عبثاً حاول وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أمس التخفيف من آثار الصدمة التي أصابت فريقه السياسي، نتيجة مشهد الناخبين السوريين المتوجهين إلى مبنى سفارة بلادهم في اليرزة الأسبوع الماضي، بهدف المشاركة في الانتخابات. قال إن نسبتهم لا تتجاوز عتبة الـ 6 في المئة من إجمالي عدد السوريين في لبنان. رمى أرقامه جزافاً، فلم يتمكّن من تبرير السبب الوحيد الذي دفع به إلى إصدار قرار بإسقاط صفة «نازح» عن أي مواطن سوري يزور بلاده.
يريد المشنوق أن يستكمل القرار الأميركي ـــ السعودي ـــ الأوروبي بمنع إجراء الانتخابات السورية. حاول منذ البداية منع السوريين في لبنان من المشاركة في الانتخابات، فأصدر قراراً بحظر «التجمعات السياسية» للسوريين في لبنان. لكن مشهد اليرزة دفعه إلى رفع السقف، فوضع النازحين أمام خيار من اثنين: إما المشاركة في الانتخابات، أو الاحتفاظ بصفة النازح؟ لا مجال للجمع بين الأمرين. المقصود في كل ما فعله المشنوق هو واحد: يُمنع على النازح السوري أن يكون غير مؤيد للمعارضة السورية.
عبثاً حاول وزير الداخلية إبعاد قراره عن السياسة. في مقابلته على قناة «الجديد» أمس، قال إنه عرض على الحكومة السورية، عبر جهاز أمني لبناني، نقل مراكز الاقتراع إلى منطقة حدودية، بين معبر المصنع اللبناني ومعبر جديدة يابوس السوري، إلا أن الطرف السوري رفض العرض. هل كان المشنوق يتوهم أن دمشق سترضى مشاركتها قراراً سيادياً من هذا النوع؟ برّر وزير الداخلية والبلديات قراره بالأسباب الأمنية، وبعدم قدرة لبنان على احتمال فتح الحدود الدائم أمام النازحين السوريين. يبقى الثابت أن ما صدر عنه يحوّل النازحين إلى سجناء في لبنان، بذريعة أن من يمكنه الدخول إلى سوريا لا تنطبق عليه صفة النازح.

بعض النازحين يعودون إلى بلدهم لتجديد أوراق هوياتهم، أو لمتابعة أفراد أسرهم المسنين

وكان المشنوق قد طلب في قراره إلى «جميع النازحين السوريين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR الامتناع عن الدخول إلى سوريا» اعتباراً من يوم أمس، تحت طائلة إسقاط صفتهم كلاجئين. عُمم القرار من خلال المديرية العامة للأمن العام على كل المراكز الحدودية اللبنانية السورية، وطلبت وزارة الداخلية والبلديات من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بشؤون النازحين «تحمل مسؤولياتها الكاملة، والعمل على إبلاغ النازحين السوريين بمضمون هذا البيان، ومتابعته وإعطائه الأهمية القصوى».
تعليل وزارة الداخلية لقرارها بـ«الحرص على الأمن في لبنان، ومنع أي احتكاك أو استفزاز» بين النازحين السوريين والمواطنين اللبنانيين يكاد يؤكد ما ذهب إليه عدد من القانونيين والشخصيات العامة لجهة اعتبار القرار سياسياً بالدرجة الأولى. «النازح ليس سجيناً ولا محكوماً بالمنع من السفر، وخاصة إذا ما كان يرغب في تفقد عائلته أو أرزاقه في سوريا ريثما تسمح الظروف الأمنية بعودته إليها أو إلى منزله بصورة نهائية»، قال المدير العام الأسبق للأمن العام جميل السيد، معتبراً أن القرار «يخالف القوانين اللبنانية والدولية»، وتعود صلاحية اتخاذه لمجلس الوزراء مجتمعاً، وأن «الخلفية السياسية لهذا القرار تأتي انتقاماً لظاهرة الحشود السورية التي اقترعت في لبنان من جهة، ولمنع الذين لم يستطيعوا الاقتراع من ممارسة حقهم هذا في سوريا».
