القدس المحتلة | كان حلم الفتى محمد أبو خضير بسيطًا جدًا، ففي المكان الذي خطف فيه طمح إلى العمل كهربائيا كوالده. درس فن الكهرباء في مدرسة اللوثري الصناعية ليستطيع العمل مع والده ومساعدة عائلته. أمس، دفن أهل القدس الغاضبون جثمان محمد الذي تأخر تسليمه ليومين وهو في التشريح داخل مشرحة أبو كبير، لكنهم بعد تأدية واجب العزاء، وقبله، هبّوا هبة لم تشهدها المدينة منذ أيام الانتفاضة الثانية.
حجارة ومفرقعات وإطارات محروقة، هذا ما استطاع به الشبان الفلسطينيون الرد على جنود الاحتلال، الذين يحاصرون شعفاط وبعض قرى القدس المحتلة كالعيساوية وجبل المكبر والطور، وبقوا حتى ساعة متأخرة من فجر أمس يلقون قنابل الصوت ويطلقون الرصاص المطاطي على المتظاهرين، ما أوقع عشرات الإصابات الجديدة في صفوفهم إلى جانب اعتقال قوات المستعربين ثمانية آخرين.
يقول والد الشهيد، حسين أبو خضير، إن الأيام الماضية كانت صعبة جدا عليهم، واصفا الحدث بالفاجعة، لكنه أكد لـ«الأخبار» أن سلطات الاحتلال لم تسلمهم تقريرّا ينص على أن نجلهم قُتل على «خلفية قومية»، وذلك بذريعة «أن التحقيق في الجريمة لم ينته بعد». عن الأنباء التي تحدثت عن أن التشريح كشف أن القتلة أشربوا الفتى البنزين جبرًا قبل أن يحرقوه، عقّب أبو خضير: «العائلة لم تتسلم تقرير التحليل الجنائي بعد، والأقاويل التي تذاع بين الناس ليس لها تأكيد حتى اللحظة».
في السياق، علقت وكيلة وزارة شؤون القدس، سلوى هديب، بالقول إن الحكومة الإسرائيلية «تمر بأزمة كبيرة باتت واضحة في قراراتها التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني»، مؤكدة أن على المستوطنين أن يدفعوا ثمن فعلتهم «وثمن الفساد الذي يعيثونه في الأرض». وأضافت هديب لـ«الأخبار» أن الفلسطينيين سيحافظون على مسيرة النضال «حتى يحصلوا على دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس».
محاولة اختطاف
طفل آخر أحبطها
أهالي بيت حنينا

ميدانيا، لا تزال الشرطة الاسرائيلية تغلق جميع مداخل القدس القديمة وأبواب المسجد الأقصى، ومنعت أمس دخول المصلين ممن هم دون سن الخمسين في أول جمعة من شهر رمضان تحسبا لنشوب مواجهات بينهم وبين الفلسطينيين بعد انتهاء الصلاة. وشهدت بوابات السلسلة وحطة والأسباط، اشتباكات بالأيدي خلال محاولة المصلين دفع جنود الاحتلال وكسر الحواجز للدخول إلى الأقصى وأداء الصلاة، كما أغلقت الشرطة جميع مداخل قرية العيساوية (شمال) ومنعت من هم دون ٣٠ عاما من الخروج منها.
برغم هذا التصعيد، يواصل المستوطنون حملتهم الانتقامية بعد نجاحهم في خطف أبو خضير وقتله، وذلك بمحاولاتهم اختطاف أطفال جدد، وكانت آخر تلك المحاولات بحق الطفل محمد الكسواني من أمام منزله في حي الريحان في قرية بيت حنينا القريبة من مستوطنة بسيغات زئيف شمال القدس، لكن أهالي الحي تصدوا لهم فلاذوا بالفرار. ووفق شهادة أهل الطفل الكسواني لـ«الأخبار» فإن سيارة يستقلها أربعة مستوطنين حاولت اختطاف محمد خلال لعبه في الحارة، لكن صراخه كشفهم، «فتجمع أهل الحي وحالوا دون إتمام عمليتهم، علما أن المستوطنين لم يكونوا ملثمين».
وشمال قطاع غزة (الأخبار)، نظمت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» مسيرتين منفصلتين شارك فيهما آلاف المواطنين تحت عنوان «تحدي التهديدات الإسرائيلية بشن حرب على غزة وللتنديد بجرائم الاحتلال ومستوطنيه في الضفة والقدس».
في ختام المسيرة الأولى، ألقى القيادي في «الجهاد الإسلامي»، خالد البطش، كلمة أعلن فيها «البراءة من التنسيق الأمني مع الاحتلال». وقال البطش إن الجريمة التي ارتكبها المستوطنون بقتل الطفل أبو خضير هي التي أشعلت نار الغضب. وتابع: «على كل الفلسطينيين أن ينتفضوا برغم تخلي العرب عنهم وإغراق المنطقة بالفتن الطائفية والسياسية».
عن «حماس» ألقى القيادي فيها محمد أبو عسكر كلمة ندد فيها بالجريمة الأخيرة في القدس، مطالبا هو الآخر، السلطة، بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال «وحماية الشعب الفلسطيني بدلا من حماية المستوطنين». وأكمل أبو عسكر: «جنودكم (الاحتلال) ليسوا أغلى عند الله من أطفالنا، وإن كنتم تتخذون من الخوف ذريعة لاغتيال قيادات حماس، فالحركة كلها قيادات».