لأكثر من مرة، تلقت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عروضاً سورية لعقد اجتماع تنسيقي أمني وعسكري مشترك لمواجهة الإرهاب ومعالجة أزمة النازحين السوريين. وبحسب مصادر مطلعة، فإن حكومة النأي بالنفس نأت أيضاً عن إبداء موقف واضح من العروض، إيجاباً أو سلباً. المصادر أكدت أن العرض نفسه وجه إلى حكومة الرئيس تمام سلام الحالية مرات عدة، آخرها سجل بعد الهجوم الإرهابي على الجيش في عرسال. حتى الآن، لم يظهر على الحكومة إشارات لاحتمال إعطاء الرد.
فهل تتأثر بالعزيمة الدولية والخليجية لمواجهة «داعش» و«جبهة النصرة» وبالقرار 2170 وبدعوة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للتعاون مع الجميع حتى أميركا، في هذا الإطار؟ ليست تلك الأسباب وحدها. بل أيضاً، هل يبادر الجيش اللبناني إلى طلب المؤازرة من نظيره الجيش السوري من دون الحصول على غطاء سياسي، ما دام موكلاً بمهمة أمنية؟

الظروف الراهنة تفرض لقاء مباشراً بين الحكومتين


الطوابير الطويلة التي تصطف يومياً تحت قيظ الشمس أمام السفارة السورية في اليرزة، ليس لنازحين قرروا العودة إلى بلادهم. إنهم جزء مما يزيد على مليون و132 ألف سوري، أحصتهم مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، لا يزالون يلوذون بالربوع اللبنانية هرباً من جحيم بلادهم. أولئك يقصدون السفارة، إما لإنجاز معاملاتهم الرسمية أو لترتيب نقل جثمان أحد أقاربهم ليدفن في مسقط رأسه أو للحصول على أوراق للطبابة أو التعليم... الطلبات التي تنتشر في باحة السفارة، توحي كأن إقامة أصحابها اللبنانية، طويلة، رغم انها ليست ممتعة.
متى تبدأ عودة النازحين إلى بلادهم؟ لا نجد الإجابة لدى السفير السوري علي عبد الكريم علي. في مكتبه في الطبقة الثالثة المطلة على وزارة الدفاع وقيادة الجيش وقصر بعبدا، لا يملك وحده أسباب الإجابة، لا عن النازحين ولا عن إقفال الحدود في وجه الإرهابيين. ما لم يفصّله المعلم في مؤتمره الصحافي حول لبنان، استفاض به علي الذي انطلق من «جذور الأزمة». فاعتبر أن سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية والامتثال للضغوط الإقليمية والدولية «أدى إلى وصول الإرهاب إلى الشمال وعرسال». في هذا الإطار، توقف عند غض الطرف اللبناني عن تسلل المسلحين عبر الممرات غير الشرعية وإخلاء سبيل عناصر في خلايا أو موقوفين اعترفوا بممارسة الإرهاب والذبح في سوريا وتورطوا بأعمال إرهابية في لبنان، عوضاً عن تنفيذ الاتفاقات الناظمة للعلاقات بين البلدين، التي ينص بعضها على تسليم الموقوفين لبلادهم.
لكن ما الحل للأزمة «الداعشية» الراهنة؟ يجزم علي بأن مواجهتها غير ممكنة من دون أن «يخرج البعض من إطار المكابرة وأن تكون هناك مكاشفة ووضوح واحترام للحقائق على الأرض بدلاً من اتهام حزب الله بالمسؤولية». برأيه، لا يستطيع لبنان مواجهة الإرهاب وحده. حتى الآن، لا يؤمن بالهبات المفترضة. يرى علي أن «أهم هبة للبنان هي وقف تمويل الإرهاب»، داعياً إلى استثمار المراجعة الأميركية والأوروبية من تمويل الإرهاب.
قبل أحداث عرسال، عرض علي على المرجعيات الرسمية المعنية، إما بمذكرات رسمية أو باللقاءات المباشرة، الدعم العسكري والأمني. وإثر الاعتداء الأخير على الجيش من قبل مسلحين سوريين في جرود عرسال، كررت وزارة الخارجية السورية تأكيد دعم الجيش واستعداد الحكومة السورية للتعاون. إلا أن كل تلك النداءات لم تثمر سوى «حد أدنى من التنسيق الأمني والسياسي» يؤكد علي. هو نفسه كديبلوماسي ليس أفضل حالاً من باقي أركان حكومته، إذ يلقى أيضاً حداً أدنى من التواصل. في حين أن الظروف الراهنة تفرض «لقاء مباشراً بين الحكومتين لوضع خريطة طريق للأزمات المشتركة». يتمسك علي بسياسة بلاده «الثابتة والجادة في التعاون في حال طلب الأشقاء، ويؤخذ طلبهم باهتمام بالغ من قبل الحكومة والجيش». تجربة معركة نهر البارد «تثبت الحرص السوري على الجيش اللبناني الذي سنلبي نداءه في حال طلب المساعدة في جرود عرسال». علماً بأن علي كان قد جال قبل أيام، على وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش جان قهوجي.
الحال ذاته ينسحب على أزمة النازحين الذين «دخل أكثر من نصفهم عبر ممرات غير شرعية أو بدافع إغراءات بالحصول على رواتب ومساعدات في وقت لم تكن فيه مناطق جزء منهم تتعرض لأذى» بحسب علي الذي أثنى على قرار الحكومة بإعفاء النازحين الراغبين بالعودة من رسوم المخالفة.