السؤال عن مرحلة ما بعد «كارثة غولاني» احتل صدارة اهتمام الإعلام العبري ومحلليه وخبرائه. «الثمن الباهظ» و«الورطة في غزة» و«ما بين غزة وبنت جبيل» و«من النشوة إلى الخوف»... هي أهم عناوين الصحف العبرية يوم أمس.
ذكّرت مشاهد الشجاعية الكثيرين، بمشاهد مدينة بنت جبيل خلال حرب لبنان الثانية عام 2006. هذا ما خلصت إليه صحيفة «هآرتس»، في إحدى مقالاتها الكثيرة أمس، عن «فاجعة غولاني» في غزة. في حينه، في بنت جبيل، تكبدت الكتيبة 51 من نفس اللواء، ثمناً باهظاً جداً، وها هي الكتيبة نفسها تتلقى الخسائر في الشجاعية. و«مثل حزب الله في حرب لبنان الثانية، نجحت حركة حماس أيضاً في مفاجأة القوات بأساليب قتالية في منطقة مبنية وبصواريخ مضادة للدبابات متطورة من نوع كورنيت. كان الثمن باهظاً، وباهظاً جداً، ولم يسبق له مثيل منذ حرب لبنان الثانية».
مع ذلك، حذرت «هآرتس» من أن خسائر يوم الأحد لا تعني التورط في غزة أكثر. إذ «ثمة خشية من أن يزاحم الهدف المعلن للحرب، وهو التطلع إلى الهدوء الأمني، هدف آخر يحتل مكانه، وهو ما لخصه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بقوله الموجز: السير حتى النهاية». ونبهت «هآرتس» أيضاً، أصحاب القرار في تل أبيب، إلى ضرورة الابتعاد عن مطلبين خطيرين: احتلال غزة كهدف، وانتظار صورة النصر الخيالية، مشيرةً إلى أن المواجهة العنيفة بين إسرائيل وغزة لم تبدأ قبل 14 يوماً، وهي لن تنتهي بعد أسبوع، «إنها جزء لا يتجزأ من النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، الذي لن يأتي حله من خلال العثور على الأنفاق والقتل الجماعي، فعلى إسرائيل أن تساعد الوسطاء على تحقيق حل دبلوماسي مناسب، وألا تخشى إعطاء التسهيلات التي يمكنها أن تساعد السكان الفلسطينيين، لأنّ من المحظور علينا أن نغرق في رمال غزة».

حذرت «معاريف»
من مرحلة ما بعد «فاجعة غولاني»

من جهتها، رأت «يديعوت آحرونوت» في افتتاحيتها أمس، تحت عنوان «بنت جبيل ـ غزة»، أن نشوة الجمهور الإسرائيلي تحولت إلى خشية وخوف على جنود الجيش بعد معارك الشجاعية، مشيرةً إلى أن «حركة حماس هي التي تحدد متى وكيف تنتهي المواجهة، وإذا استقر رأيها على أن تقامر وترفض اتفاق وقف إطلاق النار وتستمر بالقتال، فسيصعب على إسرائيل أن تعمد إلى ذلك من طرف واحد»، أما لجهة المؤتمر الصحفي لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي أعقب فاجعة «غولاني»، فـ«كان ناجحاً وحاول بث الثقة لدى الجمهور ولدى الجنود، لكن لا يستطيع أي مؤتمر صحفي أن يغطي على 13 جنازة. سيجري تذكر ليلة غولاني في الشجاعية إلى جانب تذكر المعركة التي خاضها نفس اللواء في بنت جبيل في تموز 2006».
وحذرت الصحيفة من تكرار تجربة عام 2006 مع حزب الله، إذ «لا شيء يحصن عملية الجرف الصامد من مصير مشابه لتلك الحرب»، مشيرةً إلى أن «ما يحدث للحكومة الإسرائيلية أنها تواجه معضلة كتلك التي عاشها أحد الأشخاص الذي وعد بأن يعلو إلى سطح السيرك ويقفز منه إلى الأسفل، ولما تسلق وعلا بقي في الأعلى بلا حراك، فصاح الجمهور يطلب منه أن يقفز، فأجاب: لا أريد الحديث عن القفز، السؤال هو كيف أنزل من هنا؟».
أما صحيفة «معاريف»، فحذرت من مرحلة ما بعد «فاجعة غولاني»، وطالبت بضرورة الامتناع عن إرسال «مؤشرات العَرَج» إلى الفلسطينيين. وطالبت الصحيفة بضرورة امتناع الحكومة الإسرائيلية عمّا يعزز «الموقف الفلسطيني وتعنّته»، والعمل على ما من شأنه دفع «حماس» إلى التراجع: «حماس تعرف كيف تلاحظ الضعف. فهي خبيرة في تشخيص التردد. إذ يوجد من جانبنا ضعف غير قليل، والكثير جداً من التردد. وهذه مصيبتنا. أما حماس، فلن توافق على وقف النار إلا في حالة واحدة: إما أن تلبى مطالبها، أو أن تفهم أنه إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار، فإنها ستباد».
بحسب «معاريف»، يجب على إسرائيل أن تتبنى نهج أفيغدور ليبرمان، لأن الانطباعات التي تكونت بعد المؤتمر الصحفي لرئيس الحكومة أول من أمس، تشير إلى أنه لا ينوي السير حتى النهاية، لكن «إذا لم يبدأوا في حماس بسماع ضجيج محركات الدبابات الإسرائيلية، أو على الأقل أن يتخيلوا أنهم يسمعوها، وهذا لم يحصل، فلن يسارعوا إلى الحديث عن وقف لإطلاق النار».
وعن الضربة التي تلقاها جيش الاحتلال في الشجاعية، أشارت الصحيفة إلى وجوب المبادرة إلى التحقيق في كل ما أدى إلى «هذا الحائط المائل والمفخخ»، وأضافت: «يتعين علينا أن نفحص أيضاً شؤوناً عسكرية واستخبارية، وكيف لم يلقَ موضوع الأنفاق التعبير السليم والمناسب في الاستعراضات الاستخبارية، وكيف لم يكن لدينا معلومات استخبارية محددة عن الأنفاق التي اكتشفت في الأيام الأخيرة، ولماذا لا يتمتع الجنود في الميدان بمستوى استخبارات تمتع بها الجنود في عملية الرصاص المصبوب السابقة».