لا تكف القوى المسيطرة على قرار الدولة عن استخدام ملفات شديدة الحساسية لفرض شروطها في اللعبة السياسية والصراع على المصالح الاجتماعية والاقتصادية، حتى ولو أدّى ذلك الى تهديد مستقبل عشرات آلاف الطلاب وهدر حقوق المعلمين والأساتذة والموظفين ودوس كراماتهم ودفعهم الى خيارات لا يريدون الوصول اليها، ومنها الاستمرار في تعليق اختتام العام الدراسي الحالي والتهديد بعدم بدء العام الدراسي المقبل.
هذا ما حدث ويحدث في ملف سلسلة الرواتب العالق منذ 3 سنوات وملفات المحاصصة المقيتة في الجامعة اللبنانية، ولا سيما ملفي تفرّغ الأساتذة المتعاقدين وتعيين عمداء أصيلين للكليات.
أركان هيئة التنسيق النقابية، كما أهل الجامعة اللبنانية، يسعون الى تجنّب المزيد من الكؤوس المرّة، ولكنهم لا يمتلكون أي سلاح في المواجهة المفتوحة من أجل حقوقهم سوى الإضراب. فلا تصحيح لامتحانات الشهادة الرسمية ولا إعلان للنتائج، وكذلك الأمر في الجامعة اللبنانية. وعلى الرغم من ذلك، ومع اقتراب مواعيد داهمة، لا يبدو أن أيّاً من أصحاب القرار يرف له جفن.
في ظل ذلك، تداعى طلاب الشهادات الرسمية إلى اعتصام الأربعاء المقبل عند الحادية عشرة قبل الظهر في وزارة التربية للمطالبة بشهاداتهم وتحميل مجلس النواب مسؤولية حرمانهم من الالتحاق بالجامعات. ومن المقرر أن تعقد هيئة التنسيق اجتماعاً بعد ظهر اليوم لإعلان خطة تحرك نوعية جديدة تسهم في ممارسة ضغط إضافي من أجل تأمين حقوق المعلمين والموظفين والطلاب.
يضغط عامل الوقت مع اقتراب مواعيد التسجيل ومباريات دخول الطلاب الجدد إلى الكليات، ويحتاج نحو 100 ألف طالب وطالبة في الشهادتين المتوسطة والثانوية العامة بفروعها الأربعة إلى إصدار نتائج امتحاناتهم. بدلاً من يكون ذلك عامل ضغط للإسراع في اجتراح الحلول، تطغى اللامبالاة وأساليب التعنّت. وكأن ما يحصل هو المطلوب فعلاً؛ أن لا يبقى هناك أثر لدور الدولة في التعليم!

اعتصام أمام مقر التنظيم المدني
لمدة 3 ساعات

الأول من آب هو موعد مهم في هذا السياق، إذ يُفترض أن تبدأ كليات الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة بتسجيل الطلاب الجدد وتحديد مواعيد امتحانات الدخول في بعض الاختصاصات، فما العمل؟ هل ينجح رئيس مجلس النواب نبيه بري في الدعوة إلى جلسة تشريعية، الخميس المقبل، تكون السلسلة أحد بنود جدول أعمالها، كما يُشاع؟ الأجواء لا تشي بذلك، بل بالعكس، هناك ميل إلى الإمعان في تجاوز هذا الملف، إذ يجري الحديث عن تسوية تحاك لحصر الجلسة ببندين يرميان الى رفع سقف الاقتراض بالعملات الأجنبية وقوننة الإنفاق المالي لصرف رواتب الموظفين في القطاع العام، علماً بأن المعلومات لا تزال تفيد بأن كتلة المستقبل تصرّ على عقد جلسة مخصصة فقط للقانون الخاص ببند إصدار سندات «اليوروبوند» دون سواه من البنود الأخرى، ويرفض بري ذلك، ويصرّ من جهته على إدراج بند قوننة الإنفاق الإضافي لهذا العام، والكتلة المذكورة تشترط لذلك تسوية «المخالفات» المالية التي حصلت خلال السنوات الماضية.
