لندن | لأول مرة تشهد العلاقات بين المملكتين البريطانية والبحرينية شدّا قانونيا وإن لم يرقَ إلى مرحلة التوتر. فقد قررت المحكمة العليا البريطانية في لندن الجمعة الماضية رفع الحظر عن اسم أمير بحريني متهم بقضايا تعذيب.بعد نحو عامين من التكتم الشديد، لم تستغرق جلسة المحكمة سوى عشرين دقيقة، وانتهت بانحياز كامل إلى مطالب الفريق القانوني المدّعي على قائد الحرس الملكي في قوة دفاع البحرين الأمير ناصر بن حمد بن عيسى آل خليفة، الابن الرابع للملك.

بات ممكنا الآن للصحافة تسمية الأمير، بعدما صار متهما بعمليات تعذيب ضد معارضين لحكم والده، وذلك حتى جلسة أخرى ستعقدها المحكمة في أكتوبر المقبل للنظر في ما إذا كان الأمير يتمتع بالحصانة الدبلوماسية أم لا، وهل سيمنع ذلك اعتقاله ومحاكمته داخل المملكة المتحدة.
والأمير المتهم هو الأخ غير الشقيق لولي العهد، سلمان بن حمد آل خليفة، ويشغل منصب رئيس الحرس الملكي منذ حزيران 2011، حينما رقّاه والده إلى رتبة عقيد، وعيّنه على رأس الجهاز المعني بأمنه الشخصي، تقديرًا للموقف المتشدد الذي أبداه ضد الحركة المطالبة بالإصلاح، ودعوته العلنية إلى الانتقام من المشاركين فيها.
في المقابل، لا يزال المدعي يرفض الكشف عن هويته، ويعرف نفسه باسم «ف.ف»، علما أن المحكمة أقرت طلبه بإبقاء اسمه طيّ الكتمان خوفا من استهدافه وعائلته، ولا سيما أنه سبق اعتقاله وتعذيبه في البحرين.
واستأثر محامي المدعي توم هيكمان بالكلام خلال الجلسة التي حضرتها «الأخبار»، في ظل توافقه مع المدعي العام البريطاني على رفع الحظر عن الإعلان عن اسم ناصر، بعد سلسلة طويلة من الإجراءات بين المحكمة والمنامة، فيما غابت الحكومة البحرينية والأمير المتهم عن الجلسة التي عقدت في القاعة الرقم 3 داخل مبنى تاريخي على شكل كنيسة.
وسبق للبحرين أن أعلمت المحكمة رسميّا بأنها لا تريد التدخل في القضية، بل تريد أن تنأى بنفسها عن سلطة المحاكم البريطانية. أمّا الأمير المتهم، فلم يقدم أي رد ضمن مقاطعة شاملة للقضاء البريطاني في هذا الشأن.
كان يمكن للأمير الاستئناف ضد كشف اسمه لكنّه لم يفعل

وكان يمكن لناصر الاستئناف ضد قرار رفع الحظر عن اسمه، لكنّه لم يفعل خلال 22 يوما، وهي المدة القانونية الممنوحة له للاستئناف بعد استلام الملف وفق القانون البريطاني.
ويرجح أن تكون المقاطعة الرسمية البحرينية للمحاكمة قد اتخذت إثر نصيحة تلقتها سلطات المنامة من الحكومة البريطانية ومحامين غربيين لإجهاض التطور الطبيعي للقضية، لكن مساعيهم قد تواجه انتكاسة بعد قبول القاضي الإعلان عن اسم ابن أمير دولة خليجية تحظى بعلاقات وطيدة مع التاج البريطاني وحكومة لندن، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى.
كذلك يعتقد أن السلطات البحرينية والأمير المتهم لا يريدان الخضوع للمساءلة القانونية لمنع تسليط المزيد من الأضواء على الوضع البحريني غير المستقر، والحالات الشائعة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تورط فيها أبناء في العائلة الحاكمة (وفق تقارير حقوقية) علما أنهم يقودون المؤسسات السياسية والعسكرية والقضائية في البلاد.
وتتجه الأنظار إلى جلسة تشرين الأول المقبل، التي ستكون حاسمة لبت مدى تمتع ناصر بن حمد بالحصانة الدبلوماسية التي تمنع محاكمته.
