سيناء | اعتزم عدنان (10 سنوات) وشقيقه أشرف (8 سنوات) الذهاب مع أبيهم إلى سوق العريش لشراء ملابس العيد. لكن القدر خبأ لهم رحلةً أخرى لا رجوع منها. انطفأ الفرح في عيونهم إلى الأبد، حين سقطت عليهم قذيفة هاون أطلقها الجيش بالخطأ، بحسب ما تردد. قُتل الطفلان ومعهما والدهما سالم نصار (39 سنة) ووالدتهما مريم نصار عيد (33 سنة)، فيما أصيب ستة أشخاص آخرين، من بينهم شقيقا الشهيدين، محمد سالم هليل (3 سنوات) وعيد سالم هليل 8 أشهر، إلى جانب أقربائهم زينب هليل وهدية عطية وفوزية سالمان ومريم محسن، حين تحول منزلهم إلى كومة من الحطام في لحظة.

وسط ظلام الليل علا الصراخ بحثاً عن سيارة إسعاف تقلّ المصابين إلى المستشفى. غير أن المسؤولين عن مرفق إسعاف العريش، صمّوا آذانهم عن نداءات الاستغاثة، لمدة ثلاث ساعات كاملة عقب وقوع القصف.
في مستشفى العريش العام، يقول سليم شقيق الشهيد سالم لـ«الأخبار» إن القذيفة التي سقطت على المنزل كان مصدرها منطقة عمليات عسكرية مجاورة، وكانت القوات تقوم بحملات عسكرية وتطارد مسلحين، موضحاً أن شظايا القذيفة تؤكد أنها عسكرية وتابعة للقوات المسلحة المصرية.
وأكد سليم أنه حاول، على مدى 3 ساعات متواصلة، الاتصال برقم مرفق إسعاف شمال سيناء لإرسال سيارة إسعاف لنقل الضحايا، لكن من دون جدوى، حتى لفظ ابن أخيه الطفل أشرف سالم هليل أنفاسه الأخيرة متأثراً بإصابته برأسه.

قتل أربعة أفراد
من آل هليل بينهما طفلان في قصفٍ عسكري عشوائي
وقال أحد الأهالي ويدعى إبراهيم هويشل إنّ الضحايا نُقلوا إلى منطقة الماسورة في رفح، إلى أقرب وحدة صحية. وفي رحلة عذاب طويلة، نُقلوا إلى مستشفى الشيخ زويد في، ثم إلى مستشفى العريش العام حيث ظلت الجثث لنحو 6 ساعات في المشرحة في ظل تعنت النيابة في استخراج تصاريح الدفن، إذ لم تعطها النيابة إلا بعدما وقّع ذوو الضحايا إقراراً بالتنازل عن الحقوق المدنية والرسمية كافة، وسجلت الواقعة ضد مجهولين أطلقوا قذيفة على منزلهم.
أثار الحادث حالةً من الحزن الشديد والاستياء خيّما على الأهالي في مناطق الشيخ زويد وفي رفح. وقال أحمد سعيد وحسن زايد وجمعة سليمان، وهم من أهالي المنطقة، إنهم «يدفعون الثمن في الحرب على الإرهاب»، مبدين انزعاجهم من إهمال المسؤولين لهذا الحادث. إذ لم يزر الضحايا في المستشفى أي مسؤول. وكانت فعاليات اجتماعية في شمال سيناء، قد اتصلت بمحافظ المنطقة، طالبةً منه صرف تعويضات للقتلى والمصابين أسوة بما صُرف لضحايا القذيفة الصاروخية التي سقطت على حي سكني في العريش، قبل أسبوعين، أدت إلى وقوع ثماني قتلى وعشرات الجرحى.
هذه الحادثة لم تكن وحيدة خلال أيام العيد. استهدف الجيش في اليوم الأول منزلاً آخر لأسرة بدوية في قرية المقاطعة جنوبي الشيخ زويد، بقذيفةٍ سقطت أمام المنزل، حيث قتلت طفلة وأصيبت أخرى بجروح بالغة بينما كانتا تلهوان مع أطفال آخرين.
يقول المواطن صلاح أبو دراع لـ«الأخبار» إن الأطفال كانوا يلعبون أمام المنزل يوم الاثنين الفائت، «حينما فوجئنا بسقوط قذيفة ضخمة أمام المنزل»، مضيفاً: «أخذنا نركض باتجاه موقع سقوط القذيفة بحثاً عن الأطفال وسط سحابة من الدخان».
ويتابع أبو دراع: «فوجئنا على بعد نحو 100 متر بجثة ابنتي هلا (9 سنوات)، وقد تحولت إلى أشلاء، وعلى مقربة منها طفلة ابن عمي مروة سالمان (13 سنة) مضرجة بدمائها نتيجة إصابتها بشظايا في أنحاء جسدها كافة»، لتتحول فرحة العيد إلى مأتم، ويستبدل أهل المنزل بملابس العيد ملابسَ الحداد السوداء.

