على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل «التمدد» جاءت أمس كلمة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية». ورغم أنها إطلالته الصوتية الأولى بعد «مبايعته خليفةً»، لم يتطرّق إبراهيم السامرائي إلى «البيعة»، مؤثراً الخروج بكلمة «شرعية» العنوان والمضمون. هي «رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية في شهر رمضان».
المقدمة التي سبقت كلام البغدادي لم تأتِ بجديد أيضاً، في ما يتعلّق بالتعريف بالمُتحدث، فهو «مولانا أمير المؤمنين أبو بكر القرشي الحسيني البغدادي، حفظه الله»، على غرار الكلمات السابقة. ولولا أن البغدادي جاء على ذكر «الخلافة» في أواخر كلمته، لجاز التشكيك في موعد تسجيلها. وبدا جليّاً في الكلمة حرصُ «الخليفة» على الظهور بمظهر «زعيم إسلامي أوحد»، سواء لجهة اعتماده على «مرتكزات شرعية» في كلّ ما جاء فيها، أو لجهة «عولمة خطابها». فحثُّ مقاتلي «الدولة» على المضيّ في معاركهم جاء انطلاقاً من أن «الجهاد أفضل العمل». وعلى هذا المنوال استبعدَ البغدادي أيّ احتمال للمبادرة بوقف المعارك التي يخوضُها تنظيمه، واختار لمخاطبة جنوده في هذا الشأن الآية القرآنية: «فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون...». الملمحُ الأبرز في رسالة البغدادي كان إصراره على إظهار «دولته» في مظهر «مُخلص المسلمين» في شتى أنحاء العالم، فقال: «السلاحَ السلاح يا جنود الدولة، والنزالَ النزال (...) فإن لكم في شتى بقاع الأرض إخواناً يُسامون سوء العذاب...». وأضاف: «إخوانكم في كل بقاع الأرض ينتظرون نجدتكم، ويرقبون طلائعكم». وحرص على تعداد تلك البقاع: من الصين والهند، مروراً بفلسطين وجزيرة العرب والقوقاز، وليس انتهاءً بتونس وليبيا والمغرب. وأكّد البغدادي أنّ «دولة الخلافة» ستثأر للمسلمين في أصقاع الأرض: «والله لنثأرنّ ولو بعد حين. ولنردّ الصاع صاعات، والمكيال مكاييل».