وتعود القضية ضد الأمير الشاب إلى حزيران 2012، حينما رفعت منظمة حقوقية أوروبية بالاشتراك مع مركز البحرين لحقوق الإنسان (يرأسه الحقوقي المعتقل نبيل رجب) خطابا إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير خارجيته وليم هيغ، تطالب فيه بمنع ناصر من دخول أراضي المملكة، بناء على أنه متهم بتعذيب ناشطين في البحرين. وطالب الخطاب الذي نشرته صحيفة «الغارديان» في ذلك الوقت الحكومة البريطانية باتخاذ إجراء ضد الأمير، وإخضاعه للتحقيق في النيابة العامة، ولدى فريق جرائم الحرب في الشرطة.
وتزامن ذلك الطلب مع استضافة لندن أولمبياد 2012 ، علما أن ناصر يرأس اللجنة الأولمبية البحرينية، كما يرأس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، الذي يتهم بأنه يقف وراء استهداف نحو 150 رياضيا وسجنهم وتعذيبهم وفصلهم من أعمالهم، وتوقيفهم عن ممارسة اللعبة، ومن بينهم هداف منتخب البحرين السابق لكرة القدم علاء حبيل وشقيقه محمد. (http://www.bahrainrights.org/ar/node/4359 )
أما حكومة كاميرون، فرفضت طلب منع الأمير البحريني من دخول أراضيها، معللة موقفها بأنه يتمتع بحصانة دبلوماسية تحول دون اعتقاله ومحاكمته، ما دعا القائمة بأعمال رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان مريم الخواجه إلى وصف حكومة كاميرون بالكيل بمكيالين، في إشارة منها إلى جهود بريطانية رسمية تزعمها هيغ، ونجحت في منع رئيس اللجنة الأولمبية السورية الجنرال موفق جمعة من تمثيل بلاده ذلك اليوم.
وفي رد فعل على ذلك، رفع المواطن البحريني (ف. ف.) في 26 تشرين الأول 2012 قضية إلى النيابة العامة البريطانية يرفض فيها قرار حكومة كاميرون بكون الأمير يحمل حصانة دبلوماسية.
المحكمة العليا قبلت النظر في طلب المدعي الأخير، لكنها قررت تأجيل النظر في القضية كي تعطي المدعى عليهما (دولة البحرين والأمير المتهم) فرصة للرد على الاتهامات، وإذا كانا يرغبان في الخضوع للتحقيق والتعاون مع المحكمة، وهو الأمر الذي وردت الإجابة عنه بالنفي.
أما عن الحصانة، فيقول الفريق القانوني للمدعي إن ناصر «لم يكن يتمتع بأي حصانة حين ضربه سياسيون إبّان سريان حالة الطوارئ في البحرين بين شهري آذار وأيار 2011، لكن الحكومة البريطانية ترى أن ناصر يتمتع بالحصانة».
وإذا قررت المحكمة المختصة في القضايا الجنائية أن «الابن المدلل للملك» لا يتمتع بالحصانة، فإن ذلك سيفتح الطريق للنظر في القضايا المنسوبة إليه بضرب وركل وإهانة معارضين في السجون، وإصداره أوامر باعتقال وتعذيب رياضيين، وذلك في أعقاب فض اعتصام دوار اللؤلؤ بالقوة، وتنفيذ السلطات بدعم عسكري سعودي وإماراتي حملة عنيفة ضد الحركة الشعبية في البحرين.
كذلك لو سرى قرار القاضي بأن الأمير المتهم لا يتمتع بالحصانة، فإن هذا يشمل أوروبا كلها وليس فقط المملكة المتحدة وحدها، ما يفتح الطريق لرفع قضايا ضد ناصر في دول أوروبية أخرى.
وتمنح الحصانة الدبلوماسية التي تدعي السلطات البريطانية أن ناصر بن حمد يتمتع بها، نوعا من الحصانة القانونية، التي تضمن منع ملاحقة ومحاكمة الدبلوماسيين تحت طائلة قوانين الدولة المضيفة، وذلك وفقا لتفاهمات فيينا 1961.
ويجب على المدعي « ف. ف.» أن يقدم أدلته قبل 21 يوما من الجلسة المرتقبة في تشرين الأول، كما يجب على الحكومة البريطانية تقديم دفوعاتها قبل 14 يوما من انعقاد الجلسة، التي ستحسم مدى القدرة على الذهاب في الخطوة التالية، وهي النظر في الاتهامات المزعومة ضد ابن الملك.