في هذه الأثناء، بدأت هيئة التنسيق جولة جديدة من اللقاءات برؤساء الكتل السياسية لتفادي الأسوأ. فالتقت، السبت الماضي، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، بحضور وزير التربية الياس بو صعب. وأكدت الهيئة أهمية أن ينزل النواب إلى المجلس النيابي ويقرّوا الحقوق في سلسلة الرواتب بأسرع وقت ممكن حتى ينصرف المعلمون إلى تصحيح المسابقات وإصدار النتائج، وخصوصاً أنّ الوقت أصبح قصيراً. ونقلت عن عون قوله إنّ الكرة ليست في ملعب تكتله الذي قام بواجباته في هذا الملف، بل في ملعب قوى سياسية أخرى، ولا يجوز وضع كل الكتل النيابية في المصاف نفسه، فهناك من يدعم وهناك من يعرقل. من جهتها، جددت الهيئة رفضها لطرح إعطاء الإفادات بدلاً من الشهادات الرسمية، وجدد بو صعب في اللقاء إقراره بأن لا شيء سيحصل من دون موافقة هيئة التنسيق، وإعطاء الإفادات ليس وارداً. ونفى عون أن يكون قد تبلغ أيّ موعد لجلسة تشريعية هذا الأسبوع. وفوجئ بأن تكون السلسلة التي تناقش حالياً في المجلس النيابي هي السلسلة التي أعدتها اللجنة النيابية الفرعية الثانية المنبثقة عن الهيئة العامة برئاسة جورج عدوان، إذ هناك من قال له «عم نعدلها».
وفيما تسرّبت معلومات عن أن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة قد طلب من عون الضغط على وزير التربية لإعطاء إفادات بدلاً من الشهادات الرسمية، نفي الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار لـ«الأخبار» أن يكون حدث لقاء أو اتصال مع النائب عون، وإن كنا «نطالب بأي حل يضمن أن يأخذ الطلاب شهاداتهم، مع إصرارنا على تصحيح المسابقات وإصدار نتائج الامتحانات الرسمية، رغم اعتراضاتنا على الفوضى التي أجريت فيها الامتحانات، وذلك في الموعد الذي قطعه وزير التربية لـ«الاتحاد»، في أثناء اجتماعه معه منذ نحو شهر، أي قبل الأول من آب». ويرى عازار أن السلطة السياسية مطالبة بتحرير الطلاب وإعطاء الطلاب حقوقهم. وكان الاتحاد قد أصدر بياناً في نهاية الأسبوع الماضي أشار فيه إلى أنّه «لا يجوز أخذ التلامذة ونتائج امتحاناتهم رهينة لتحقيق المطالب»، منبهاً من «خطورة الانعكاس السلبي لسلسلة الرواتب على قدرة الأهل على تحمّل أعبائها»، ومطالباً بـ«ضرورة مساهمة الدولة في تغطية تكاليف السلسلة في حال صدورها في القطاعين العام والخاص». وأكد الاتحاد مواعيد افتتاح السنة الدراسية 2014ــ2015 في المواعيد التي أُعلنت سابقاً، ونبّه من خطورة التهديد بعدم العودة إلى الدراسة في مواعيدها، ما يترك انعكاسات سلبية على الأوضاع الإنسانية والتربوية والتعليمية والمعيشية.
وزارت هيئة التنسيق النقابية أمس الاثنين رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في دارته في كليمنصو. وتنتظر موعداً من رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب فؤاد السنيورة الموجود حالياً في المملكة العربية السعودية. جنبلاط تعهد في اللقاء بالقيام بمسعى من أجل وضع سلسلة الرتب والرواتب على جدول أعمال مجلس النواب في حال انعقاده وبالتالي إيجاد السبل الكفيلة بتأمين التوازن والنفقات المترتبة عن السلسلة.
إلى ذلك، تنفذ رابطة موظفي الإدارة العامة اعتصاماً أمام مقر المديرية العامة للتنظيم المدني بين التاسعة والواحدة من بعد ظهر غد الأربعاء، تزامناً مع الموعد الأسبوعي للإضراب العام في الوزارات والإدارات والمحافظات والأقضية والمؤسسات العامة والبلديات. وأيّدت الرابطة مطالب مستخدمي المستشفيات الحكومية والجامعة اللبنانية وتعاونية موظفي الدولة والمركز التربوي للبحوث والإنماء. ودعت المسؤولين إلى «تحمّل مسؤولياتهم، وإقرار مشروع السلسلة رحمة بالموظفين والأساتذة والطلاب».
وجددت الرابطة رفضها أي تعديل في الدوام وأي زيادة في ساعات العمل، انطلاقاً من مبدأ لا عمل بدون أجر، كما المس بالتعويضات، مشددة على «الأربع درجات ونصف الواردة في مشروع النائب جورج عدوان، وضرورة ملء الشواغر في جميع الفئات من الادارة المعنية، وفي حال تعذر ذلك يكون التعيين من داخل الملاك»، مطالبة بـ«شمول الأجراء والمتعاقدين والعاملين على الساعة والمتقاعدين بمشروع سلسلة الرواتب وإخضاعهم لنظام التقاعد وتعاونية موظفي الدولة».