حاول أن يوحي أنه لا يميّز بين جنس المُغتصب وجنس الضحيّة لأن الاغتصاب قلّما يحدث على يد نساء ضد الرجال - هناك حالات اغتصاب لرجال من قبل رجال آخرين). ثم ماذا يعني حق الرجل في الجماع؟ هل هذا يعني أن على المرأة أن تلبّي حاجة أو رغبة الرجل حتى لو تمنّعت بسبب المرض أو حالة الحمل او النفور من الزوج أو لأي سبب آخر يختص بها؟
إن تشريع تجريم الاغتصاب الزوجي حديث في الدول الغربيّة. تأخّرت المجتمعات، كل المجتمعات، في الاعتراف بحالة «الاغتصاب الزوجي». وعبارة «الاغتصاب الزوجي» (وهي مصطلح غربي ليبرالي غير نسوي) عبارة مغلوطة لأنها تحمل تخفيفاً من الاغتصاب. الاغتصاب هو اغتصاب بصرف النظر عن علاقة المُغتصب بالضحيّة. لا علاقة لتلك العلاقة بطبيعة الجريمة، أو هكذا يجب أن تكون. إن هذه العبارة مثل ما يُسمّى في أميركا بـ«اغتصاب اللقاء بين رجل وامرأة»، كأن يحدث الاغتصاب بعد لقاء على عشاء أو مشاهدة فيلم. إن إلحاق نعت بكلمة اغتصاب يؤدّي إلى تصنيف أنواع مختلفة من الاغتصاب بدرجات تراتبيّة وكأن هناك حالات من الاغتصاب المُحبّب خلافاً لحالات الاغتصاب المنبوذ، وأن العقوبة تختلف باختلاف العلاقة بين المُعتدي والضحيّة. لا يجب أن يفرّق التشريع بين حالات مختلفة من الاغتصاب، لكن القانون اللبناني فعل ذلك وسمح للزوج باغتصاب زوجته، واعتبر ذلك من حقوقه كزوج.
إن الإنجاز الوحيد لتشريع المجلس النيابي هو في تحريم ضرب المرأة أو إيذائها أثناء الاغتصاب. ولا نعلم لماذا ألحق كلمة إيذاء بكلمة ضرب، إلا إذا قصد (كما يرد في بعض المذاهب) أن ضرب المرأة من دون ترك ندوب ورضوض مسموح. إن المجلس النيابي اللبناني أراد أن يرسل رسالة قويّة: أنه لا يسمح باستعمال العصا أو الأدوات الحادّة أثناء عمليّة «الاغتصاب الزوجي» المسموحة في القانون اللبناني. يمكن للمُغتصب أن يغتصب زوجته لكن برفق ومع ترك عدد قليل من الجروح والندوب. والعقليّة الذكوريّة المتخلّفة لرجال ونساء المجلس النيابي تنسى أن ربط عمليّة «استيفاء الحق الزوج بالجماع» مع الضرب أو الإيذاء انه فصل بين العمليّتيْن. نسي المجلس النيابي أن الاغتصاب في حد ذاته هو عمل عنفي، من دون عصي ومن دون أدوات حادّة.
تسود العقليّة الذكوريّة البطريركيّة في المجتمع اللبناني والدولة في لبنان. والدولة في لبنان أكثر تخلّفاً من المجتمع في الكثير من الأحيان (على غير ما هو الوضع في عدد من البلدان) لأن الأحزاب الطائفيّة السائدة تستقي شرعيّتها السياسيّة من طائفيّتها، وطائفيّتها تتناغم مع التشريع الديني في كل طائفة ومع قانون الأحوال الشخصيّة لكل طائفة. إن الحل يكون بتحرير القانون اللبناني المدني من عبء الأحوال الشخصيّة للطوائف، ومن أخلاقيّات دينيّة ووثنيّة قديمة قدم العصر الحجري. تحتاج نساء لبنان ورجاله أيضاً إلى قانون مدني قسري (لا اختياري) ليرعى الأحوال الشخصيّة للمواطنين والمواطنات، ومن دون هذا المبدأ تكرّس الدولة منع المواطن من أن يكون مواطناً، كما كتب المفكّر القانوني الفذّ، إدمون ربّاط، في دراسته النقديّة المُبكّرة للقانون الدستوري اللبناني.
قبل سنتيْن أو أكثر من اغتيال الحريري، كنتُ في صدد إعداد دراسة عن المرأة والسياسة في لبنان. أجريْت مقابلتيْن مع نايلة معوّض وبهيّة الحريري، من جملة ما أجريْت من مقابلات. لاحظت أنهما أصرّتا في الحديث على الإعلان على عدم مناصرتهما للنسويّة وللكوتا النسائيّة وأن ليس هناك من تكتّل نسائي في المجلس النيابي بسبب النفور بين العدد القليل من النساء في المجلس (ثلاثة آنذاك). أذكر أنني أنهيت المقابلتيْن وقلت في سرّي: إذا كانت هذه نماذج النساء في المجلس النيابي اللبناني، فما بالك بالرجال؟ هل خالد الضاهر وعلي عمّار وجيلبيرت زوين وعماد الحوت يمثلون المرأة والرجل في لبنان خير تمثيل؟
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)