كان أداء القاضي نيكولا ليتييري لافتاً جداً أمس، بسبب الشعور الذي خلّفه لدى متابعي جلسة الاستماع إلى رئيس تحرير «الأخبار» إبراهيم الأمين. إذ بدا أقرب إلى محامي الادّعاء منه إلى رئيس المحكمة العادل، الذي يفترض أن يكون حكماً بين المتخاصمين.كان بوسع أي متابع، لا يعرف شيئاً عن أصول المحاكمات، أن ينتبه إلى العداء الذي تصرّف به القاضي مع الأمين، حتى وصل به إلى حدّ التهكم من المتهم وهو يوضح له قائلاً: «نحن لسنا هنا في حوار تلفزيوني». وكأن الأمين، الذي راسل المحكمة مراراً بنصوص قانونية، لا يعرف معنى المثول أمام القضاء.

أو كأن رئيس تحرير «الأخبار» يحتاج إلى إطلالة تلفزيونية. لكن تعليق ليتييري الساخر لم يكن إلا تفصيلاً في الأداء العام، الذي يثير أكثر من علامة استفهام، وخصوصاً إذا قارنا أداءه أمس، بالأداء اللطيف الذي تميّز به في الجلسة الأولى التي عقدت في 13 أيار الفائت. يومها، استمع رئيس المحكمة إلى مداخلة الزميلة في قناة الجديد كرمى الخياط كاملة من دون أن يقاطعها، ومن دون أن يعلّق على مضمون كلامها، ومن دون أن يحدّد شروطاً مسبقة للمداخلة كما فعل مع الأمين أمس. علماً أن خياط لم تكن قد أبلغت مسبقاً أنها ستدلي بتصريح، في حين أن الأمين فعل ذلك، وأبلغ كلاً من القاضي ليتييري ورئيس مكتب الدفاع برغبته، وأرسل مسبقاً نصّ المداخلة مترجماً إلى الإنكليزية.
وكان لافتاً أن يشترط القاضي على الأمين، قبل أن يعطيه الكلام، أن لا تخرج المداخلة عن الموضوع.
لكن ما هو الموضوع؟ أليس الاتهام الموجّه إلى إبراهيم الأمين وجريدة «الأخبار» بتحقير المحكمة. وماذا قال الأمين أكثر من أنّه تحدّث عن المحكمة لكونها هي الجهة التي وجّهت إليه الاتهام، فتساءل عن شرعيتها وعن الانتقائية في اختصاص المحكمة القضائي... وهذا صلب الموضوع.
إلا أن القاضي قرر ليس فقط مقاطعة مداخلة المتهم، وهذا حق له إذا كان المتهم قد خرج عن القانون والأصول والموضوع، بل أعاد تفسير ما ورد على لسان الأمين بنفسه، عوض أن يطلب منه استفساراً عما يقصده. فلم يسأله مثلاً: «ماذا تقصد بمذكرة الجلب؟»، وحسم مسألة خروجه عن الموضوع، علماً أن الموضوع الأساسي هو «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الدولية» كما ورد حرفياً في نص قرار مجلس الأمن 1757.
الأمر الذي لا يقلّ أهمية، هو استعجال القاضي ليتييري في الانتقال من المحاكمة الحضورية إلى المحاكمة الغيابية، علماً أن هذا الأمر يتطلب بعض الإجراءات التي يبدو أن القاضي قرّر تخطيها من خلال إسراعه في الطلب من رئيس مكتب الدفاع تعيين محامٍ للأمين خلافاً لإرادته. فهل تأكد ليتييري من أن المتهم لا يرغب في حضور الجلسة المقبلة؟ هل سأله عن الأمر؟ هل تحرّى من آخرين عن نيّة الأمين في الحضور أو عدمه؟ هل تأكد من أن المتهم يعرف بموعد الجلسة المقبلة، ويعرف ما هي عواقب عدم الحضور؟
لم يحصل شيء من هذا، بل مارس القاضي ليتييري صلاحيته المطلقة في التقرير، مثيراً المزيد من الهواجس والمخاوف، التي كان الأمين قد عبّر عنها في مداخلته التي قوطع خلال إلقائها.
(الأخبار)