تشعّبت في الايام القليلة المنصرمة، غداة الجلسة الثانية لانتخاب الرئيس الجديد الاربعاء، التأويلات مجددا في نصاب انعقادها، واقترن بعضها بتفسير عدم ختم رئيس المجلس نبيه بري محضر الجلسة الاولى في 23 نيسان، برغم انه ختم فعلا محضرها واعلن للفور ان الجلسة التالية، في 30 نيسان واي جلسة اخرى، يقتضي التئامها بنصاب الثلثين على ان تنتقل الى الدورة الثانية من الاقتراع، ويُنتخب الرئيس بنصاب النصف +1.برّر بري وجهة نظره بان مجلس النواب اقترع للدورة الاولى من دون ان يفوز احد من المرشحين تبعا للنصاب الموصوف، وكل اقتراع تال هو للدورة الثانية والتي تليها وفق نصاب الانتخاب الذي حددته المادة 49. بيد ان التئامها يكون بنصاب الثلثين في كل حال.
مع ذلك اصر افرقاء على الاعتقاد بان المحضر لم يُختم، وقد ختم، وبان النصاب التالي لاي جلسة بعد جلسة الدورة الاولى ينبغي ان يكون النصف +1 للانعقاد والانتخاب معا.

بذلك استعاد هؤلاء الجدل الطويل الذي رافق استحقاق 2007 ـــ 2008 وتوجيهه نحو نصاب انعقاد جلسة انتخاب الرئيس، لا نصاب الاقتراع له. قالت وجهة نظرهم بان اي دورة تلي الدورة الاولى تقتضي نصابا موحدا للانعقاد والاقتراع هو النصف +1، على طرف نقيض مما قررته هيئة مكتب المجلس برئاسة بري في اجتماعها في 27 آذار، وهو الثلثان نصاب انعقاد لكل جلسات انتخاب الرئيس. على ان قرار هيئة المكتب انطوى كذلك على تفاهم رئيس المجلس مع قوى 14 آذار التي تمثل الغالبية المرجحة فيها.
يقلل بري من اهمية هذا الجدل، ويفضّل توجيه الاهتمام الى مبررات استمرار تعثر الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية. يقول: «انا خائف على اللبننة مقدار خوفي على الاستحقاق نفسه. اذا تكرر ما حدث الاربعاء الماضي في الاربعاء المقبل، ولم يكتمل نصاب المجلس، فان الخوف من وقوع الشغور حقيقي وجدي، ولن ينتظر بالضرورة الوصول الى 25 ايار. عندئذ سيذر التدخل الخارجي قرنه في الاستحقاق. ربما يريد البعض استجلاب التدخل الخارجي، وقد يكون اعتاد ذلك. الى الآن لا نزال تحت مظلة اللبننة، لكنني اخشى اننا سنفقدها».
برّي خائف على
اللبننة مقدار خوفه على الاستحقاق نفسه

يؤكد ايضا انه سينتظر مآل الجلسة الثالثة في 7 ايار: «اذا لم يكتمل نصابها فسأفكر في اسلوب تحركي. الى الآن ليس ثمة ما يبعث على التفاؤل باكتمال النصاب في ظل الانقسام القائم بين القوى الرئيسية الحالية في المجلس. كل فريق بات يعرف حجمه وحجم الطرف الآخر، ويعرف ايضا انه غير قادر على الحصول على حجم اكبر كي يتمكن من ترجيح الكفة لمصلحته. لا المواقع ستتغير ولا الاصوات ستتبدل».
لا يخفي رئيس المجلس انه كان يرغب في ملازمة حلفائه في قوى 8 آذار مقاعدهم في المجلس والانتقال في جلسة 23 نيسان الى الدورة الثانية من الاقتراع، وكذلك في جلسة الاربعاء في حضورهم وتوفير النصاب ومن ثم الاقتراع: «منذ الجلسة الاولى عرفنا ان احدا غير قادر على الحصول على النصف +1. مع ذلك كان في الامكان اجراء اكثر من دورة اقتراع، وربما اكثر من جلسة، وابقينا صورة المجلس ملتئما بنصابه القانوني الى ان يتمكن من انتخاب الرئيس، لا الاكتفاء بتعطيل النصاب».
