في خطوة مفاجئة، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً إعدادياً ثانياً بتاريخ ١٩ شباط ٢٠١٤ في واحدة من المراجعات المتعلقة بإبطال المرسوم الرقم 8228 المتعلق بمشروع محور الحكمة ـــ الترك» و«النفق الجزئي» على «شارع شارل مالك»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في أيار عام 2012. وقرر المجلس رد طلب وقف تنفيذ المرسوم المطعون فيه، كما قرر تكليف وزارة البيئة وبلدية بيروت مجدداً بتنفيذ مضمون قرار سابق يتعلق بموقفهما من القرار، ولا سيما في مسألة عدم إتمام تقييم الأثر البيئي وفق أحكام قانون حماية البيئة.
وكان مجلس الشورى الدولة قد اتخذ قراراً إعدادياً بتاريخ ٩ كانون الثاني ٢٠١٤ قرر فيه التريّث في بتّ طلب وقف التنفيذ، وطلب فيه رأي وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار لجهة تقييم الأثر البيئي.
وفي معلومات لـ«الأخبار»، فإن القرار المذكور وصل الى مجلس الإنماء والإعمار عن طريق هيئة القضايا في وزارة العدل ضمن مهلة العشرة أيام، أمّا وزارة البيئة فلم تتلقّ كتاب هيئة القضايا إلا بعد شهرين على صدوره! لكن الغريب فعلاً أن مجلس الشورى لم ينتظر جواب وزارة البيئة، بل اتخذ قراراً إعداديّاً آخر يرفض فيه وقف تنفيذ المرسوم وأبقى على طلبه الحصول على جواب من وزارة البيئة. وتؤكد مصادر قانونية متابعة للملف أن القرار الإعدادي الثاني يهدف الى إخراج رأي وزارة البيئة من مرحلة وقف التنفيذ ويشكل نسفاً لمضمون القرار الأول.

تكلفة المشروع
يمكن أن تصل إلى ما يزيد على ٢٥٠ مليون دولار أميركي

ويعوّل السكان المتضررون على وقف تنفيذ المشروع الى حين إنجاز تقويم الأثر البيئي للمشروع الذي يعد شرطاً جوهرياً لا يمكن تخطيه. كما يطالب المستدعون بإبطال المرسوم وإعلان عدم قانونيته لكونه معدلاً لمراسيم ساقطة بمرور الزمن سنداً إلى أحكام قانون الاستملاك وتعديلاته، ولكونه مفتقراً إلى تقويم الأثر البيئي الإلزامي مسبقاً سنداً إلى قوانين البيئة والمراسيم والتعاميم المؤكدة لها، ولكونه معيباً بتجاوز حد السلطة وغير مسند إلى أي مبررات واقعية أو قانونية.
وعلمت «الأخبار» أن القاضي أيمن عويدات اتخذ قراراً بتأجيل جلسات لجنة الاستملاك الابتدائيّة الى شهر أيلول المقبل، الأمر الذي أراح الى فترة قصيرة الأهالي الذين يتخوفون من مصادرة عقاراتهم قبل بت الطعون المقدمة من قبلهم.
رجا نجيم، الناشط في الائنلاف المدني الرافض للمشروع، أكد لـ«الأخبار» أن المعطيات المتوافرة حتى الآن تثبت أننا مُجدّداً أمام «فضيحة» أخرى، وكأنّ جميع مجالس الإدارة والقضاء والدولة تعمل ضمن حلقة واحدة. منها من يعمل في الخفاء، ومنها من يُسيء استعمال سلطته، ومنها من يشترك في «مؤامرة الصمت» عن قصد أو حتّى عن جهل».
