ضمن إطار أنشطة الاحتفال بعيد العمال للمطالبة بالحماية القانونية لعاملات المنازل المهاجرات في لبنان، أقامت منظمة «كفى عنف واستغلال» جلسة لإطلاق كتيّب بعنوان « لولا النظام... عاملات منازل في لبنان يخبرن قصصهن»، فروت خمس عاملات منازل من جنسيات مختلفة قصصاً كتبنها عن أنفسهنّ أو عن صديقات لهنّ.
جلست راحيل في وسط المسرح. حملت ورقة وقرأت قصة صديقتها التي لم تتمكن من الحضور، لأن أوراقها القانونية مصادرة من قبل صاحب العمل. أخبرت الحضور معاناة صديقتها التي لم تأخذ أجرها طوال عشرة أشهر تعرضت للضرب «بالنربيش».
جاء دور تيريزا لتروي أيضاً قصة صديقة لم تأت لأنه ليس لديها يوم عطلة. عملت صديقتها مدة 7 سنوات لدى كفيلتها، لأنها كانت تجدد لها الإقامة من دون أخذ رأيها. أمّا ميريام فحُجز جواز سفرها من قبل الأمن العام منذ وصولها إلى المطار وحُبست في غرفة هناك بانتظار وصول صاحب العمل، «هيك الحبس ببلش بالمطار». سوجانا الخائفة ترجف على المسرح وتتكلم بصوت متقطّع. صادروا منها اسمها ليصبح «رنا». أخبرها المكتب في النيبال أن أجرها 150 دولاراً، إلا أنها لا تحصل على أكثر من 130 دولاراً. يبدأ عملها من الساعة السادسة صباحاً ولا ينتهي، «هون ما في إنسانية».
لا يعطي نظام
الكفالة للعاملة حق التوقف عن العمل
أخيراً، أتى دور سيما لتتكلم عن استغلال صاحب العمل لها واعتدائه عليها. نوعية الحضور لا توحي بأنّ هناك ربات منازل حاضرات، لكن يوجد الكثير من العاملات الأجنبيات اللواتي أصغين بانتباه وتعاطفن بعضهن مع بعض.
تجربة هؤلاء النساء قد لا تكون «أليمة» بالنسبة إلى مجتمعٍ لا يحرّكه سوى القتل وإراقة الدماء، وقد تكون قصصهن لا تحمل الكثير من العنف المبرح الذي نسمع عنه ونشاهده، إلّا أنّه «لولا النظام» لما حصلت هذه الانتهاكات بحق عاملات المنازل المهاجرات.
يعتبر نظام الكفالة أحد أكثر النظم ظلماً بحق عاملات المنازل المهاجرات، وقد وُجد هذا النظام ليكون بديلاً من قانون العمل الذي استثنى هذه الفئة. المشكلة تتعلق بطبيعة العلاقة التي تنشأ عن نظام الكفالة، ما يساهم في خلق حالات استعباد مشابهة لظروف الاتجار بالبشر. تطرق المحامي رولان طوق في مداخلة بعنوان « تفكيك أسباب مقاومة النظام للتغيير»، إلى ثلاثة محاور هي مقارنة بين نظام الكفالة وقانون العمل، أسباب استمرار هذا النظام، والهيئات المعنية بإلغاء هذا النظام. فالمقارنة بين نظام الكفالة وقانون العمل تُظهر الظلم القانوني الذي يلحق بعاملات المنازل المهاجرات بسبب «غياب عقد قانوني ينظّم شروط العمل، وبالتالي عدم معرفة العامل بالشروط». كذلك فإن العامل لا يمكنه اختيار صاحب العمل. أما في ما يتعلق بفترة التجربة التي تمتد لثلاثة أشهر في قانون العمل، فهي موجودة في نظام الكفالة لكن لمصلحة صاحب العمل فقط، ما يحرم العامل من إمكان ترك عمله في حال لم تعجبه ظروف العمل وشروطه. إضافةً إلى ذلك، فإن نظام الكفالة يؤدي إلى «تقديم الشخص لنفسه وليس لعمله بسبب ارتباط شخص العامل بصاحب العمل وليس بعمله، ما يلغي استقلالية العامل بالكامل». ولا يعطي نظام الكفالة للعامل حق التوقف عن العمل قبل انتهاء مدة العقد، كما أنه لا يجوز له أن يبقى في لبنان بعد انتهاء عمله، لأن إرادة صاحب العمل فقط هي التي تسمح للعامل بالدخول والبقاء في لبنان، فيدمّر هذا النظام الأمان الاقتصادي الذي يهدف إلى تحقيقه أي قانون لتنظيم العمل.
تتعدد الأسباب التي تساهم في استمرار هذا النظام على الرغم من جميع السيئات الناتجة منه، وأوّلها العامل المادي، إذ «تجني مكاتب استقدام العمال والمافيات المعنية بالموضوع أموالاً طائلة جراء نظام الكفالة، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء من أشد المدافعين عن النظام». ومن أخطر انعكاسات نظام الكفالة هو ربط حقوق الإنسان بحفنة من الأموال، فيقوم صاحب العمل بإهانة العامل وتجريده من جميع حقوقه مقابل ألفي دولار. كذلك فإن ضعف السلطات في دول المنشأ ودول الاستقبال يمنع إلغاء نظام الكفالة، إضافة «إلى الفساد المستشري وعلاقة نظام الكفالة بموضوع الدعارة». إلغاء نظام الكفالة أمرٌ ضروري ويستدعي تعاوناً بين جميع الهيئات والأشخاص من دون استثناء، من مكاتب استقدام العمال الموجودة في دول المنشأ ودول الاستقبال، السفارات، الحكومات، أصحاب العمل، العمال أنفسهم، وصولاً إلى الأجهزة الأمنية. كذلك يلعب التشريع دوراً جوهرياً من خلال تجريم انتهاك حقوق عاملات المنازل المهاجرات واعتبار الأشخاص المعرضين لهذا الانتهاك ضحايا. إنّ التمييز الحاصل تجاه عاملات المنازل المهاجرات له أسباب عديدة، أبرزها طبيعة العمل المنزلي الذي يُنظر إليه في المجتمع نظرة دونية على أنه الدور «الطبيعي» للمرأة.