يبدو أن المزاج العام للشارع الفلسطيني الذي يتطلع إلى انتهاء الانقسام الداخلي بين أكبر فصيلين على الساحة «فتح» و«حماس» لا يتقبل رقما جديدا في سجل الفصائل، وهذا ما قيس مع ردود الفعل على خروج تنظيم جديد تحت مسمى «الصابرين» في غزة. ويأتي ارتباط عدد كبير من العائلات الفلسطينية بوظائف لدى حكومتي رام الله وغزة ليقف عائقا أمام تقبل خيار آخر سوى ما يفرضه «وليّ النعمة»، فيما يصطف آخرون في خانة «اللامبالي»، لأن مصدر رزقهم ليس مرتبطا بالحالة السياسية القائمة.
خلال استطلاع «الأخبار» آراء بعض الإعلاميين والناشطين الاجتماعيين في غزة، تبيّن أن هناك رفضا كبيرا لإنتاج أي حالة تنظيمية جديدة، أو على الأقل تشكيكا فيها على قاعدة «ابحث عن الممول لتعرف الأهداف». في هذا السياق، يقول الإعلامي أحمد نبيل إن الفلسطينيين «ليسوا بحاجة إلى المزيد من الفصائل التي لن تمثل سوى المزيد من العبء على المشروع الوطني»، مضيفا لـ«الأخبار»: «ثبت أن كل التنظيمات مرهونة بأجندات ومصالح داخلية وخارجية، لذلك يجب علينا أن نعرف من القائم على حركة الصابرين الجديدة، وأهدافها وداعميها قبل الحكم عليها».
ويختلف الصحافي محمد المدهون مع سابقه في رؤية أن الساحة الفلسطينية لا تحتمل تنظيمات جديدة، بل يرى أنها ميدان خصب لإنتاج أحزاب جديدة، ما دام الاشتباك قائما مع الاحتلال. مع ذلك، تساءل المدهون في حديثه لـ«الأخبار» عن «الجديد الذي سيأتي به هؤلاء»، مكملا: «ما طرحهم الذي لم يسبقهم أحد إليه؟»، متخوفا في الوقت نفسه من أن يكون الجديد «هوية طائفية مختلفة يُمايز بها أصحابها أنفسهم عن غيرهم».
أما الكاتب إبراهيم أبو سعادة، فيرى أن قطاع غزة يمثل حالة انعكاس لسياسات إقليمية أكثر من كونه ينتج اتجاهات جديدة ضمن احتياجات الواقع الفلسطيني الخاضع للاحتلال، قائلا: «نحتاج إلى اصطفاف وطني وإسلامي لأننا نتخوف من أي اصطفاف ذي صبغة مذهبية قد يأخذ القضية الفلسطينية إلى أتون الحرب القائمة في المنطقة». ويذكر أبو سعادة لـ«الأخبار» أن البيئة الدينية في غزة تخلو إلى حد كبير من التعددية والمذاهب في ظل اقتصار السكان على المسلمين السنة مع أقلية مسيحية، محذرا من أن يجد «سلفيّو غزة» ضالتهم لاتهام الحركة الجديدة في ظل موجة تخويف يمارسها السلفيون من انتشار التشيع في غزة، بعدما استهدفوا حركة الجهاد الإسلامي.
أخيرا، ينظر الإعلامي سائد السويركي إلى أن المشكلة ليست هوية «الصابرين» برغم نفيها عبر متحدثها الرسمي (الأخبار، الموضوع) أي صيغة مذهبية عنها، فهو يعتقد أن التوقيت والظروف الحالية غير مناسبة للإعلان عن حركة بأفكار جديدة. ويقول لـ«الأخبار»: «الاعتقاد حرية شخصية، لكن هناك ضوابط، وخصوصا أنك تعيش في أجواء غير مستقرة ووسط جهل من الممكن أن يؤسس لاشتباكات جديدة تحرف الناس عن الصراع الحقيقي مع إسرائيل». ويختتم السويركي: «نخشى تكرار سيناريو عراقي أو لبناني في غزة، فما فعلته التنظيمات السياسية هنا بانقسامها أوصلنا إلى حالة اشتباك داخلية كبيرة، برغم الاشتراك في الدين والمذهب، فكيف مع اختلافات جديدة؟».