برغم التهويل الذي تمارسه حكومة إسرائيل وجيشها بخيار العدوان البري على قطاع غزة، استبعد محللون إسرائيليون إمكان تفعيل هذا الخيار، ليس فقط بسبب عدم جدواه، بل أيضا لأن الحرب قد تجاوزت نقطة الذورة وبدأت ساعة الرمل السياسية لرئيس الوزراء، بنيامين نتيناهو، بالنفاد.
وكتب بن كسبيت، في «معاريف»، أن «عملية الجرف الصامد بدأت تستنفد نفسها، وأن الطرفين يسرهما النزول عن الشجرة التي تمترسا عليها في قلب الغابة، لكن ما من سلالم. فالوسيط الطبيعي والتقليدي، مصر، غير معنية جدا بالتعاون. والجنرال السيسي يتمتع شخصيا بكل بيت لمسؤول من حماس يصبح موجة حجارة في غزة. والاميركيون هم الوحيدون الذين يمكنهم أن يخلقوا الالية التي تنهي الامر. المكالمة الهاتفية بين نتنياهو واوباما يوم الخميس كانت مكالمة تأسيسية. اسرائيل هي التي طلبت من الولايات المتحدة الدخول الى الصورة».
ورأى كسبيت أن «التسوية في نهاية المطاف ينبغي أن تعطي الجميع احساسا بانجاز ما. اسرائيل «ستعيد الردع» وتلقن حماس درسا، وحماس ستستعيد علاقتها بالعالم، وتحصل ربما على الفرصة للصمود من ناحية اقتصادية. قطر ملزمة بان تكون جزءا من مثل هذا الاتفاق لانها ستوفر المال. اما ابو مازن، فيفترض أن يثبت مكانته بصفته الزعيم الوحيد للشعب الفلسطيني، اذا ما تمكن الاميركيون من جعله كبير السن المسؤول». ودعا الكاتب إلى عدم المبالغة في توقع أن الصيغة النهائية للتسوية ستقتصر على السعي «إلى وضع تكون فيه حماس مردوعة حقا، وترسانة تهديداتها على الجبهة الداخلية محدودة، أما الحديث عن تسوية على نمط سوريا، تتخلى حماس في إطارها عن صواريخها، فهي غير واردة، فحماس لن تتخلى عن صواريخها».
وبانتظار أن يتحقق ذلك، رأى الكاتب أنه «بات واضحا للجميع أن الجرف الصامد أصبح في مرحلة ما بعد الذروة، ونتنياهو ويعالون لن يسارعا في الدخول إلى غزة، وإذا ما دخلا فسيكون ذلك نشاطا موضعيا لا يبقي القوات على الأرض أكثر من بضع ساعات أو أيام». وخلص كسبيت إلى أن «نتنياهو سلم بحقيقة أنه لا يمتلك القدرة على دفع حكم حماس إلى الانهيار، وهو كأسلافه، سيلعب من حملة عسكرية إلى أخرى، من ترميم الردع إلى إعادة ترميمه، ولا أحد يملك أوراقا أخرى في هذه اللحظة».
من جهته، رأى يوسي يهوشوع، في «يديعوت أحرونوت»، أن عملية «الجرف الصامد تعثرت أصلا على الصعيد الميداني، وإذا ما انتهت بوقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس من دون مطلب واضح بنزع السلاح من غزة، ووقف تسلح حماس عن طريق التصنيع المحلي، فإن الأمر سيكون فشلا مطلقاً».
وأشار الكاتب إلى أن الجيش الإسرائيلي «انجر إلى هذه العملية ولم يدخل إليها كما كان يريد، وهذا هو سبب فقدانه عنصر المباغتة وعدم نجاحه في استهداف مسؤولي حماس أو الصواريخ البعيدة المدى». وفي السياق، تطرق يهوشوع إلى التزامن بين الحرب على غزة والذكرى السنوية الثامنة لنشوب «حرب لبنان الثانية»، فرأى أن قرار الجيش بأن يطبق «جزئيا» عقيدة الضاحية في غزة، من خلال تدمير المناطق المأهولة التي تنطلق منها النار في غزة «قد يكون سببه أن الجيش يدرك أن نصر الله يتابع الجولة الحالية، ولذلك يكون ذلك دفعة مسبقة من حرب لبنان الثالثة».
وفي «هآرتس»، كتب محلل الشؤون العسكرية، عاموس هارئيل، تحليلا موسعا عن خيار الدخول البري إلى قطاع غزة، فرأى أنه «برغم صفوف الدبابات التي تتجه الى الجنوب وألوية المشاة التي تتأهب حول القطاع، فإن اسرائيل لا تسارع إلى المرحلة البرية من العملية. فالتوجيه الى القوات يتأخر، ويبدو أن ذلك محاولة لاستنفاد الاتصالات السياسية». ودعا الكاتب إلى التقليل من التوقعات بشأن ما يمكن أن تنجزه العملية البرية في قطاع غزة «فالجيش الإسرائيلي لا يستطيع أن يحل على نحو كامل مشكلة الصواريخ دون أن يحتل قطاع غزة كله ويمشطه على مدى أشهر، وستبقى النتيجة غير مضمونة آنذاك أيضا».
وشرح الكاتب هذه المعضلة موضحا «أن دخول الجيش الاسرائيلي البري الى قطاع غزة سيلاقي جهدا دفاعيا من حماس، التي ستستعمل الصواريخ المضادة للدبابات والمتفجرات ونظاما دفاعيا من انفاق تحت الارض. ويتوقع أن تزيد في الوقت نفسه محاولات إطلاق الصواريخ على المراكز السكنية في اسرائيل، وستضطر الحكومة المصغرة الى أن تفكر في أنه هل من قدر كاف من المعلومات الاستخبارية الدقيقة، وهل من اهداف يمكن احرازها بعملية برية محدودة قبل الموافقة عليها. وستكون حيرة الوزراء بين الخشية من أن يبدوا مستعدين لانهاء المعركة بتعادل مع حماس (التي ستعرض التعادل على أنه انتصار كبير)، والخشية من التورط أكثر بما يفضي إلى إصابات في قوات الجيش الاسرائيلي، فيما الساعة السياسية بدأت بالعد العكسي».
وتحت عنوان «ساعة نتنياهو الرملية بدأت بالنفاد»، رأى باراك رابيد في «هآرتس» أن نتنياهو، وبرغم تشديده على أن الضغوط الدولية لن تمنعه من استكمال الحرب ضد حماس «ليس مؤكدا أنه يأسف لهذه الضغوط، فمنذ البداية لم يكن راغبا في هذه العملية، وهو أمام الرأي العام الإسرائيلي يظهر صورة صلبة، لكنه في داخل قاعة اجتماعات المجلس الوزاري المصغر يقول للوزراء: ليس أمامنا خيار، فالعالم يضغط علينا، والمهم الآن هو التركيز على النووي الإيراني».