قبل أيام قليلة، كتب المعارض السوري ميشال كيلو مقالين متتاليين في موقع «العربي الجديد»، مثّلا فضيحة فعلية لعمل الائتلاف السوري المعارض، ورئيسه السابق احمد الجربا. قال كيلو إن الجربا «خرج عن جميع معايير الديمقراطية»، واتهمه بـ «دفع عربة الثورة السورية نحو الهاوية، بالجهل والغباء». هل سيجد الرئيس بشار الأسد أفضل مما قاله المعارض اليساري، وغيره من المعارضين، عن تفكك المعارضة ليقول في خطابه أمس «سقطت مسمّيات، واندثرت تحالفات وانقسمت مجالس وتفتّتت هيئات».

الواقع انه فيما كان كيلو يكتب مقاليه، كان الجيش السوري يواصل الإطباق على حلب، وكان حليفه حزب الله يكمل السيطرة على القلمون والمناطق الحدودية، وكان العرب يراقبون عن بعد مشهد الاجرام الاسرائيلي في غزة، ويحارون كيف يتعاملون مع «داعش» وخلافتها الاسلامية في العراق. وسط هذا الاطار العام، لا شك في ان الاسد شعر بأنه يستطيع ان يقدم خطاباً أكثر راحة من كل ما سبق، وان يقول لسامعيه «هنيئاً لكم ثورتكم وانتصاركم». فالثورة الاخرى أكلت ابناءها واسقطت احلامها في براثن «داعش» وخلافتها، وانتهت باقتتال سياسي وعسكري قلَّ نظيره.
ما هي أبرز الملاحظات حيال خطاب القسم؟
ــــ في الشكل، أعطى الأسد الاشارة الاولى من الخارج. استعرض ثلة من الحرس الرئاسي في البهو الخارجي. هذا دليل على الاطمئنان الأمني على دمشق وإحكام السيطرة على معظم ريفها. انتهى الزمن الذي وصلت فيه القذائف الى محيط القصر الرئاسي.
ــــ في الشكل أيضاً، مازح الأسد سامعيه مراراً. لعل القفشة الاكثر جذباً كانت كلامه عن «العنتريات والبندريات». مثل هذا المزاح يعبّر، في تحليل الخطاب السياسي، عن راحة الخطيب واستخفافه بالتهديدات وإقامة جسر انساني مع المخاطَب. تكفي قراءة تعليقات المؤيدين مباشرة بعد الخطاب امس على الفايسبوك ليتبيّن ان الاسد نجح الى اقصى حد في تطمين مؤيديه.
ــــ هذه من المرات النادرة، إن لم تكن الاولى، التي يخاطب فيها الاسد شعبه بلغة العاطفة. معروف عنه أنه يفضل البعد الاكاديمي الجاد. هذه المرة تحدث عن «المرأة الشامخة، او المسنة، وعن الجندي المصاب...»، الذين جاؤوا لينتخبوا. أخيراً سمع النصائح.
ــــ دخوله من الخارج الى الداخل، كلامه عن النصر، مزاحه مع الناس، ثم خروجه وزوجته الى جانبه. أُريد لها جميعاً ان تشكّل حاملاً مطمئنا للمضمون.
ــــ في المضمون، قدّم الاسد عدداً من الخلاصات التي ما كان يذكرها سابقاً. ذكر كلمة انتصار من دون ان يحدد تاريخاً لنهاية الحرب. اكد «فشل العدوان وأصحابه وأدواته». تحدث عن «تغير ظروف ووقائع وتبدل مواقف وتراجع اخرى».
ــــ في المضمون كذلك، وضع حداً نهائياً لأي تفاوض مع معارضة الخارج. فهؤلاء بالنسبة اليه خونة باعوا الوطن. انتهى جنيف اذاً.
ــــ استخدم لغة المنتصر حيال الدول الكبرى والاقليمية، قال «سقط العملاء السوريون، وسقط الارهابيون»، لكن، أيضاً، «أسيادهم من دول كبرى وأخرى تابعة منقادة».
ــــ العودة الى التاريخ لاتهام السعودية بالتواطؤ ضد فلسطين. أرفقه الاسد بموقف سوري يؤكد الوقوف الى جانب المقاومة. هذا لم يمنع سهامه ضد حماس من دون ان يسميها، وضد الاخوان الذين باتوا بالنسبة إليه مجرد «شياطين». كيف لا يرتاح في الحديث عنهم ومعظم دول المنطقة، ما عدا تركيا وقطر، تعتبرهم ارهابيين. يتمايز بذلك عن حليفته ايران المستمرة بشيء من الانفتاح على حماس والاخوان.
ــــ لم يوجّه الاسد اي رسالة انفتاح على الغرب، برغم الاتصالات الامنية الحاصلة حالياً. بالنسبة اليه، لا يزال الغرب «استعمارياً». وجَّه، في المقابل، تحية لاقت تصفيقاً كبيراً من الحضور للمقاومة اللبنانية، وحيا ايران وروسيا. تحية روسيا مهمة جداً الآن لازالة الضبابية التي أرخاها القرار الدولي الاخير حول المساعدات الانسانية.
ــــ أراد الاسد التذكير بأنه كان على حق في توصيف الازمة السورية منذ بدايتها. قال: «أليس ما نراه في العراق اليوم، وفي سورية ولبنان، وكل الدول التي أصابها داء الربيع المزيف دون استثناء، هو الدليل الحسي الملموس على صدقية ما حذرنا منه؟».
ــــ في المضمون كذلك قدّم تطمينات كثيرة بشأن المصالحات واعادة الاعمار ومحاربة الفساد. أراد تشجيع المنشقّين على رمي السلاح والعودة الى صفوف الجيش. فرَّق بين من جرى التغرير بهم، و«الخائن والعميل والفاسد الذين نظفت البلاد منهم».
ــــ الاهم من كل ما تقدم ان الاسد حصر الحل السياسي بذاك الذي «يبنى على المصالحات الداخلية». الحوار اذاً داخلي فقط، ولن يشمل «القوى التي اثبتت لا وطنيتها». الائتلاف هو المقصود.
ــــ قدم الاسد تطمينات الى المزارعين وموظفي القطاع العام والصناعيين لحثهم على التجاوب اكثر مع دعوات المصالحة. هذا مهم حيث تثبت كل الدراسات ان ابناء الارياف، الذين فشلت عندهم سابقا المشاريع الزراعية، هم الذين كانوا اكثر نقمة وميلا للتسلح.
في المحصلة، حاول الاسد الايحاء بأنه انتصر على خصومه، وبان ما بقي استكمال لهذا النصر. وسعى إلى افهام الجميع، وخصوصاً في المعارضة والدول الداعمة لها، ان لا تنازلات سياسية ولا تنازلات عن صلاحيات ولا اي تغيير بات مقبولا بعد اليوم. فما بعد الانتخابات و3 سنوات من الحرب ليس كما قبلها.
فهل انتصر فعلاً؟ الجواب لا شك بات في الداخل اكثر منه من الخارج. الارهاب جعل الخارج في مكان آخر. حرب غزة احرجت الجميع. تقدّم الجيش وحلفائه سحب بساطاً كبيراً. «داعش» وخلافتها أحرجت العالم. لكن الاهم الان بالنسبة الى الرئيس في ولايته الثالثة، ان يُشعر كل من في الداخل بأنهم انتصروا، لا ان طرفاً انتصر على الآخر.