ظلت الجثث 6
ساعات في المشرحة لرفض النيابة تسليم تصاريح الدفن


وأكد والد الطفلة المصابة سالمان أبو دراع لـ«الأخبار» أن القذيفة الصاروخية التي سقطت أمام منزل ابن عمه، مصدرها آليات عسكرية كانت تقوم بعمليات تمشيط في المنطقة. وأضاف أبو دراع: «نحن نعيش بين عدوين يقتلان الأطفال بدمٍ بارد، حيث لا يفرق بين الدم النازف من جثث الأطفال سوى معبر رفح البري»، مضيفاً: «في غزة يسفك العدو الإسرائيلي دم أطفال فلسطين، وهنا في سيناء تزهق قذائف الجيش المصري أرواح أطفالنا، ويغسل يديه من دمهم بإلصاق التهمة بالجماعات الجهادية».
بعد الأحداث الأخيرة، يخيم الحزن على المنطقة وسط أنباء تتردد بين الأهالي عن تعرض منازل لقذائف عشوائية تطلقها قوات الأمن في محيط قرى جنوب وغرب الشيخ زويد.
يرى الدكتور في كلية التربية في جامعة «قناة السويس» في العريش، أحمد فاروق الزميتي أن حوادث قتل الأطفال بقذائف الهاون في منطقة جنوب الشيخ زويد هو «تهريج أمني في شمال سيناء»، حيث سقطت على مدى يومين متتاليين قذيفتان بالخطأ أثناء الحملات الأمنية، على منازل الأهالي في الشيخ زويد، الأولى قتلت أسرة بأكملها وأُصيب 6 آخرون، والأخرى قتلت طفلة وأصابت أخرى، «ولا اعتذار أو توضيح رسمي حتى الآن». ويطالب الزميتي بإقالة مدير أمن المحافظة، الحاكم العسكري في شمال سيناء، «حيث لا يمكن أبداً السماح بالتطبيل على جثث الأطفال».
من جهته، يطالب الناشط السياسي أبو بكر شتيوي أجهزة وزارة العدل المختصة بالتحقيق الفوري وإعلان ملابسات الحادثتين، وإلا فمثل هذه الحوادث ستكون نواة حقيقية لتهجير أبناء سيناء.
ويرى شتيوي أنه إذا كانت هذه الحوادث ناتجة فعلاً من العصابات الإرهابية المسلحة، فإن سكوت الدولة عن مصارحة الشعب المصري وأهل سيناء بما يجري عبر معلومات دقيقة لا معلومات سطحية، سيقلل من الظهير الشعبي المؤيد للعمليات الموجهة ضد حملة السلاح والداعين إلى التخريب. أما إذا كانت هذه الحوادث ناجمة عن أخطاء، فتدارك هذه الأخطاء واجب، بدلاً من تفاقمها.




استمرار استهداف المقربين من الحكومة


تواصلت عمليات استهداف رموز قبلية ومشايخ حكوميين، من قبل جماعات «جهادية»، على خلفية تعاونهم مع قوات الجيش وتقديمهم معلومات عن أماكن وتحركات عناصر تلك الجماعات في شبه جزيرة سيناء.
وشهدت مدينة العريش واقعة اغتيال شيخ حكومي من قبيلة التياها، يدعى صالح عيد سليمان، بعدما أطلق مجهولون ملثمون يستقلون سيارة خاصة، النار عليه خلال وجوده في حي عاطف السادات، في العريش، نقل على إثرها إلى مستشفى العريش العام، حيث تبين أنه أصيب بنحو 20 طلقة في مختلف أنحاء جسده.
كذلك شهدت قرية المهدية الحدودية جنوبي مدينة رفح مواجهات مسلحة بين عناصر «جهادية» من جهة وشيخ قبيلة وأقربائه من جهة أخرى، بعد محاولة تلك العناصر اغتياله أمام منزله. وبعد تبادل لإطلاق النار استمر نحو نصف ساعة نجا الشيخ عبد المجيد المنيعي من محاولة اغتيال بفضل حشد من أبناء قبيلته. وأدت تلك المواجهات إلى مقتل 4 عناصر «جهادية» وإصابة نحو 6 آخرين بالرصاص، وأكد سامي المنيعي لـ«الأخبار» أن محاولة اغتيال الشيخ عبد المجيد المنيعي جاءت بسبب تعاونه مع الأجهزة الأمنية في شمال سيناء، وخصوصاً مع قوات الجيش.