من جامعة «ساو باولو» في البرازيل، حرّر محمد مصطفى الجاروش كتاب «الليالي العربية المزوّرة» (دار الجمل) الذي كشف بالأدلة عن عملية «تزوير» وقصص أضيفت إلى «ألف ليلة وليلة» الشهيرة، وخصوصاً قصتَي «علي بابا» و«علاء الدين».ورغم أنّ هذا التزوير قد يعد تزويراً جميلاً لما تحمله هذه القصص من متعة وتشويق، إلا أنّ عملية الإضافة هذه تُعَدّ انتهاكاً للنص الأصلي كما يرى بعض الباحثين. هناك «إشكالية لم تعد خافية على الباحثين، محورها الأساسي صدقية النصوص»، كما يذكر المحرر في كتابه. ويشير إلى أنّه «رغم الاعتراف العالمي بكون حكايتَي «علاء الدين» و«علي بابا» عربيتين، إلا أننا لا نجد نصوصاً متداولة عربيّاً لهاتين الحكايتين، لا مستقلتين ولا ضمن طبعات «ألف ليلة وليلة» باستثناء التلخيصات الموجهة للأطفال».
ويكشف الباحث تاريخ بداية الشكوك، فيقول: «لم يشك أحد بالنص جدياً حتى جاء العلامة العراقي محسن مهدي عام 1984 وقال إن نص «علاء الدين» مزوَّر وليس له أي قيمة علمية أو أدبية، وإنّ النص الذي أنتجه ميخائيل الصباغ هو عينه الذي نشره زوتنبرغ...». لكن من أين جاء زوتنبرغ بالنص؟ للإجابة عن هذا السؤال، نذهب إلى ما كتبه محسن مهدي لنجد «أن النصين ترجما عن ترجمة أنطوان غالان الفرنسية الشائعة لـ«ألف ليلة وليلة» الصادرة بين 1704 و1717. مخطوطة غالان تلك غير كاملة؛ لأنها تحتوي على 282 ليلة فقط، بينما تحتوي ترجمة غالان على «ألف ليلة وليلة»، أي أن هناك فرقاً بين مخطوطة غالان وترجمته...
وهذا الفرق سببه مخطوطات لحكايات وقصص جلبها غالان معه بعد عودته من الشرق، ولا علاقة لها بـ«ألف ليلة وليلة» مثل قصة السندباد البحري. أضف إلى ذلك حكايات وقصصاً تلقّاها غالان من خلال المشافهة عن راوٍ ماروني في مدينة حلب يدعى حنا دياب، وفق ما روى غالان نفسه في مذكراته. ترك الأخير في يومياته ملخصات لبعض الحكايات التي سمعها، مثل قصة «غانم بن أبي أيوب المتيم المسلوب» التي تقع في بعض مخطوطات «ألف ليلة وليلة» ضمن قصة «عمر النعمان»، وكذلك قصة «لطائف مرجانة أو اللصوص الأربعون الذين أهلكتهم حيلة جارية» وهي في الحقيقة ملخّص لقصة علي بابا.
أما قصة «علاء الدين»، فيشير المحرّر إلى أن هناك من يرجّح أنّها من اختراع مخيلة غالان الخصبة التي أسهمت المخيلة العربية في خصوبتها، وأنّ هناك من يرى أن قصة «علاء الدين» جاءت نتيجة عناصر ومشاهد متعددة التقطها غالان من هنا وهناك في نصوص «ألف ليلة وليلة».
عملية الكشف عن التزوير في قصص «ألف ليلة وليلة» لا تخلو من الأهمية والمتعة كونها تقف على موضوع مهم يتعلّق بالمصداقية التي يجب توافرها لدى الباحث. لكن النقص الموجود في المخطوطة الأصلية التي تحوي 282 ليلة من مجموع ألف قصة وقصة، قد يشير إلى أن هناك حرصاً سيطر على الباحثين، إلى درجة أنهم حاولوا استنطاق بعض «الحكواتية» أو من يحفظ قصصاً قريبة من أجواء أساطير «ألف ليلة وليلة» ليكملوا بها النقص الموجود في المخطوطة الأصلية.
صحيح أنّ هناك صعوبة كبيرة في استخلاص حقيقة نص ضاعت أغلب فصوله، لكن لو سلَّمنا بأنّ القصص المشار إليها أضيفت إلى النص الأصلي وأطلق عليها «الليالي المزورة»، لوجدنا أنها لم تظهر بمظهر النشاز أو الخروج عن أجواء قصص ألف ليلة الأخرى، بل احتفظت بالأجواء وطبيعة السرد التي بنيت عليها القصص الأخرى. لذا، قد تكون هذه القصص من كتاب «ألف ليلة وليلة» فعلاً، لكنها ضاعت من النسخة الأصلية، بعدما وصلت إلى الناس شفاهاً وحفظها الحكواتية والعامة. وبالتالي، أعيدت إلى مكانها الأصلي بجهود غالان وميخائيل الصباغ ويوحنا بن يوسف وارسي وغيرهم.
يحتفظ الكتاب بأهمية أرشيفية خاصة، وهذا ما يتلمسه القارئ عبر الجهد الكبير المبذول من المحرر في بنائه؛ إذ يطرح وجهات النظر أو «الحقائق التاريخية» على اختلافها، وتضمن أيضاً نبذة مختصرة عن حياة كل من اشتغل في هذا المجال، ابتداءً من النصف الثاني من القرن الثامن عشر وصولاً إلى القرن العشرين. ولعل ورود نص محاضرة خورخي لويس بورخيس (1899ــــ 1986) التي ألقاها عام 1977 بخصوص «ألف ليلة وليلة»، قد أضفى أهمية خاصة عبر طرح رأي مختلف عن بقية الآراء. لفت الكاتب الأرجنتيني الكبير إلى أنّه «في القرن الخامس الميلادي، جُمعت في الإسكندرية سلسلة من الحكايات التخييلية. ولهذه الحكايات تاريخ غريب: إنها كتبت أولاً في الهند ثم فارس ثم في آسيا الصغرى وأخيراً، بعدما كُتبت بالعربية، صُنفت في القاهرة. إنها كتاب «ألف ليلة وليلة»».
إلا أنّ الرأي الأهم الذي جاء في محاضرته ما رآه بخصوص عنوان الكتاب. قال: «في عنوان «ألف ليلة وليلة» نوع مختلف من الجمال يكمن في أنّه بالنسبة إلينا تكاد كلمة «ألف» ترادف الـ«لا متناه». والقول «ألف ليلة» يعني «ليال غير متناهية»، الليالي الكثيرة، الليالي التي لا تُحصى (...) إن فكرة اللامتناهي متحدة الجوهر مع ألف ليلة وليلة».
تُرى، ماذا لو سلمنا برأي بورخيس هذا، فكم من القصص «المزورة» سيكتشفها الباحثون داخل عوالم «ألف ليلة وليلة»؟ وكم من القصص ما زالت ضائعة؟