القرار مخالف للقانون لأنه «تلقائي وذو مفعول عام»، يؤكد المحامي نزار صاغية، شارحاً أن أي إجراء من هذا النوع يجب أن يكون «خاصاً، وبناءً على تحقيق» في كل حالة على حدة. «الاجتهادات الدولية ممكن أن تُسقط صفة اللاجئ» عمن ينتقل من بلد اللجوء إلى موطنه الأصلي ثم العكس، إذا أُثبت «بتحقيق خاص» أن لا خطر على اللاجئ عند ذهابه إلى وطنه الأم، يقول صاغية، مشدداً على أن الإجراء «لا يكون تلقائياً ولا عاماً». وعن صلاحية وزير الداخلية لإصدار قرار كهذا، يجيب صاغية أن لا صلاحية حتى لمجلس الوزراء بتغطية قرار مخالف للقوانين الدولية الخاصة باللجوء، والتي التزم لبنان بتطبيقها، مؤكداً أن «لا أحد يقدر على المساس بحق اللجوء».
يطالب صاغية الحكومة اللبنانية بالتحرك والطلب من الحكومة السورية السماح للأمم المتحدة بإيصال المساعدات للنازحين في الداخل السوري، أو السماح بإنشاء مراكز حدودية (مع لبنان) لهذا الغرض، ما من شأنه تخفيف تدفق النازحين إلى لبنان. في ظروف الحرب القاسية، «طبيعي أن يأتي سوريون إلى هنا لأسباب اقتصادية»، يقول صاغية، محذراً من أن قرار الداخلية هذا قد يأتي بنتائج عكسية، فيحفز النازحين سعياً إلى الحصول على المساعدات للبقاء في لبنان.
«موضوع القرار سياسي، وبالتالي يقتضي عرضه على مجلس الوزراء كي يتخذ التدبير اللازم بشأنه»، يقول الوزير السابق المحامي عصام نعمان، مضيفاً إن موضوع القرار «يتعلق بثلاث وزارات، الخارجية والشؤون الاجتماعية والداخلية، فلا يجوز أن ينفرد وزير الداخلية باتخاذه»، ليخلص إلى أن القرار «غير قانوني»، فضلاً عن أنه «غير مناسب البتة في هذه الآونة، لأنه يعطي انطباعاً بأن الحكومة اللبنانية منحازة في الواقع ضد الحكومة السورية التي تقوم بإجراء انتخابات رئاسية، وبالتالي يُعتبر خروجاً عن سياسة النأي بالنفس».
تُقر دانا سليمان، المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في لبنان، بصحة الآراء القانونية الطاعنة بالقرار، رغم تأكيدها «تفهم» المفوضية لـ«تخوفات الحكومة من المشاكل التي قد يؤدي إليها تسييس قضية اللاجئين»، وإبلاغها الأخيرين بالقرار، بناءً على طلب وزارة الداخلية. عودة أحد اللاجئين «لا تعني تلقائياً أن لا مخاوف من الاضطهاد أو من الحرب»، تقول سليمان، شارحة أن «بعض اللاجئين السوريين يعودون إلى بلدهم لفترة قصيرة لتجديد أوراق هوياتهم، أو لمتابعة أفراد أسرهم المسنين أو المرضى، أو للاطمئنان إلى ممتلكاتهم، أو لمعرفة ما إذا كان الوضع في قراهم آمناً بما يكفي لعودتهم، ولأسباب عديدة أخرى غير تلك التي تذكرها الحكومة».
«نشدد على أهمية التمييز بين الأشخاص القادرين على العودة وغير القادرين»، تقول سليمان، مؤكدة أن المفوضية «ستنظر في كل حالة على حدة، لنتأكد من حماية كل النازحين المحتاجين إلى الحماية الدولية»، وأن عملية إسقاط صفة اللاجئ «لن تكون تلقائية، حفاظاً على الطابع الإنساني للجوء».