يرنّ هاتف أحد المسؤولين الكتائبيين المقربين من النائب سامي الجميل: «هنا مكتب الشيخ نديم (الجميل)، وهو يرغب في التحدث إليك». يأتي صوت نديم الودود لتحية الشاب ودعوته إلى زيارته ساعة يشاء. تتكرر المكالمة نفسها مع أكثر من مسؤول حزبي ومناطقي، بعضهم قطع «الشيخ» تواصله معهم منذ عودة ابن عمه سامي الى الكتائب؛ وبعضهم الآخر ممن يطمح الى التعرف إليهم واستقطابهم. يبلع المسؤولون ريقهم دهشة، فيأتيهم نديم بما يقطع أنفاسهم: دعوة الى منزل والده في بكفيا الذي أعاد فتح أبوابه للاستقبالات أيام السبت من كل أسبوع. هناك، يضيف النائب، «تتم مناقشة المستجدات السياسية بطريقة ديموقراطية وبإمكان الجميع الإدلاء برأيهم بحرية».
في «الأشرفية 2020» ــــ مشروع يساهم فيه نديم لإعادة تكوين الأشرفية عبر جعلها أنظف وأكثر أماناً وصداقة مع المشاة ــــ لا حاجة الى فتح المنازل، على عكس بكفيا. هناك لا تردع الظروف الأمنية نائب المنطقة عن مشاركة الأهالي يوماً صحياً في شارع مونو لاختبار ما يمكن أن تكون عليه منطقتهم بعد 6 أعوام. تتسابق فتيات عدة لالتقاط «سلفي» (selfie) مع نديم، فيسارع الى توسطهن لتسهيل التقاط الصورة. يلحقنه، فيما يتجه نحو شاب وفتاة يعصران الليمون ليلتقط بنفسه «سلفي» أخرى وينشرها مباشرة على الفايسبوك. يتابع سيره لتقبيل عجوز تصرخ من بعيد: «اللي خلّف ما مات، الله يحمي شبابك يا شيخ». فيما يحرص أربعيني على تقبيل جبينه وتربيت كتفه، مشيداً بـ«رجوليته وقناعاته» التي لا يحيد عنها، ولو كلفه ذلك التمرّد على حزبه: «هيك بدنا يّاك متل بيّك. الله يرحمو ويقوّيك». تطول جلسة الشباب والفتيات مع نائب منطقتهم وكأنهم يتعرفون إليه من جديد. يصعب على المراقب لحركة نائب الأشرفية الشاب تصديق أن نديم 2010 و2011 و2012 و2013 هو نفسه الشاب النشيط المتنقل بين منطقة وأخرى، والحزبي الذي يحاول إثبات نفسه داخل الكتائب وخارجه. كما يصعب، لولا الصور، تصديق أخبار زياراته الشهر الماضي لرئيس الجمهورية وقائد الجيش ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، وجولاته في بعض مناطق جبيل برفقة رؤساء بلدياتها ورئيس إقليم الكتائب. ولكن، كيف يمكن لمن عجز عن إحكام سيطرته على دائرة انتخابه وفرض نفوذه داخل حزبه أو على إقليم صغير في منطقته، أن تنتفخ عضلاته خلال شهر واحد ويتمرد على قيادة حزبه؟ وما الذي قلب خمول أربعة أعوام الى ديناميكية شعبية وحزبية وداخل المجلس النيابي؟

انتفاضة «الباش»

منتمٍ سابق إلى حركة «لبناننا»، ومقرّب دائم من سامي، يأخذ مجّة طويلة من سيجارته بمجرد ذكر اسم «نديم الجميل». لا يبدو تمرّد النائب الشاب و«استفاقته الحديثة» مفاجئاً: «فتش عن معراب لتصفية الصورة». يمكن البدء هنا من «مسايرة نديم لموقف القوات حول مشروع القانون الأرثوذكسي، والمرور على ردّ الفعل الميليشيوي في الرميل والاعتداء بالضرب على رئيس الإقليم المعيّن من القيادة، وصولاً الى تغيبه عن جلسة منح الثقة للحكومة، خلافاً لقرار مكتب الكتائب السياسي»، علماً بأن مخالفة كهذه، في القاموس الحزبي، تؤدي الى فصل النائب وإقالته.
مسؤول أمني من معراب إلى الأشرفية لحماية نديم



ولا يبدو أن نديم في صدد وقف «معركة إثبات نفسه» التي لم تعد تقتصر على منطقته، بل طالت منطقة ابن عمه، إذ يخطط «الباش» (كما يحلو للبعض مناداته) لافتتاح مركز له الى جانب مركز الإقليم في منطقة الجديدة في المتن الشمالي، على ما يتداول أحد المقربين منه؛ وذلك لمعالجة شؤون الناس اليومية التي لا تنتظر يوم استقبالاته في بكفيا. فنديم، يقول الشاب، لم يعد ذاك الطفل الذي يهرع لدفن استيائه في بئر والدته وخاله، وهو ينتقل اليوم من موقع المستضعف الى الهجوم المنظّم: حوّل صفعة الرميل الى انتصار، أحرج حزبه حكومياً ليبدأ بعدها «توسعه» الشعبي من منزل والده المجاور لمنزل عمه. ولا داعي هنا لاستغراب «مساندة معراب لابن قائد القوات السابق بشير الجميل، بل يمكن استغراب عدم دعم القواتيين لنديم». ما هي خطط نائب الأشرفية المقبلة في هذا الإطار؟ «راقبوا الشيخ نديم في الأيام المقبلة»، يجيب المصدر، «سيكون هو، لا الانتخابات الرئاسية، نجم الشاشات... وربما الكتائبيين».