الفريق القانوني للمدعي يأمل بدوره أن «يتكرر سيناريو دكتاتور تشيلي السابق بينوشيه، الذي ألقي القبض عليه في بريطانيا عام 2002 على خلفية تفويض قضائي أصدره قاضٍ إسباني»، لكن بينوشيه بقي في لندن قيد الإقامة الجبرية أكثر من سنة قبل الافراج عنه لأسباب طبية.
في قضية مشابهة، سبق أن ألغت تل أبيب زيارات مسؤولين وعسكريين إسرائيليين إلى بريطانيا في 2010 خوفا من اعتقالهم على خلفية اتهامات بجرائم حرب في غزة عام 2008، وذلك حين كان للمحاكم في إنكلترا وويلز بموجب قانون العدالة الجنائية لعام 1988 صلاحية إصدار مذكرات اعتقال استجابة لالتماسات الجهات الأهلية، في ما يتعلق بالاشتباه بارتكاب جرائم حرب في أي مكان في العالم.
ذلك القانون غيرته الحكومة العمالية السابقة بزعامة غولدن براون، من أجل الحد من الصلاحيات القضائية في ملاحقة المتهمين بجرائم الحرب، إثر ضغوط مورست على لندن من دول كإسرائيل، تمارس الانتهاكات على نحو منهجي في العرف الحقوقي. ونص التعديل على ضرورة حصول أي مذكرة توقيف لشخص خرق القوانين الدولية، مثل اتفاقية جنيف، على موافقة مسبقة من النائب العام.
ولا يعرف هل سيكون الأمير ناصر من بين مرافقي والده في زيارته بريطانيا نهاية هذا الأسبوع، ضمن حملة واسعة للعلاقات العامة في أوروبا يقودها ملك البحرين، وتشمل زيارة الفاتيكان بعدما ركزت في الصيف الماضي على آسيا.
في كل الأحوال، يبدو موقف ابن الملك في موضع تساؤل جدي بعدما هدد علنا بالانتقام من الداعين إلى إسقاط حكم والده في مداخلة له على تلفزيون البحرين، حينما كان يروج لخطاب عنيف ضد المحتشدين السلميين في دوار اللؤلؤة. (http://www.youtube.com/watch?v=ioEkV_XWfNc)
وقد أضر موقفه المتشدد صورته في الغرب، إضافة إلى مستقبله السياسي، لكنه عزز حضوره لدى التكتلات المتشددة في النظام التي ترى أن ولي العهد سلمان بن حمد يحمل خطابا تصالحيا مع المعارضين.
وبغض النظر عن نتائج الجلسة المقبلة، فإن رئيس منظمة «أميركيون من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين» حسين عبد الله، الذي حضر المحكمة، يرى أن قرار رفع الحظر عن هوية ناصر «رسالة إلى ضحايا التعذيب، فحواها أن ما تعرضوا له لن يذهب دون محاسبة، وأن ناصر وأمثاله سيدفعون الثمن وفق القانون»، كما عبر عن تفاؤله بإقرار القاضي «عدم تمتع ناصر بالحصانة»، مشيراً إلى أن إسبانيا ستكون الدولة المقبلة لرفع قضية ضد من سمّاهم منتهكي حقوق الإنسان في البحرين.




«الأمير المدلل» مارس التعذيب

يُتهم ناصر بن حمد (الصورة) بممارسة التعذيب ضد محمد حبيب المقداد، وهو معارض بحريني يحمل الجنسية السويدية، ومحكوم من القضاء البحريني في عدة قضايا بعدد من الأحكام التي يصل مجموعها إلى 96 عاما.
والمقداد واحد من ثلاثة أشخاص آخرين يتهمون الأمير ناصر بتعذيبهم، والاثنان الآخران هما عبد الله المحروس، ومحمد حسن جواد (67) عاما. ويقضي الأخير حكما بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم.
عادة تشكك منظمة العفو الدولية في نجاعة المحاكم البحرينية، وتقول إن قرارت الأخيرة ذات دوافع سياسية، ولا تتوافر فيها شروط المحاكمات العادلة، فيما تصنف المقداد وقادة آخرين اعتُقلوا في 17 آذار 2011 على أنهم معتقلو ضمير.