البغدادي: للمسلمين اليوم أقدام تدوس
وثن القومية وتحطم صنم الديمقراطية

وأضاف مشدّداً وعيده، ومُبشراً بزمانٍ جديد: «ألا ليعلم العالم أننا اليوم في زمان جديد. (...) إن للمسلمين اليوم كلمة عالية مدويّة. كلمة تُسمع العالم وتُفهمه معنى الإرهاب». وبدا لافتاً أن رسالة «الخليفة» خلت من مهاجمة «الروافض والنصيريين» كما جرت العادة في خطابات «الدولة». وحرصت في موازاة ذلك على تهديد «الصليبيين، والملحدين، واليهود»، و«عملائهم من الحكام الخونة»، بالقول إن «للمسلمين اليوم أقداماً تدوس وثن القومية، وتحطم صنم الديمقراطية». وبدت تلك المقدمات ضرورية لاستحضار «خطاب الفسطاطين» الشهير، الذي سبق أن أدلى به زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن. وعلى غراره، قسّم البغدادي العالم اليوم إلى «فسطاطين اثنين، وخندقين اثنين. فسطاط إسلام وإيمان، وفسطاط كفر ونفاق»، واضعاً في «الفسطاط الثاني» كلّ «أمم الكفر، وملله. تقودهم أميركا وروسيا، ويحركهم اليهود». ومضى البغدادي في تقليده لخطاب بن لادن، عبر التذكير بـ«الانتهاكات والممارسات ضدّ المسلمين»، في بورما، والفيليبين، وإندونيسيا، وكشمير، والقوقاز، إلى فلسطين، وتركستان الشرقية، وإيران، من دون أن ينسى فرنسا، ومنع الحجاب فيها». وعاد «الخليفة» مرة أخرى ليبشر المسلمين بأنّ لهم «بفضل الله دولةً وخلافة. (...) خلافة جمعت القوقازي، والهندي، والصيني (...) والأميركي، والفرنسي، والألماني، والأوسترالي»، داعياً الجميع إلى «الهجرة إلى دولة الإسلام»، إذ «ليست سوريا للسوريين، وليس العراق للعراقيين». وشدّد على أنّ «الهجرة إلى دار الإسلام واجبة على من استطاع». وبطريقة توحي بحرص «دولة الخلافة» على «الرعيّة»، خصّ البغدادي بندائه «طلبة العلم والفقهاء والدعاة، وعلى رأسهم القُضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والإدارية والخدمية. (...) فالنفير واجبٌ عليهم وجوباً عينيّاً». وضمّن دعوته إشارة إلى أن «أصحاب الكفاءات» سيحظون بمكانة خاصة، حيث «الناس متعطشون لمن يعلمهم، ويفقههم». ولأن «دولة الخلافة» هي «دولة جهاد»، فقد حرص «الخليفة» على إنهاء رسالته كما بدأها بمخاطبة «جنود الدولة»، فقال مؤكداً: «لا أخشى عليكم كثرة أعدائكم (...) وإنما أخشى عليكم من ذنوبكم، وأنفسكم». وبدا البغدادي متمسكاً بالنَفس الترغيبي في خطابه، فأوصى جنوده بـ«المسلمين، وعشائر أهل السنّة خيراً»، كذلك أولى «فكاك الأسرى» مرتبة الصدارة في أولويات «الجهاد»، ما يشي بأن مهاجمة السجون ستستمرُّ على رأس معارك التنظيم القادمة. وقال البغدادي في هذا الشأن إن «أفضل موطن تراق فيه دماؤكم في فكاك أسرى المسلمين». واختتم بالتأكيد على أن «هذه وصيتي لكم، فإن التزمتموها لتفتحُن روما، ولتملكُنّ الأرض إن شاء الله».
ورغم عدم التصريح بذلك، فإن كلمة البغدادي جاءت لتؤكد جنوح التنظيم نحو إلغاء «شرعية» كل التنظيمات والإمارات الأخرى، ما لم «تبايع الخليفة». يشتمل ذلك على «إمارة القوقاز»، وتنظيم «القاعدة»، وحركة طالبان التي يحظى زعيمها الملّا عمر بصفة «أمير المؤمنين» أيضاً، الأمر الذي أكّده مصدر مرتبط بـ«تنظيم الدولة» لـ«الأخبار». المصدر أكّد أنّ «لا إمامة لقاعد عن الجهاد، ولا يجوز لأمير أن يقتصر جهادُه على بقعة واحدة من بقاع الأرض». وأضاف: «إن دولة الخلافة هي القيّمة على الجهاد الحق، وإن للخلافة شروطاً اجتمعت في شخص أميرنا القُرشي، وإنّ التمكين والفتح من الله، يمُنّ بهما على من يشاء، وعلى من هو أهلٌ لهما. وقد منّ بهما على خليفتنا».




خطاب «الفسطاطين»

تطابقت كلمة البغدادي أمس، في كثير من مفاصلها، مع كلمة كان وجّهها زعيم تنظيم القاعدة الأسبق أسامة بن لادن، إثر هجمات 11 أيلول 2001. ومما جاء في كلمة بن لادن في شأن «الإرهاب» حينها: «مليون طفل مِنَ الأطفال الأبرياء يُقتلون (...) في العراق، بلا ذنب جنوْهُ. (...) شعْبٌ في أقصى الأرض ــ في اليابان ــ قُتل منهم مئات الألوف! صغاراً وكباراً، فهذه ليست جريمة حرب، هذه مسألة فيها نظر. مليون طفل في العراق مسألة فيها نظر، أمّا عندما قُتل منهم بضعة عشر في نيروبي ودار السلام قُصفت أفغانستان وقُصف العراق، ووقف النفاق بأسره خلف رأس الكفر العالميّ، خلف هُبَل العصر أميركا ومَنْ معها». وحول انقسام العالم قال بن لادن: «إنّ هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط كُفْر». وفي شأن التوعد بالثأر: أقسم بالله العظيم (...) لن تهنأ أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن قبل أن نعيشه واقعاً...».