يسلّم بري بان الانقسام الحاد بين كتلتين كبريين في المجلس وخارجه هما قوى 8 و14 آذار أحال نصاب الثلثين مشكلة غير مسبوقة. يقول: «لم يكن الامر كذلك في اي من مراحل تاريخنا منذ دستور 1926. الانقسام السياسي والمذهبي اوجد مشكلة في نصاب كان قد حدده الدستور سابقا لانتخاب الرئيس، لان ايا من الفريقين لا يسعه السيطرة على ثلثي المجلس، ولا على النصف +1 حتى. النص الدستوري نفسه، والنصاب كذلك، لكن التوازنات الداخلية هي التي تغيّرت من وطأة هذا الانقسام».
يضيف: «منذ دستور 1926 مرورا بدستور 1943 حتى اتفاق الطائف، لم يُنتخب رئيس للجمهورية الا في ظل نصاب الثلثين لانعقاد المجلس. قبل اتفاق الطائف وتحقيق المناصفة كانت نسبة المسيحيين الى المسلمين في المجلس 6/ 5. للمسيحيين 54 نائبا وللمسلمين 45 نائبا. يعني ذلك ان المسيحيين وحدهم كانوا يمثلون اكثر من النصف +1 من مجلس الـ99 نائبا، وكان في مقدورهم ان يفرضوا الرئيس الذي يريدون في معزل عن المسلمين لو اجروا الانتخابات بنصاب النصف +1. مع ذلك تمسكوا بالثلثين لعقد جلسة انتخاب الرئيس، وحرصوا على مشاركة الفريق الآخر في انتخابه، نظرا الى اهمية الاستحقاق والرئيس الذي يمثل اللبنانيين جميعا والطوائف جميعها. استطيع ان اضيف حجة اخرى كان في الامكان القول ربما انها مبررة، وهي اجراء الانتخابات الرئاسية بالنصف +1 عام 1982، والذريعة الاساسية والمبررة ان البلاد واقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي، ومن الواجب انتخاب الرئيس تفاديا للشغور. مع ذلك انتخب الرئيس بشير الجميل في الدورة الثانية، لكن في حضور ثلثي مجلس النواب. كان نصاب الثلثين حينذاك 62 نائبا، وسعى بشير الجميل الى توفيره من اجل الحصول على اوسع تأييد داخلي له. كان في امكانه التذرع بالحجة تلك. كنت من معارضي انتخابه، وكنا نجتمع في منزل الرئيس صائب سلام والعدو الاسرائيلي يلاحقنا ويحاصر العاصمة. هل ينبغي ان اذكّر ايضا بما كانت قوى 14 آذار تعتزم القيام به عام 2007 عندما هددت بانتخاب الرئيس في فندق فينيسيا بالنصف +1، وبناء على دعوة يوجهها نائب رئيس المجلس لا رئيس المجلس، وكانوا يريدون انتخاب الراحل نسيب لحود بهذا النصاب. قلنا لهم حذار انتخاب الرئيس بالقوة ضد ارادة فريق رئيسي وطائفة اساسية. حذرناهم فتعقّلوا. بعد اتفاق الدوحة انتخبنا جميعا الرئيس ميشال سليمان، كما انتخب من قبل الرؤساء المتعاقبون جميعا، في حضور ثلثي مجلس النواب. بعضهم انتخب من الدورة الاولى، والبعض الآخر من الدورة الثانية، والرئيس سليمان فرنجيه من الدورة الثالثة. هل اضيف سببا رابعا هو ان البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير كان اول الرافضين لانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف +1، ورفع الصوت عاليا متمسكا بنصاب الثلثين. ماذا يريدون بعد ذلك كله».
يقوده الحديث الى النائب وليد جنبلاط في الموقع الوسط بين قوى 8 و14 آذار، حائلا دون حصول اي منهما على نصاب الدورة الثانية: «قلت عنه مرة وساظل اقول إنه لا يضيّع البوصلة. قد يتغير وليد جنبلاط ويتقلّب، وينتقل من صفر درجة الى 360 درجة، لكنه عند الاستحقاقات المهمة والخطيرة يظل نفسه. يتهيب الموقف ويضطلع بالدور الملائم. هذا ما يفعله اليوم. إنه الصديق اللدود».