تحوّل مقتل الضابط الإسرائيلي الرفيع باروخ مزراحي، بالقرب من مدينة الخليل، إلى محطة كاشفة عن مدى تمسك حكومة بنيامين نتنياهو باستمرار المفاوضات مع السطة الفلسطينية، وإلى منصة استغلها المستوطنون وقادة يمينيون لتوجيه الانتقادات إلى الحكومة والدعوة إلى إيقاف المفاوضات والامتناع عن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
لو أن الظروف مختلفة، لربما تجاوز رد فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي ما شهدناه حتى الآن. لكن تحت ضغط عامل الوقت، حتى نهاية الشهر الجاري الموعد النهائي المفترض لجولات التفاوض الحالية، وبفعل الإصرار الأميركي على إنجاح مساعي تمديد المفاوضات، ونتيجة القلق ممّا قد يترتب على الاعلان عن فشل المفاوضات، اقتصر الموقف الإسرائيلي على بعض الاتهامات للسلطة الفلسطينية، وتأجيل جلسة اللقاء الذي كان مقرراً يوم أمس بين رئيسة الوفد الإسرائيلي تسيبي ليفني ونظيرها الفلسطيني صائب عريقات.
على وقع العملية القاسية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، حمّل نتنياهو السلطة الفلسطينية المسؤولية، معتبراً أن «الترجمة لكل هذا التحريض الذي تمارسه وقع أمس (أول من أمس)». وأضاف نتنياهو أن السلطة «تواصل تحريضها علينا طوال الوقت عبر وسائلها الإعلامية الرسمية، من خلال بثها للبرامج التي تنفي وجود دولة إسرائيل».
في غضون ذلك، توعّد وزير الدفاع موشي يعلون بالقبض على منفذي العملية، قائلاً إن جيشه لن يعرف الراحة قبل الوصول إليهم.
كذلك استغل قادة المستوطنين وقيادات يمينية أيضاً الحادثة، لتوجيه الانتقادات إلى السياسة التفاوضية التي تتبعها حكومة نتنياهو مع السلطة، ودعوا إلى وقف الاتصالات فوراً مع السلطة والامتناع عن إطلاق سراح الأسرى. ورأى رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية، ابي روئيه، أن الفلسطينيين «يستمدون القوة من التردد الإسرائيلي لتنفيذ عمليات قاتلة، بينما تجري حكومة إسرائيل هذه الأيام اتصالات مع الفلسطينيين فقط كي يوافقوا على الجلوس معها حول طاولة المفاوضات». ولفت إلى أنه في الوقت الذي نتخبط فيه في مسألة إطلاق سراح عشرات «القتلة» من دون أي مقابل، تشخص «التنظيمات الإرهابية» هذا الوهن وترفع رأسها محاولة إعادتنا إلى الأيام المظلمة التي كان المواطنون يخافون خلالها من مغادرة بيوتهم». في السياق نفسه، رأى رئيس المجلس الاقليمي «غوش عتصيون» دافيدي فريل أن العملية كانت «نتاجاً للوهن السياسي القومي».
وعلى الخلفية نفسها، رأى نائب وزير الدفاع داني دانون أنه «عندما يرفع «الإرهاب» رأسه، فإن آخر ما يجب القيام به هو التفكير في إرسال 430 «مخرباً» إلى الشوارع» ، في إشارة إلى عدد الأسرى المفترض أن يتم تحريرهم في مقابل صفقة تمديد المفاوضات، مهدداً بالاستقالة إذا ما قررت الحكومة الإفراج عن أسرى الـ48.
من جهته، دعا الرئيس السابق لحزب شاس وعضو الكنيست إيلي يشاي «من يسعى إلى الافراج عن القتلة على أمل تحقيق السلام الاستعداد لعمليات إضافية»، فيما وصف عضو الكنيست عن البيت اليهودي، نيسان سلوميانسكي، إطلاق سراح الفلسطينيين بأنه «يمنح حقنة تشجيع لكل مخرب محتمل».
من جهتها، نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية عن وفد الكنيست الذي التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، أمس، أنه استنكر عملية إطلاق النار التي وقعت بالقرب من الخليل، وتعهد بالحفاظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل، مديناً العملية و«كل عملية إرهابية أخرى». ونقل موقع «واللاه» عن عضو الكنيست نيتسان هوروفيتش، عن حزب ميرتس اليساري، أن عباس أكد أنه «في حال استمرار المفاوضات فعليها أن تتركز على القضايا الجوهرية وألا تكون محادثات من أجل المحادثات».
وكان الضابط باروخ مزراحي، في الشرطة الإسرائيلية، قتل جراء عملية استهدفته عندما كان مع عائلته شمال غرب الخليل، قبل يومين. وبحسب التقارير الاعلامية التي كشفت موقعه ودوره، بعد يومين من العملية، فإنه من سكان مستوطنة موديعين، وشغل منصب رئيس قسم التكنولوجيا في وحدة الاستخبارات في الشرطة، وأنه خدم في الوحدات الاستخبارية في الجيش مدة 25 عاماً في مناصب مختلفة، بلغ خلالها رتبة عقيد، من ضمنها منصب قيادي في وحدة 8200. وبحسب توصيف صحيفة «يديعوت أحرونوت»، مثّل مقتل مزراحي خسارة كبيرة. ولفتت إلى أن وحدة التكنولوجيا في شعبة الاستخبارات التابعة للشرطة كانت تعمل على جمع المعلومات التكنولوجية، من ضمنها التنصت ومتابعة الهواتف الخلوية.
وبحسب التقديرات الأولية، في جيش الاحتلال، تم تنفيذ العملية من قبل شخص واحد ببرودة أعصاب، من دون أي عائق، مع وجود شبهات تشير إلى مشاركة شخصين آخرين. ولفت موقع «واللاه» العبري الى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تواجه مصاعب في حل لغز «العمليات الانفرادية» التي ينفذها شخص مستقل من دون دعم من أي تنظيم معروف.
ورأت مصادر أمنية إسرائيلية أن عمليات كهذه يصعب على الجيش والشاباك إحباطها، لكون الجهاز الأمني يركز على جمع معلومات استخبارية عن التنظيمات المعروفة كحماس والجهاد الاسلامي، ولا ينشغل في ضبط شخص منفرد. وأضافت المصادر نفسها أنه على الرغم من قرار قائد المنطقة الوسطى، نيتسان ألون، محاصرة قرية ادنا المجاورة لمكان وقوع العملية، والانتقال من بيت إلى آخر لتفتيشها في محاولة للوصول إلى منفذ العملية، لم يتوصل الجيش ولو إلى طرف خيط يوصله إلى هوية المنفذ.