ويتبين من الوقائع والمراسلات المتعلقة بالمشروع أن مجلس الإنماء والإعمار حذف بعض العقارات من لائحة لجنة الاستملاك دون الأخذ بعين الاعتبار أن المساحات المُستملكة سابقاً هي مُختلفة من نتيجة احتسابها على المرسوم الأخير، وبدون صدور مرسوم جمهوري مسبقاً تماشياً مع مبدأ التلازم. كما عمد مجلس الإنماء والإعمار الى توقيف إجراءات استملاك مجموعة من العقارات موجودة جميعها على طول القسم المُصاب سابقاً من جادة شارل مالك، عن طريق توجيه كتاب الى لجنة الاستملاك الابتدائيّة، مُتذرّعاً بأنّ تعديلاً للتصميم السابق هو قيد الإنجاز. كل ذلك بدون أن يكون قد صدر سابقاً أي مرسوم جمهوريّ جديد بهذا الخصوص.
وتصل قيمة قرارات التعويض التي اتخذتها لجنة الاستملاك الى حوالى 48 مليوناً وخمسمئة ألف دولار أميركي، في ما خص 31 عقاراً من أصل 85. وبما أنّه قد تمّ في مرحلة أولى، حسم الربع المجاني على 22 عقاراً من أصل الـ 31، فالقيمة الحقيقيّة لتعويضات هذه العقارات تتعدّى مبلغ 80 مليون دولار أميركي. أمّا الإجمالي العام المُرتقب بالنسبة إلى مُجمل العقارات الـ 85 فهو بحدّه الأدنى سيصل الى 120 مليون دولار، وبحدّه الأقصى الى حوالى 158 مليون دولار أميركي، كبدل تعويض عن استملاكات جديدة وسابقة غير مدفوعة لأصحاب الحقوق، بمساحة إجماليّة تتراوح ما بين 13200 م2 و14800 م2 تقريباً، بالإضافة الى حوالى 1100 م2 غير مُخمّنة، من الفضلات التي هي أصلاً ملك البلدية.
وبحسب نجيم، فإن هذه الكلفة العالية جداً يجب أن تعيد النظر بجدوى المشروع من الناحية الاقتصادية، ولجهة قدرة الخزينة على الإنفاق، وخصوصاً أن كامل تكلفة هذا المشروع يمكن أن تصل الى ما يزيد على ٢٥٠ مليون دولار أميركي بسبب بدل التعويضات الإضافيّة عن الاستملاكات، وذلك بالإضافة إلى ما تمّ دفعه في السبعينيات والثمانينيات والتي يُمكن أن تُقدّر بما يوازي اليوم أكثر من 100 مليون دولار أميركي.
ويضيف نجيم «نحن أمام أرقام تبدو خياليّة، لكنّها في الواقع حقيقيّة، إذ هي نتيجة احتساب دقيق للمساحات، بأسعار بحدّها الأدنى، على ضوء القوانين المرعيّة الإجراء، مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطنين من أصحاب الحقوق والذين بأكثريّتهم الساحقة هم متضرّرون من مرور هذه الطريق ومن تنفيذ تخطيطها على ضوء المرسوم الرقم 8228 /2012. فهل بلدية بيروت جاهزة لدفع كل هذه المبالغ من أموال المكلفين، لطريق طولها حوالى كيلومتر ونصف، بينها حوالى 150 مليون دولار أميركي استملاكات وذلك لصالح مشروع فاشل من أساسه؟
الفضائح لم تنته عند هذا الحدّ، إذ إنّ مجلس الإنماء والإعمار قام بتقديم مراجعات استئناف لدى المحاكم المُختصّة، ضد بعض قرارات لجنة الاستملاك، الأمر الذي يؤكّد على هذه الفضيحة، بما يتعارض مع موقف رئيس البلدية ونائبه اللذين أعلنا أنّهما لن يقبلا أن يُظلم أحد وأنّ الجميع سيحصلون على تعويضات عادلة كبدل عن الاستملاكات المطلوبة، وكانوا أيضاً يُضيفون إنّ هذه التعويضات تُقرّرها لجنة الاستملاك أي القضاء، فلندعه يقوم بعمله. أمّا اليوم، فهم يعترضون على قرارات هذه اللجنة.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar