24 يوماً، ينام محمد على الكنبة في غرفة الجلوس. «كيف بدي نام على التخت وخيّي إبراهيم محتجزينو مجموعة من الإرهابيين بعرسال وماني عارف بأي ظروف عايش؟». ملّت أختاه الكبيرتان من محاولة إقناعه بالعودة عن قراره. تقول إحداهما «بالكاد قدرنا نقنع خيّنا الصغير إنو يرجع على شغلو». أما والده، فتثقل كاهله حالة الاستنفار والغضب التي تعم بلدته مشحا في عكار. يشير الحاج مصطفى إلى أنه «عاجز عن ضبط الشباب»، مضيفاً «بعرف من جواتي إنو الوضع خطير وما بينسكت عنو.
بس أنا ما ناقصني هم فوق همومي. ما بدي شي شاب يتصرف تصرف غلط مع الدولة أو المسلحين وتصعب علينا الشغلة أكثر وأكثر». يحرص خلال حديثة على التنبه إلى كل ما يتفوّه به. يمنع الحاضرين من «الحكي الغلط» في حق الدولة أو لومها على ما جرى. عندما تجرّأ ابنه محمد على السؤال: «أين فرع المعلومات ومخابرات الجيش. ألم يكونوا على علم بما يُخطط لعرسال؟»، استدار نحوه بنظرات غاضبة، ورد: «هيدا الحكي ما بينحكى. إنت بدك تاكل عنب أو تقتل الناطور؟».
بالنسبة إلى أبناء مشحا، يعدّ إبراهيم شعبان من «قبضايات الضيعة». قبل أيام من أحداث عرسال، كان الشباب منهمكين في الإعداد لزفافه. أما الآن، فيبحثون في لقاءاتهم عن التحركات التي يمكن القيام بها لإنقاذ حياته. يقول صديقه «بدنا إبراهيم يرجع طيب. لا تهمنا الطريقة. حتى لو اضطررنا إلى حمل السلاح». يتدخل والد إبراهيم لتهدئتهم: «الحماسة الزايدة ما بتفيدنا. أنا تواصلت مع المسؤولين، وقائد الجيش قال إنهم كأولاده ولن يتركهم. خلينا نعطيهن مهلة عشرة أيام، وبعدها نرى».
تبقى سارية خطيبة إبراهيم صامتة. تبكي بحرقة. تختنق كلماتها بصوتها المرتجف. تقول «قلتلو ما تروح. أول ما وصل من الخدمة كانت علقانة بعرسال. وصاروا رفقاتوا يبعتولوا أخبار عن شباب عسكريين عم يستشهدوا. ولما دقولو حمل حالو وراح دغري حتى من دون ما يغيّر تيابو». تقاطعها أخته «سلم علينا كأنو مسافر. وقلنا إنو يمكن يروح وما يرجع». لوعة الانتظار تقتل الأمل لدى سارية، برأيها «الوضع مش منيح بعرسال والحل مانو قريب». هي التي انتظرت إبراهيم ليعود من سفره في قطر ست سنوات، شرع أمامها القدر باب الانتظار الى أجل غير مسمى. لم تكن تريد أن يلتحق إبراهيم بالجيش. كذلك جهد والده في إقناعه للتخلي عن تلك الفكرة، لكنه لم يفلح. اليوم، لا يتردد الحاج مصطفى في لوم نفسه، «كان عليّ أن أمنعه من فعل ما يريد. كلنا منحب الجيش، بس للأسف صرنا منخاف على ولادنا فيه».