«لعبة القوات»

تبدو «لعبة القوات» واضحة في المجالس الكتائبية التي تؤكد انتقال معراب من الدعم المعنوي الى ساحة المعركة. وتسلك مشاغبات نديم وتمرده، كلما اقترب الاستحقاق الرئاسي، طريقاً واحداً برأيهم: إفادة سمير جعجع. وهنا أبرز نقاط الخطة القواتية بنظر رفاق سامي: يشاغب نديم، فينشغل رئيس الكتائب بلملمة حزبه ولجم نائب الأشرفية. عندها تسارع القوات الى طمأنة البشيريّ بأن مكانه محجوز لديها وهو الوريث الطبيعي للحزب بعد «الحكيم». ينتفخ نديم ونعاود الدوران في الحلقة ذاتها» وبات واضحاً من خلال تصريحات النائب شبه اليومية في وسائل الإعلام وجلساته الحزبية في بكفيا، أن نديم «لسان القوات الناطق في الكتائب». يلعب «الشيخ» هنا على وتر الديموقراطية المفقودة و«تخاذل القيادة مع حزب الله ضد مبادئنا». وسريعاً تحضر وسائل الإعلام التي تدور في فلك معراب لتوصل صوت «النائب الكتائبي الأقرب الى 14 آذار». ويحضر رجالها لحماية «نديم من عمه وابن عمه»، ومساعدته على بناء حيثيته الخاصة بعيداً عن الحزب. لذلك «يتولى أحد قواتيي عين الرمانة المخضرمين، ويدعى بولس خليل، تشكيل مجموعة خاصة بابن بشير الذي يلقى تعاطفاً استثنائياً في هذه المنطقة»، وفقاً لمصادر 14 آذار. فيما فُصِل «جورج حدشيتي، وهو مسؤول أمني في فريق حماية جعجع، الى الأشرفية لحمايته». ويتولى جعجع «بنفسه أحياناً، أو عبر أحد مبعوثيه، رفع مستوى الأدرينالين في مواقف نديم السياسية».

«بشير المشاغب»

يفرد الرئيس أمين الجميل اليوم كفيه، وازناً حسابات الربح في التستر على تصرفات أحد نوابه، والخسارة التي يرتبها فصله. عقب حادثة إقليم الرميل، حاول الأخير لملمة ما أنجزه والمكتب السياسي، عبر تعليق تعيين المختار إيلي نصار رئيساً للإقليم ووعد نديم ضمنياً بتلبية مطالبه. إلا أن عناق أمين وقبلات سامي لم تنجح في كبح جموح قريبهم هذه المرة؛ فنديم الصغير والمُطيع ظهر فجأة ببزة والده الزيتية على عتبة بكفيا، وها هو يقنع الكتائبيين بخطاب القوات ويتصرف كنائب في كتلتهم. إزاء ذلك، أوصى المكتب السياسي بفصل نائب الأشرفية نهائياً عقب تشكيل الحكومة، قبل أن يستعيض الرئيس الجميل عن الأمر بتوجيه إنذار نهائي له «منعاً لأي تداعيات في هذه المرحلة الحساسة».
في اجتماعهما الأخير، بادر رئيس الكتائب الى سؤال نائبه عن هدف هذه الحملة الشرسة الآن بعد صمت دام أعواماً. والقول هنا إن «توريث سامي هو سبب غير مقنع على اعتبار أن موعد مؤتمر الانتخاب في آب 2015؛ ويفترض بمسألة تعديل النظام التي تتيح انتخاب رئيس من القاعدة لا عبر اللجنة المركزية، أن تريح المعترضين على غياب الديموقراطية». وفي نظر أمين، فإن «السعي اليوم الى إظهار الحزب مقسوماً ومفككاً يهدف فقط الى ضرب الاستحقاق السريع، أي الانتخابات الرئاسية، ما يعني أنك تقف مع سمير ضدي!». لم يلق الجميل رداً مباشراً على كلامه يومها، بل قرأه في إحدى الصحف، حيث أدلى نديم برأيه في ترشح جعجع: «الرئيس سمير جعجع يمثل قيم بشير وثوابته وأخلاقه». تلت ذلك عدة شائعات كتائبية وقواتية تؤكد منح النائب الكتائبي صوته لرئيس القوات إذا ما خيّر في التصويت بينه وبين عمه. عندها يكون نديم قد وجه ضربة قاضية للكتائب وقطع الخيط الرفيع الحائل دون فصله أو استقالته. يبتسم أحد مسؤولي القوات لسماع هذا السيناريو: «الآن فقط، بات يمكن رؤية بشير المشاغب في عيني نديم».